لطالما كان اهتمام هنري كيسنجر منصباً في الأيام التي كانت متولياً فيها لمناصب عليا في الإدارة الأمريكية، متركزاً على إعتماد نظرية “توازن القوى” بين الولايات المتحدة والإتحاد السوفياتي السابق. جاء ذلك تماشياً مع رغبة واشنطن بتفادي الصراع والإصطدام وعدم المغامرة مع الإتحاد آنذاك، الذي كان يقارعها بالقوة. حينها، لم تستطع الولايات المتحدة التفرد بالهيمنة على العالم، ومحاولاتها باءت بالفشل.
وبعد غيبة طويلة عن مسرح الأحداث لفترة دامت لعقود، ظهر كيسنجر، مستشار الأمن القومي ووزير الخارجية الأمريكي السابق، من جديد ليضع ملامح أخرى لتصورات جديدة للسياسة الأميركية، إذ لا يمكن تجاهل طروحاته كونه “صهيونياً عالمياً”؛ ولهذا، راح كيسنجر يطرح جملة خطوط لتوجهات سياسة واشنطن، ومنها إستهداف الجمهورية الإسلامية الإيرانية الذي يعتبر الهدف الأكبر في المخطط المرتقب.
أما أبرز توجهات ومؤشرات كيسنجر فتتمحور بما يلي:
1. في حوار أجرته معه جريدة “ديلي سكيب” الأميركية، يقول كيسنجر “إن الحرب العالمية الثالثة باتت على الأبواب وإيران ستكون هي ضربة البداية في تلك الحرب، التي سيكون على إسرائيل خلالها أن تقتل أكبر عدد ممكن من العرب وتحتل نصف الشرق الأوسط.”
2.يشير كيسنجر إلى أنه تم إبلاغ الجيش الأميركي “أننا مضطرون لإحتلال سبع دول في الشرق الأوسط نظراً لأهميتها الإستراتيجية بالنسبة لأمريكا، خصوصاً أنها تحتوي على البترول وموارد اقتصادية أخرى ولم يبقَ إلا خطوة واحدة، وهي ضرب إيران.”
3.يتوقع كيسنجر أنه عندما تستفيق كل من الصين وروسيا من غفوتهما سيكون الإنفجار الكبير، وستقوم الحرب الكبرى، ولن تنتصر فيها سوى قوة واحدة هي إسرائيل وأميركا. وسيكون على إسرائيل خلالها القتال بكل ما أوتيت من قوة وسلاح، لقتل أكبر عدد ممكن من العرب وإحتلال نصف الشرق الأوسط.
4.إعادة مبدأ الردع مجدداً ومفاده أن “طبول الحرب تدق بالفعل في الشرق الأوسط، والأصم فقط هو من لا يسمعها”، مبرزاً أنه إذا سارت الأمور كما ينبغي، من وجهة نظره، فسوف تسيطر إسرائيل على المنطقة.
5.كما يقول كيسنجر “إن الشباب الأميركي والأوروبي قد تلقوا تدريبات جيدة خلال القتال في السنوات العشر الماضية، وعندما ستصدر لهم الأوامر بالخروج إلى الشوارع لمحاربة تلك الذقون المجنونة سيحولونهم إلى رماد.”
6.الأخطر في توجهاته والأكثر اهتماماً من قبلنا قوله “إن أميركا وإسرائيل قد جهزتا نعشاً لروسيا وإيران، وستكون إيران هي المسمار الأخير في هذا النعش، بعدما منحتهم أميركا فرصة للتعافي والإحساس الزائف بالقوة. بعدها ستسقطان للأبد، لتتمكن أميركا من بناء مجتمع عالمي جديد، لن يكون فيه مكان سوى لحكومة واحدة تتمتع بالقوة الخارقة.”
هذه ملامح شكلت الخطوط العامة لمهندسي السياسة الأميركية، وألهمتهم إلى كيفية وضع الإستراتيجيات، وحددت شرح ماهية تفكير العقل الأميركي وكيف يتصرف ويحدِّث نظرياته الكونية، وهو يستعين الآن مجدداً بكبار مستشاريه للأمن القومي السابقين ممن كان لهم باع طويل في رسم معالم سياساته العظمى ليبقى لهم الريادة في قيادة بلدهم للعالم، ولا ننسى استقدام مستشارين شرق أوسطيين من كبار المتطرفين.
في الشق الديني أو القومي لدعم مشروع الهيمنة، هم يرفضون فكرة أن يكون بمقدور أية قوة دولية الوقوف بوجه طموحات الولايات المتحدة للتحكم بقيادة العالم. لغاية اليوم، لم نستطع أن نعلم لمن الغلبة في إخضاع العالم، هل سيخضع العالم للهيمنة الأمريكية أم سوف يكون للعالم وجه جديد بدأ رسم معالمه من الحرب السورية؟ هذا الأمر لا نستطيع البت به بعد رغم تدخل روسيا فيها، حيث فرحنا جميعاً بمستجدات الأمور التي آلت إلى تأمين معظم الأراضي وإعادتها لحضن الوطن، لكننا لا نعلم إلى أي حد سيستمر “جنون العظمة” الأمريكي. فمع تواجد عدة قواعد عسكرية أمريكية غير شرعية على الأراضي السورية ومد جميع أشكال المتطرفين عدة وعتاداً، فإنها تعمل على تقسيم الأراضي السورية والعراقية.
لن نعلم شيء إلا عبر القادم من الأيام، لكنني أتوقع استمرار الحرب بشكل مباشر مع الولايات المتحدة، والعديد من أدواتها المتطرفة ديناً أو قومياً في مناطق سوريا، إذ لن يكون هناك خلاص دمشق والمنطقة إلا بطرد الأمريكيين عنوة وإعادة المنطقة إلى سابق عهدها وذلك بدعم روسي – صيني مشترك.
*باحث سوري
مصدر الصور: Pittsburgh Post-Gazette – فاينانشيال تايمز.
موضوع ذا صلة: النظام الدولي الحالي: من العولمة إلى التعددية*