أحمد مصطفى*

إستيقظت على خبر مزعج ومحزن بعد أن كنت غاية في السرور بفضل مشروع ترجمة جديد إتفقت عليه مع أحد الأصدقاء وأيضاً كوننا في مستهل العام الجديد 2020، والأجواء الإحتفالية في موسكو، وإذ بأحد الأصدقاء الإيرانيين يرسل لي النعي الخاص بإغتيال اللواء الإيراني، قاسم سليماني، مع القائد في الحشد الشعبي العراقي، أبو مهدي المهندس، بضربة صاروخية وجهت لهما على طريق مطار بغداد من قبل طائرة مسيرة أمريكية.

إنقلب الإعلام في العالم رأساً على عقب، بعد تداول الخبر بشكل سريع للغاية مع إعلان البنتاغون وكأنه منتصر مسؤوليته عن الإغتيال، وتسارعت الفضائيات العالمية للإتصال بالمحللين والملمين بالشؤون الإستراتيجية وخصوصاً في الشرق الأوسط. وفي تمام الساعة 10:20 صباحاً، كنت ضيف الفضائية التركية “تي.آر.تي” عبر سكايب.

لمن لا يعرف، إن إغتيال الفريق قاسم سليماني خسارة للعالمين العربي والإسلامي، مسلمين – مسيحيين – يهود – يزديين، لدور هذا الرجل، ليس فقط كعسكري فذ ومحنك في قيادة معارك الميدان، ولكن كإستراتيجي تعاطى مع القضايا الملحة سواء في الحرب العربية – الإسرائيلية من خلال المقاومة العربية في لبنان وسوريا وفلسطين، وحقق نجاحات كتب عنها المحللون الإسرائيليون انفسهم، بداية من تحرير مزارع شبعا وحرب تموز التي انتصرت فيها المقاومة العربية على اسرائيل وكبدتها شر هزيمة في 2006.

حتى الحرب على الإرهاب في كل من العراق وسوريا ودحر “داعش” وقبله تنظيم “القاعدة”، تلك الصنيعة الأمريكية كعصابة إرهابية تحارب بالوكالة عن الجيوش الغربية أو حلف الناتو أو الجيش الأمريكي، لتحقيق مصالح الولايات المتحدة في المنطقة، وسيطرتها على موارد الطاقة لإستمرار هيمنتها، وللأسف بأموال خليجية، خصوصاً من السعودية والإمارات، على وجه التحديد لإستمرار بقاء عائلتهما على العرش.

أيضا الحاج قاسم سليماني، كما يطلقون عليه، كان من أكبر المنسقين مع القوى الجديدة، روسيا والصين، في حربهما على الإرهاب خصوصاً في سوريا التي أرسل لها الغرب، وخصوصا أمريكا وبريطانيا وإسرائيل، مرتزقة تنتمي إلى أكثر من 100 جنسية حتى لا يكون هناك مسؤولية مباشرة من دولة بعينها عن الإرهاب اذا ما رفعت سوريا دعوى دولية على أي منهم، ولكن نحمد الله ان تسريبات “وكيليكس” الخاصة بوزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، هيلاري كلينتون، أظهرت المسؤولين الحقيقيين عن نشر الإرهاب في المنطقة ومن وقف خلف تمويلهم.

وبعد الحادث، كان هناك العديد من الأصدقاء الصينيين والروس الذين تحدثوا معي عبر الهاتف، إما لمعرفة ماذا سيحدث بعد هذه الحادثة، أو للمواساة والشعور بالحزن بعد فقد شخص كبير في القيمة كإستراتيجي ورجل حرب موثوق به يحظى بحب واحترام المسئولين في روسيا والصين.

تركزت أسئلة المقدم في القناة التركية على جانبين، التداعيات والتوقعات في المستقبل، بعد إغتيال اللواء سليماني، وكانت إجاباتي إلى حد ما موفقة. بالنسبة للتداعيات، أنه بالفعل خسارة كبيرة للعالم الإسلامي أجمع وللدول التي تريد الإستقلال في القرار السياسي والبعد عن الهيمنة الأمريكية لأن هذا الرجل، كما ذكرت أعلاه، قدم الكثير داخل بلده في الحرب على الإرهاب ووأد الفتنة، وحمى كل الديانات والأقليات في بلده وخارج بلده، في كل من العراق وسوريا ولبنان وفلسطين المحتلة.

إن السبب الأساسي في اغتيال سليماني والمهندس، لمن لا يعلم، هو محاصرة قوات الحشد الشعبي للسفارة الأمريكية في العراق منذ عدة أيام رداً على قصف بعض قواتها التي تصدت لتنظيك “داعش” وضربت خطط امريكا في المنطقة.

وتشابه حادث اغتيال سليماني نظيراتها في بلدان أخرى، بداية الشيخ ياسين في فلسطين ثم رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري في بيروت وبعده الحاج عماد مغنية في سوريا وغيرهم، وتتشابه هذه الحوادث أيضاً في اختراق لأنظمة الإتصالات، ووشاية البعض “يهوذا” بالمال وخصوصاً لأننا نعلم ان العراق دولة مخترقة وغير آمنة ويمكن للمال أن يغري البعض للوشاية حتى بأقرب الناس، للأسف.

وعندما كان يسألني البعض: لماذا لا تكتب عن الحراك الثوري في العراق ولبنان، كنت أقول لهم لا يوجد أي مؤشر عن حراك ثوري، بل الغالبية مرتزقة مأجورين بالمال الأمريكي والخليجي، والهدف واضح: تصفية حزب الله في لبنان، والحشد الشعبي في العراق بعد فشل “داعش”، عن طريق الحرب بالوكالة، في تحقيق ذلك لمصلحة أمريكا وبريطانيا واسرائيل، “ثلاثي الشر في العالم”.

أما بالنسبة للتوقعات، ربما بالفعل انها صدمة ولكن لدينا الكثير من أمثلة قاسم سليماني، في إيران ومصر وسوريا ولبنان والعراق، لكنهم ليسوا تحت الأضواء، كما كان حال اللواء سليماني صاحب شخصية مجهولة، وله إسم خفي، ولم يكن معروفاً بإسمه الحقيقي لولا ظهوره في الخمس سنوات الأخيرة إلى النور، وخصوصاً في الملفين السوري والعراقي وانتصاره على تنظيم “داعش”.

وسنفاجىء أمريكا وبريطانيا وإسرائيل قريبا بآخرين من تلاميذ ورفاق قاسم سليماني والذين سيقلقوا منامهم ليلاً نهاراً، وسيكونوا كوابيس مزعجة لهم بإستمرار، ولإيران حق الرد في الزمان والمكان المناسبين طالما هناك مسؤولية مباشرة ومعلنة من البنتاغون عن حادث الإغتيال.

ولا يجب ان ينسوا ما قام به الجانب الإيراني معهم العام الماضي (2019) وكان شديد الإيلام، وخصوصاً بعد إسقاط للدرون الأمريكية الأغلى في العالم. أيضاً، هذا درس لبعض الدول التي لا تزال تراهن على أمريكا، التي باتت تشكل نظاماً غير موثوق به يحكمه بعض المتطرفين الصهاينة، فلا أحد يحدثني عن مؤسسات واحزاب أمريكية، فهذه المؤسسات والأحزاب هي مجرد دمى في يد هذه اللوبيات وهذا هو الواقع الفعلي.

إن الأفضل هو الخروج من عباءة هذا النظام أحادي القطب والتحالف مع القوى الجديدة، الصين وألمانيا وروسيا، لأنه مع استمرار هذا النظام أحادي القطب سيخرب العالم، وسينهار الإقتصاد العالمي، ولدينا مؤشرات قوية ومحققة تتحدث عن انهيار اقتصادي جديد، في 2020 يشابه 2008، التي تسبيت فيه أولاً حروب أمريكا غير المبررة، ونظامها البنكي “المقامر الفاشل”، الذي يجعل المواطن عبداً للبنوك وليس شريكاً لها، وتكون النتيجة: مواطنون بلا مأوى.

*كاتب مصري

مصدر الموضوع: مركز آسيا للدراسات والترجمة.

مصدر الصور: فرانس 24 – الميادين.

موضوع ذو صلةشبيب: إشتعال الفتيل الأمريكي – الإيراني يرقى إلى مستوى الحرب