إعداد: مركز سيتا
يأتي تأسيس مجلس الدول العربية والأفريقية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن، كخطوة لوضع رؤية مشتركة للدول المتشاطئة عليهما، ومواجهة التحديات والتدخلات الأجنبية المهددة لأمنها القومي بوصفها صاحبة السواحل الأطول على ذلك الممر المائي الإستراتيجي، حيث يُعتبر، من حيث الدول المتشاطئة له “بحيرة عربية”.
تنافس مشروع
تتنافس قوى إقليمية ودولية لإيجاد مناطق نفوذ لها على البحر الأحمر من أجل ضمان مصالحها في منطقة تخلو من كيانات أو مؤسسات إقليمية تنظم العلاقات والتعاون بين البلدان المعنية، خصوصاً أن نسبة كبيرة من أعمال التجارة الدولية تمر من البحر الأحمر وامتداده إلى خليج عدن عبر مضيق باب المندب؛ شكّل هذا عامل جذب للقوى الإقليمية والدولية للتواجد هناك، وتأسيس قواعد عسكرية في دول الشاطئ الإفريقي المعروفة بهشاشة قدراتها الأمنية ونزاعاتها الداخلية وفشلها في مواجهة التهديدات الأمنية للتجارة العالمية.
يأتي تأسيس المجلس في إطار التوجه إلى التكامل بين هذه الدول عبر خلق آلية تمكنها من مواجهة التحديات التي تقابلها في البحر الأحمر، إلى جانب تعزيز آفاق تعاون دول المنطقة أمنياً وتجارياً واستثمارياً.
ما وراء القصد
جاء تشكل المجلس في توقيت توتر متصاعد في منطقة الشرق الأوسط، خاصة في ضوء التهديدات المتبادلة بين الولايات المتحدة وإيران، حيث توعدت الأخيرة بـ “الانتقام” لإغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني في غارة أمريكية بالعراق، ربطاً مع المناورات البحرية الثلاثية بين إيران وروسيا والصين في منطقة خليج عمان والمحيط الهادي، وسط نشاط طهران البحري واعتراضها عدداً من ناقلات النفط.
من هنا، أكد وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، أن المجلس سيعمل على “حفظ المصالح المشتركة ومواجهة جميع المخاطر، وللتعاون في الإستفادة من الفرص المتوفرة، فمنطقة البحر الأحمر هامة تجارياً وفيها ثروات كبيرة، ونسعى لبناء رخاء المنطقة بشكل يخدم الجميع”، مضيفاً “أن المجلس ليس بحاجة لتشكيل قوة عسكرية جديدة، لأن كل الدول لديها قدرات دفاعية وهناك تنسيق ثنائي، لا أتصور أن قوة جديدة ستنشأ تحت مظلة هذا الكيان.”
الأمن الإقتصادي
يتشكل الشاطئ الشرقي للبحر الأحمر من السعودية واليمن، وعلى الشاطئ الغربي كل من مصر والسودان وجيبوتي والصومال وإريتريا؛ أما الشاطئ الشمالي من خليج عدن فتنفرد اليمن به، في حين تتشارك جيبوتي والصومال بشاطئه الجنوبي. ويطل الأردن من خلال خليج العقبة، شمالاً، على البحر الأحمر.
هذه الممرات والمضائق البحرية، المتواجدة ضمن تلك المنطقة بمسافاتها الضيقة، تشكل أهمية أمنية للدول المعنية بالتجارة العالمية تشكل منفذاً رئيسياً لحركة التجارة بين آسيا وأوروبا.
فيما يخص السعودية، تحديداً، فإن لها مصلحة إستراتيجية في الحفاظ على أمن البحر الأحمر وحمايته بما يمكنها من الوصول الآمن جنوباً إلى خليج عدن والمحيط الهندي عبر مضيق باب المندب، وشمالاً إلى البحر الأبيض المتوسط عبر قناة السويس، مما قد يوجب عليها نقل مخزوناتها النفطية من شرق المملكة على الخليج إلى غربها، على البحر الأحمر، لتفادي التهديدات الإيرانية بإغلاق مضيق هرمز، الذي تصدر منه النسبة الأكبر من منتجاتها النفطية المستخرجة من المنطقة الشرقية على الخليج العربي؛ بالتالي، تشكل منطقة البحر الأحمر وخليج عدن أهمية إستراتيجية – اقتصادية – أمنية متداخلة يصعب الفصل بينهما، لكل من مصر والسعودية والسودان، إلى جانب القوى الإقليمية مثل تركيا وإيران والقوى الدولية البعيدة جغرافياً، مثل الولايات المتحدة والصين.
توطيد العلاقات
تحاول الدبلوماسية السعودية جذب دول تحتفظ بعلاقات وثيقة مع إيران، مثل الصومال وجيبوتي والسودان، إلى الكيان الجديد عبر تقديم مساعدات إقتصادية وإستثمارات لهذه الدول الفقيرة بما يدفع للتأثير سلباً على علاقاتها مع طهران، إذ من المرجح أن تكون مواجهة “الكيان الجديد” للتهديدات الإيرانية “المفترضة” على قائمة الأولويات السعودية في منطقة القرن الإفريقي.
وعلى الرغم من أن إثيوبيا ليست من الدول المتشاطئة، إلا أن الكيان المنتظر تشكيله من المحتمل أن يضمها إليه مستقبلاً إلى جانب دول عربية وإفريقية أخرى، وبالإضافة إلى السعودية، من المرتقب أن يضم “كيان دول البحر الأحمر وخليج عدن” كلاً من مصر وجيبوتي والصومال والسودان واليمن والأردن، فيما لم تحضر إريتريا، التي شهدت اجتماعات القاهرة نهاية العام الماضي (2019)، وهي إحدى الدول المطلة على البحر الأحمر.
أخيراً، يمكن اعتبار البحر الأحمر وخليج عدن أحد الشرايين الرئيسية للتجارة الدولية، ليس لأن النسبة الأكبر من صادرات النفط العربي في الخليج تمر عبره فحسب، وإنما لكون حركة التجارة بين أوروبا وآسيا وأفريقيا، وكذلك أمريكا، تمر من خلاله أيضاً، بما له من سواحل طويلة وموانئ تجارية وصناعية مهمة تسهم في حركة التجارة على المستويين الإقليمي والدولي، مثل ميناء جدة وينبع والعقبة والسويس وبورتسودان والحديدة وغيرها، إضافة إلى العائد الإقتصادي الذي توفره هذه الموانئ لتلك الدول عبر ما تقدمه من خدمات وتسهيلات تجارية للناقلات المارة فيه.
وتتبدى الأهمية الاستراتيجية للبحر الأحمر، كذلك عبر ما يمر به من بضائع وسلع تصل قيمتها إلى نحو 2.5 تريليون دولار سنوياً، تمثل نحو 13% من التجارة العالمية. من هنا، يعتبر هذا المجلس ضرورة ليس فقط لإعادة ترتيب الوضع الأمني في المنطقة بعد أن تعرض لمحاولات توغل إقليمية، بل أيضاً ضرورة تفعيل التكامل الإقتصادي والتجاري بين دول المنطقة، والأهم أن “المجلس” الجديد سوف يساهم في التكامل الإستراتيجي بين اثنتين من أهم المناطق الحيوية على مستوى العالم بأسره، وهي منطقة الخليج العربي، ومنطقة البحر الأحمر وخليج عدن.
مصدر الأخبار: سيتا + وكالات.
مصدر الصور: الميادين – ميدل إيست أونلاين.
موضوع ذو صلة: البحر الأحمر: صراع التواجد والنفوذ