إعداد: يارا انبيعة

تحت شعار “اللاجئون، والعائدون والنازحون داخلياً، نحو حلول دائمة للنزوح القسري في أفريقيا”، وبمشاركة عدد كبير من رؤساء الدول والحكومات الأفريقية إلى جانب الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، اختتمت في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا أعمال قمة الإتحاد الإفريقي، في دورتها الـ 32.

قد تبدو هذه العنواين للوهلة الأولى عناوين مألوفة في القمم الكبرى لقارات دول العالم، إلا أنها تطور نوعي ملحوظ في أداء القمة الأفريقية على وجه الخصوص.

الطابع الأمني

شهد اليوم الأول منها انتقال الرئاسة الدورية للإتحاد الأفريقي لعام 2019 من الرئيس الرواندي، بول كاغامي، إلى نظيره المصري، عبد الفتاح السيسي، لتحظى مصر للمرة الأولى في تاريخها برئاسة هذا المنتظم القاري. حسب بعض المراقبين السياسيين، ينتظر أن تهتم مصر أكثر بالقضايا ذات الطابع الأمني والإقتصادي، خلافاً لنهج الرئيس كاغامي الذي أراد إصلاح أجهزة المنظمة الإفريقية، وجعل الإصلاح حجر الزاوية خلال فترة ترأسه للأتحاد.

كما سعى الرئيس الرواندي إلى فرض ضريبة استيراد على مستوى القارة لتمويل الإتحاد الإفريقي وخفض اعتماده على المانحين الخارجيين، الذين ما زالوا يدفعون أكثر من نصف الميزانية السنوية للمنظمة.

ليبيا على رأس القائمة

أكد أحمد أبو الغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية في كلمته، أن شعار القمة الأفريقية 2019 يمثل تحدياً لدول القارة السمراء في ظل النزاعات الممتدة والتي ولدت أزمات إنسانية واسعة النطاق، قائلاً “نقف معكم في كل ما تتخذونه لإسكات صوت البنادق… تشرفني مشاركتكم في هذه القمة، ما يعكس العلاقة التاريخية بيننا، يتوجب على الجانبين العربي والأفريقي العمل بشكل أوثق لمواجهة التحديات وتبني أجندة عمل متسقة.”

وأشار ابو الغيط إلى أن ليبيا باتت تمثل مسرحاً تتلاقى فيه جميع التحديات، مطالباً الجميع بتجديد الإلتزام تجاه مساندة هذه الدولة وتشجيع الحوار السياسي بين أطرافها للوصول بها إلى مرفأ الإستقرار. وجدد الأمين العام للجامعة التأكيد على التضامن مع دول الساحل الأفريقي في مواجهة الإرهاب وتهديد جماعة “بوكو حرام” الإرهابية، مشيداً بجهود القادة الأفارقة لدعم القضية الفلسطينية.

أما أنطونيو غوتيريس، الأمين العام للأمم المتحدة، فلفت من جهته إلى أن أفريقيا وضعت معايير مثلى للتضامن، مشيراً إلى أن السلم والأمن والتنمية المستدامة وتغير المناخ من أهم نقاط التعاون بين الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة. وفيما يتعلق بالأزمة الليبية، أكد غوتيريس أن وقف إطلاق النار، برعاية الأمم المتحدة، لا يزال قائماً رغم الصعوبات، قائلاً “حان الوقت لمساعدة الأطراف الليبية على دفع العملية السياسية التي تقود إلى مصالحة وانتخابات حرة في المستقبل القريب.”

بالنسبة إلى اتفاق السلام في أفريقيا الوسطى، اعتبر غوتيريس أنها خطوة أساسية لحقن الدماء وتحقيق السلم في القارة، مؤكداً أنه لا سلام مستدام دون تنمية مستدامة.

كما طالب الأمين العام للأمم المتحدة المجتمع الدولي إلى العمل بفاعلية لمحاربة غسيل وتهريب الأموال، مشيراً إلى أن بلدان أفريقيا لديها العديد من المقدرات لإستثمارها في الأمن والسلام.

وحول قضية التغيرات المناخية، قال غوتيريس إنها تشكل خطراً وجودياً يهدد أفريقيا ويمثل جزءاً من أزمتها، والحل الدولي ينبغي أن يكون قائماً بهذا الموضوع.

فلسطين و”مجموعة 77+1″

في الوقت نفسه، تعهد الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، بالدفاع عن كل أعضاء مجموعة “77 والصين”، بعد أن تسلم رئاستها من مصر العام 2019. وعبر عباس عن ثقته في نجاح الرئيس السيسي وحكمته في قيادة الإتحاد نحو مزيد من التنمية والإزدهار. في خطابه، قال الرئيس عباس “نشيد بجهودكم في مكافحة الإرهاب والتطرف الديني، وكذلك بتجربة رواندا في تمكين المرأة، حيث تستحوذ على أكثر من نصف مقاعد البرلمان وتشارك بفاعلية في قطاعي الإقتصاد والأعمال:، كما ثمن الرئيس الفلسطيني ما تحقق مؤخراً من إنهاء الخلاف الإثيوبي والإرتيري، معرباً عن استعداده للتعاون الدائم من أجل مكافحة كل أشكال الإرهاب والتطرف.

إلى ذلك، أشار الرئيس عباس بأن بلاده عازمة على تقديم كل إمكاناتها وخبراتها ليس بشكل ثنائي فحسب وإنما بصفتها أيضاً رئيساً لمجموعة “77+ الصين”، متعهداً بالدفاع عن جميع أعضائها. كما شدد على رفضه التدخل الأمريكي في شأن أي دولة كانت كما يحدث في فنزويلا، محذراً في الوقت نفسه من محاولات إسرائيل تغيير طابع وهوية مدينة القدس.

التعليم والصحة

شدد رئيس المفوضية الأفريقية، موسى فكي، على أن ملفات النزاعات المسلحة والتعليم والصحة والهجرة تنتظر حلولاً جذرية، داعياً إلى ضرورة معالجة الأسباب الجذرية لمشكلات اللاجئين، وإيجاد حلول لهذه الظاهرة. وما يتعلق بمبادرة التمويل الذاتي للاتحاد الأفريقي، والمستندة على اقتطاع 0.2% من واردات بعض المنتجات للدول الأعضاء، قال فكي “نسجل تقدماً ملحوظاً نحو تحقيق الإستقلالية المالية”.

أما مؤسس شركة “مايكروسوفت”، بيل جيتس، فرأى أن العنصر الرئيسي في تنمية أفريقيا يكمن في الخبرة الإنسانية، معتبراً أن الإستثمار في العنصر البشري مهم للغاية، مؤكداً اعتزامه مواصلة تقديم الخبرات والموارد لخدمة أفريقيا، مشيراً إلى أن شركته استثمرت أكثر من 15 مليار دولار في قطاع الصحة لمحاربة الأمراض والفقر في أفريقيا خلال السنوات العشرين الماضية.

من جانبه، قال تيدروس ادهانوم، المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، إن الأوان آن كي نجتمع حول أهداف جديدة للصحة لأبناء أفريقيا، معتبراً أن التأمين الصحي والرعاية الصحية وجهان لعملة واحدة. كما أعرب ادهانوم عن عزم منظمته تقديم المساعدة للقادة الأفارقة، واستعدادها لمساعدة كل دولة في مجال الصحة، من أجل بناء قارة أفريقية تعيش في الصحة لتحقيق أجندة 2063.

جواز سفر موحد

كما جرت العادة، تصدرت أزمات القارة الأمنية جدول الأعمال، حيث تطرق المجتمعون إلى قضية الإرهاب وجواز السفر الإفريقي الموحد والإندماج الاقتصادي، إضافة إلى عملية الإصلاح المؤسسي للإتحاد وتمويله. أما مسألة إصلاح مفوضية الإتحاد، فهي الموضوع الأكثر حساسية. ففي نوفمبر/تشرين الثاني 2018، رفضت أغلب الدول مقترحاً بمنح الذراع التنفيذي للإتحاد الحق في اختيار نواب ومفوضين.

وتعد أحد أهم المبادرات الرئيسية المطروحة في القمة مبادرة منطقة التجارة الحرة القارية التي وافق عليها 44 من بين 55 دولة من الأعضاء، في مارس/آذار 2018. وتعد السوق الموحدة من أبرز برامج “جدول أعمال 2063″، الذي يعتبر بمثابة إطار استراتيجي للتحول الإجتماعي والإقتصادي. لكن الإتفاقية التجارية واجهت اعتراضاً من قبل جنوب أفريقيا؛ وبالتالي، يتعين على رئيس الاتحاد الجديد الدفع بقوة من أجل التصديق على هذا الإتفاق إذا كان سيبدأ تنفيذه.

توقيت دقيق

قال الرئيس السيسي إنه ثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن الوحدة الإفريقية يمكن أن تدفع القارة لمواجهة التحديات، مضيفاً “علينا أن نستمر في السعي سوياً لطي صفحة النزاعات والصراعات في أفريقيا”، معرباً عن تطلعه لتفعيل أنشطة الإتحاد لإعادة الإعمار والتنمية في إفريقيا. كما شدد على ضرورة دحر الأفكار المتطرفة ومكافحتها، مشيراً إلى أنها أصبحت العنصر الرئيسي لتفشي ظاهرة الإرهاب.

ولفت الرئيس السيسي إلى أن للإتحاد خطة طموحة لتحقيق التنمية الإقتصادية لمكافحة أمراض القارة الإفريقية، مؤكداً أنه من الضروري تكثيف التعاون بما يسهم في ضمان التصدي لظاهرة التغير المناخي.

كما لفت الرئيس السيس إلى أن بلاده ستعمل جاهدة على مواصلة الطريق من أجل الإصلاح الهيكلي والمالي للإتحاد واستكمال ما تحقق من إنجازات ترسيخاً لملكية الدول الأعضاء لمنظمتهم القارية وسعياً نحو تطوير ادوات وقدرات الإتحاد ومفوضياته لتلبية وتطلعات الشعوب الأفريقية.

اللجوء الأعلى عالمياً

قال رئيس غينيا الإستوائية، تيودورو اوبيانج مباسوجو، إن نسبة اللجوء في القارة هي الأعلى في العالم، وأن نسبة النزوح واللجوء تزايدت بشكل كبير في أفريقيا التي تواجه تحدياً حقيقياً.

وأضاف مباسوجو “نعمل على إنشاء وكالة أفريقية لمساعدة اللاجئين ووضع آلية مناسبة لهذا الغرض”، مؤكداً أن القارة قطعت شوطاً كبيراً وتغلبت على العديد من العقبات، وهي أكثر قدرة على فهم تعقيدات مشكلاتها، مشيراً إلى أن الصلة الوثيقة بين الأزمات وانخفاض التنمية الإقتصادية هي حقيقة لا مناص منها. وتابع رئيس غينيا أنه “لا سبيل لنا لبلوغ اجندة 2063 دون إيجاد حل جذري لمشكلة النازحين”، مضيفاً أن التنمية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بحقوق الإنسان.

أزمة تمويل

ما أكده مدير مركز الراصد للبحوث والعلوم، بروفيسور الفاتح محجوب، حيث قال “إن الإتحاد الإفريقي من خلال عقد القمة الحالية وطرحه للقضايا الأساسية، والتي على رأسها ملف اللاجئين والنازحين، يعاني من مشكلة التمويل، الذي يأتي من دول أوروبية لأنشطته كافة”، مشيراً إلى وجود عجز واضح من قبل أعضائه مقابل التمويل، وأوضح البروفسور محجوب أن تمويل القوات يتم عبر دول أوروبية ومنظمات أممية، كاشفاً أن الإتحاد الأفريقي لا يزال دوره بعيداً عن مساهمته في قضايا القارة، لكنه شدد على أهمية بعض الأدوار التي لعبها، كوقوفه مع السودان وكينيا في موضوع المحكمة الجنائية.

وفيما يتعلّق بمسألة اللاجئين يقول إن الإتحاد الإفريقي لا يستطيع الإنفاق عليهم، وإنما يعتمد بشكل كبير على المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، ويعزو ذلك إلى كونه يعاني من مشاكل تمويلية وهذا الضعف يؤثر على قدرته في اتخاذ القرار، ولذلك نجده لا يستطيع تمويل اللاجئين وتكوين قوات أفريقية للتدخل، على سبيل المثال القوات التي شاركت في مالي كان تمويلها من فرنسا. ومن خلال ذلك، فالإتحاد يعاني عجزاً كبيراً، فهو غير قادر على التمويل لحلحلة القضايا التي تعانيها القارة، مضيفاً أن للإتحاد دوراً سياسياً في معالجة القضايا السياسية. أما فيما يتعلق بالمصالحة الإثيوبية – الإريترية، قال محجوب إن موضوع المصالحة بين البلدين ليس له علاقة بالقمة الإفريقية، فهي بالأصل مبادرة من رئيس مجلس الوزراء الإثيوبي، بإعتبار أن الصراع كان بين المجموعة المهيمنة في الدولتين.

أخيراً، أهم ما يمكن ملاحظته في هذه القمة:

  1. الدور الريادي لجمهورية مصر العربية، وسعي القاهرة عن طريق رئيسها إلى توحيد الجهود الأفريقية لجهة الأمن والإستقلال، بالتحديد، خصوصاً وأن هذا الدور يحظى بمباركة أمريكية وأوروبية.
  2. الإنتقال من مفهوم القمة إلى مفهوم الإتحاد، والسعي نحو تشكيل هوية جامعة فوق القومية والعرقية.
  3. المشاركة الفلسطينية في القمة وسعي السلطة لإثبات وجودها دون إخلاء الساحة الأفريقية بالشكل التام لإسرائيل، وذلك من أجل كسب المزيد من الأصوات في الأمم المتحدة مستقبلاً.
  4. الرغبة الواضحة لقادة الدول الأفريقية في وضع حد لحقبة النزاعات المسلحة الداخلية بين الأعضاء أو في داخل الدول الأعضاء ذاتها.
  5. ما يميز الأجندة الجديدة هو السعي نحو معالجة الأسباب الأساسية للمشاكل الأفريقية والإنطلاق من مصلحة الفرد واحتياجاته.
  6. تجاوز الإحتكار والإستغلال الخارجي لثروات القارة، وتنظيمها بحيث تعود بالفائدة على كل الأطراف وبشكل ينهي الجانب الإستغلالي الأحادي.
  7. العمل على معالجة مسائل اللجوء والنزوح.
  8. للمرة الأولى تطرح في القمة الأفريقية مسألة الإرهاب ومحاربته وتوحيد الجهود الأفريقية ضده.

 

مصدر الأخبار: سيتا + وكالات.

مصدر الصور: الأمم المتحدة – سكاي نيوز.