اعداد: يارا انبيعة
بعد مضي اكثر من شهر على الانتخابات البرلمانية، اجرت المستشارة الالمانية انجيلا ميركل مفاوضات شاقة جداً بهدف تشكيل تحالف مع الحزب الليبرالي الديموقراطي الحر ودعاة حماية البيئة الخضر، وهو تحالف لم يختبر في ألمانيا من قبل، فشلت المفاوضات في التوصل إلى أغلبية في مجلس النواب، اذ اعرب رئيس الحزب الديموقراطي الليبرالي، كريستيان ليندنر، للصحافيين في برلين إنه “أفضل للمرء أن لا يحكم عوضا عن أن يحكم بطريقة سيئة”، معتبرا أنه لم يكن بالإمكان إيجاد “قاعدة مشتركة” مع ميركل.
كذلك، استبعد حزب الخضر مشاركته في حكومة أقلية، مع الاتحاد الديمقراطي المسيحي، بزعامة المستشارة ميركل، بعد فشل مفاوضات إنشاء تحالف أغلبية.
في المقابل، اعتبر القياديان في حزب “البديل من أجل ألمانيا” الشعبوي، آليسا فايدل وألكسندر غاولاند، فشل مفاوضات تشكيل حكومة “جامايكا” انتصاراً لحزبهما حيث “فشلت السيدة ميركل وحان وقت رحيلها كمستشارة” .
هذا وقد أعلن الرئيس الألماني فرانك فالتر ـ شتايناماير، أنه سيعبّر عن موقفه من فشل مشاورات تشكيل الحكومة في وقت لاحق، وقبلها سيلتقي بالمستشارة.
الى ذلك، تقوم ميركل بمحاولات أخيرة لتشكيل حكومة وتجنيب بلادها وأوروبا مرحلة اضطراب ستعني بالنسبة لها نهاية حياتها السياسية أيضاً.
ان فشل المفاوضات قد يعني عودة ألمانيا على الأرجح إلى صناديق الاقتراع مطلع 2018. في هذه الحال، ستجري الانتخابات من دون أن تكون ميركل على رأس الاتحاد الديموقراطي المسيحي.
صعوبات في تشكيل الائتلاف
يبدو واضحاً أنه ما زال هناك تباعد كبير في العديد من الملفات السياسية العامة والقضايا والملفات الداخلية المتشعبة التي يعمل عليها أطراف الائتلاف، حيث تأمل الأحزاب المشاركة في المفاوضات، الخضر والليبرالي الحر والاتحاد المسيحي، بالتوصل إلى صيغة مشتركة تتوحد من خلالها للعمل على ملفات الضمان الاجتماعي والأمن الداخلي، ومكافحة أسباب اللجوء وملف الاندماج وسياسة الهجرة وقضايا الطاقة.
وفي هذا الإطار، ابدى حزب الخضر حذره في التعاطي مع الحديث عن نتائج إيجابية للمباحثات، ولا يخجل في التعبير صراحة عن الصعوبة في المناقشات، وهو ما عبر عنه سياسي الحزب يورغن تريتين في حديث تلفزيوني بالقول “جلسنا معاً لمدة عشرة أيام وناقشنا اثني عشر موضوعاً، والنتيجة هي ثماني أوراق مع قوائم طويلة من نقاط الاختلاف، ومن الأسئلة التي ينبغي معالجتها.”
وهو ما عبر عنه أيضاً، زعيم الحزب الليبرالي الحر في ولاية بافاريا، ألبرت دوين، إذ قال إن “الفكر الأيديولوجي للخضر، يجعل أي شكل من أشكال الائتلاف الحكومي معه مستحيلاً”.
كذلك كانت الأمينة العامة للحزب الليبرالي الحر، نيكولا بيير، قد اشارت إلى أن “فرصة التحالف الجامايكي بعد أسبوعين من المفاوضات ما زالت بحدود 50%”، مضيفة أن “هناك مقاربات مبدئية متشابهة، قبل أن تؤكد أن الأسبوع المقبل سيتم الغوص في النقاط الخلافية بالتفصيل، لمعرفة ما إذا كان من الممكن أو يكون هناك استعداد لبناء الجسور”.
في المقابل، كان للمستشارة أنجيلا ميركل موقف آخر بهذا الخصوص، وفي أول تصريح لها منذ بدء المباحثات، أعربت عن ثقتها بفرص النجاح للجامايكي، على الرغم من المناقشات الصعبة، وقالت “ما زلت أعتقد أن هناك قدرة على ربط الغايات معاً، إذا ما سعينا جهدنا وعملنا بجد من أجل ذلك، والاتحاد المسيحي مستعد لهذا الغرض”.
مسألتا الهجرة واللجوء
يؤيد الاتحاد الديمقراطي المسيحي بزعامة المستشارة أنجيلا ميركل وحليفه البافاري الاتحاد الاجتماعي المسيحي، اعتماد سياسة أكثر تشدداً مع تحديد سقف للاجئين المسموح بدخولهم إلى البلاد قدره مئتا ألف لاجئ في السنة.
وفيما يبدو ان الخضر على استعداد للقبول بهذا الطرح، لكنهم يدعون في المقابل إلى استئناف عمليات لم شمل العائلات لجميع اللاجئين العام المقبل، في حين ينحصر لم شمل العائلات حالياً بالذين حصلوا على وضع اللجوء لتعرضهم للاضطهاد الديني.
وجمدت هذه الإمكانية العام الماضي وحتى آذار/مارس 2018 للاجئين بسبب الحروب مثل السوريين، لأنهم لا يحصلون سوى على لجوء مؤقت لعام قابل للتجديد بحسب تطور الوضع في بلدهم، وفقاً لنظام “الحماية الفرعية”. غير أن الاتحاد المسيحي الديمقراطي والاتحاد المسيحي الاجتماعي يرفضون ذلك رفضاً قاطعاً.
مكافحة الاحتباس الحراري
يدور الخلاف بين الأحزاب حول كيفية خفض انبعاثات ألمانيا من ثاني أكسيد الكربون من أجل تحقيق الأهداف التي حددتها لنفسها على صعيد مكافحة الاحترار.
فيما اتفق الجميع على الحد من حصة الفحم في توليد الكهرباء، لكنهم يختلفون حول النسبة. وإذ يدعو المحافظون والليبراليون إلى خفض هذه الحصة بمقدار 3 غيغا واط من الإنتاج، يطالب آخرون بتخفيضها بمقدار 10 غيغا واط.
الاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو
بعد الطروحات التي قدمها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بهدف إعادة إطلاق الاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو، رفض الليبراليون الاستمرار في تمويل صندوق إغاثة للدول التي تواجه أزمة ديون، كما يرفضون استحداث ميزانية خاصة بمنطقة اليورو تخصص لمشاريع مشتركة.
أما المحافظون، فهم أكثر انفتاحاً في هذين الموضوعين لكنهم يرفضون التشارك في الديون، والبيئيون من جانبهم يدعون إلى عدم رفض “اليد الممدودة” الفرنسية.
وفي ما يتعلق بتركيا، يطالب الاتحاد المسيحي الاجتماعي بوقف مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي نهائياً، فيما يرى الخضر أن هذا الموقف بالغ الشدة.
الخيارت المتاحة
بعد مغادر الحزب الديمقراطي الألماني الحر، المحادثات حول تشكيل ائتلاف برلماني، ورفض الحزب الاشتراكي الدخول في الائتلاف، لا يزال هناك خياران متاحان؛ الخيار الاول، حكومة أقلية يشارك فيها حزب ميركل مع الليبراليين أو مع الخضر، وهي تشكيلة لم تكن موجودة في تاريخ ألمانيا حتى الآن. الخيار الثاني، الذهاب الى انتخابات مبكرة في سابقة غير معهودة بهذه السرعة في ألمانيا.
هذا ما عبرته عنه ايضاً، إنس بول، رئيسة التحرير بمؤسسة دويتشه فيله الالمانية، اذ أنه من غير المعلوم ماذا سيحدث بعد ذلك، وتضيف “إن كل شيء ممكن، بداية من تشكيل حكومة أقلية وحتى إجراء انتخابات جديدة”.
مصدر الصور: الحرة – إي.يو عربي