إعداد: مركز سيتا
على مساحة تبلغ 17 ألف كلم مربع، شاركت القوة البحرية الإيرانية في مناورات مع الصين وروسيا، بشمال المحيط الهندي وبحر عمان، للمرة الأولى ولمدة أربعة أيام تزامناً مع حالة التوتر المستمر بين طهران وواشنطن في هذه المنطقة.
أهمية إستراتيجية
لخليج عمان حساسية خاصة لأنه يرتبط بمضيق هرمز، الذي يمر عبره خمس النفط العالمي ويرتبط بدوره بالخليج، إلى جانب أن المحيط الهندي الذي يعد ثالث أكبر محيط في العالم وتطل عليه دول مهمة جداً ويتضمن المضائق المهمة الثلاث وهي باب المندب وهرمز وملقا التي تشكل “المثلث الذهبي” بالمنطقة.
تركزت هذه المناورات في مجال الإغاثة والإنقاذ وإرساء الأمن الإقليمي، ولهذا السبب سميت هذه المناورات بـ “الحزام الأمني البحري”، في الوقت الذي لطالما صرحت فيه الحكومة الإيرانية بأنها تعلق أهمية كبيرة على أمن المحيط الهندي وبحر عمان ومضيق هرمز ومنطقة الخليج، والتي تعتبر من أهم الممرات المائية الدولية، فالنهج الإيراني منذ السنوات الأخيرة يركز على ضرورة عمل دول المنطقة معاً للحفاظ على الأمن، وإن وجود دول مثل الولايات المتحدة هو مصدر زعزعة الأمن لا إرسائه، وهو ما دفع طهران إلى العمل على تنظيم مؤتمر حول مبادرة السلام في مضيق هرمز، في 6 – 7 يناير/كانون الثاني 2020.
في هذا، الصدد يقول الخبير الإستراتيجي عباس نجاري “إن رسائل هذا الحدث غير مسبوقة، هذه المناورات تقدم مثالاً حياً على التعاون بين إيران والقوى الإقليمية والدولية”، كما أنها تشكل وفقاً لرأيه “نموذجاً للتعاون السياسي والإقتصادي بين هذه الدول.”
ما الجديد؟
جرت العادة بين كل من روسيا والصين على إجراء مناورات مشتركة كل عام، إلا أن مشاركة إيران معهما يعد مؤشراً لمستوى التعاون بين الدول الثلاث، فهي تمهد للتعاون فيما بينهم مستقبلاً، ومن المحتمل بعد تقييم النتائج استمرار هذا التعاون ولربما تشارك دول أخرى كالهند على سبيل المثال.
يضاف إلى ذلك، أن هذه المناورات تعتبر مبادرة مهمة جداً تعزز استقرار المنطقة خاصة في هذه الظروف التي تصاعدت فيها التوترات المختلفة من قبل الولايات المتحدة خلال الأشهر الأخيرة.
لكن اللافت ما أعلنت عنه وزارة الدفاع الروسية عن مشاركة “تشكيلة من سفن أسطول بحر البلطيق في المناورات الثلاثية”، حيث أوضحت بأن التشكيلة ضمت سفينة الحراسة “ياروسلاف مودري”، وناقلة الوقود “يلنيا”، وسفينة الأقطار والإنقاذ “فيكتور كونيتسكي”.
في هذا الشأن يقول أندريه أونتيكوف، الخبير الروسي في شؤون الشرق الأوسط، في تصريح خاص لـ “سيتا” بأن هذه المناورات تأتي “في ضوء التصعيد الذي نشاهده منذ أشهر في المنطقة، بسبب السياسة الأمريكية وإنسحابها من الإتفاق النووي مع إيران، وعسكرتها للمنطقة. فكل ما يحدث اليوم هو تداعيات للسياسة الأمريكية وإقتراحها لتشكيل حلف جديد وإعادة محاولة إحياء الناتو العربي لمواجهة طهران، تحت ذريعة تأمين المياه ونقل النفط عبر مضيق هرمز بشكل عام في منطقة الخليج.”
ويضيف أونتيكوف “من الممكن إعتبار هذه المناورات رداً على السياسة الأمريكية كما ذكرت، فهي تأتي كدليل على أن هناك دعماً واسعاً من قبل الصين وروسيا تجاه إيران وموقفها في المنطقة، كما أن هذه المناورات لا تشكل أي خطر بالنسبة لأي دولة، وتأتي تحت عنوان الدعم.”
تحليلات وتأويلات
يرى بعض المراقبين أن هذه المناورات تأتي رداً من الدول الثلاث على خطط الولايات المتحدة الخاصة بالمهمة البحرية لحماية السفن والمصالح الإقتصادية في مياه الخليج، بعدما اقترحت واشنطن تولي القيادة فيها في أعقاب عدة هجمات، في مايو/أيار ويونيو/حزيران من العام 2019، على سفن تجارية دولية، بما في ذلك ناقلات سعودية، إذ ألقت واشنطن باللوم على طهران، التي نفت تلك الإتهامات.
ومن المرجح أن ينظر إلى التدريبات المشتركة على أنها استفزازية لا سيما من جانب واشنطن ورئيسها، دونالد ترامب، الذي هاجم إيران وروسيا بتصريحات لاذعة عقب بداية هذه المناورات.
رسائل أمنية
حملت هذه المناورات عدة رسائل أمنية هدفها تأمين وتعزيز التجارة الدولية وتقويتها في المنطقة، بالإضافة إلى كسب وتبادل الخبرة بين كل من الصين وروسيا وإيران في مجال الأمن ومواجهة الإرهاب البحري والقرصنة وذلك بحسب المتحدث بإسم القوات المسلحة الإيرانية، العميد أبو الفضل شكارجي.
إن إشتراك كل من روسيا والصين كقوتين كبريين بصورة ثلاثية الأطراف، تجري للمرة الأولى بعد انتصار الثورة الإسلامية، فقلد أعلن في وقت سابق عن أن خطة التعاون مع الصين في مجال العلاقات الدفاعية رسمت خلال الزيارة الأخيرة لرئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية، اللواء محمد باقري إلى الصين، من دون إغفال أن الإدارة الأمريكية تمارس ضغوطاً لوقف مبيعات النفط الإيراني وقطع غيرها من العلاقات التجارية، إذ فتحت هذه المناورات إمكانية توسعها وإنضمام دول أخرى.
في ظل نجاح هذه التجربة، يقول الأستاذ محمد مظهري، المحلل السياسي الإيراني، في تصريح خاص لـ “سيتا” أن “الرسالة التي تحملها هذه المناورات للعالم تتمثل في إحباط محاولات عزل إيران إقليمياً ودولياً لا سيما بعد التحركات الأمريكية لتقويض قدرات طهران البحرية من خلال إنشاء ائتلاف بحري دولي في المنطقة بذريعة تأمين الملاحة البحرية. أعتقد أن مثل هذه المناورات تقدم نموذجاً ناجحاً للتعاون العسكري والسياسي بين الدول لمواجهة مشروع الهيمنة الأمريكية.”
ويضيف مظهري “لا أحد ولا جهة قادرة على تأمين الممرات المائية وطرق الملاحة البحرية في الخليج الفارسي بدون مشاركة إيران، وأية محاولة لضرب دورها يزعزع الأمن والإستقرار، وهذا ما أدركته قوى دولية مثل روسيا والصين.”
إستعراض عسكري بحري
اختتمت المناورات البحرية المشتركة بإجراء استعراض للوحدات المشاركة في منطقة شمال المحيط الهندي، وشاركت في الإستعراض الختامي كل من المدمرتين الإيرانيتين “البرز” و”بايندر”، وراجمة الصواريخ “نيزة”، والسفينة الحربية الروسية “ياروسلاف مودري”، والمدمرة الصينية “شينينغ”، وسفينة الوقود الروسية “يلنيا”، وسفينة قطر روسية، وزورق “تندر” و”الشهيد ناظري” و”الشهيد ناصري نجاد” من القوة البحرية للحرس الثوري، حيث نفذت الإستعراض أمام مدمرة “سهند” الإيرانية.
أخيراً، تأتي أهمية هذه المناورات واضحة جداً لجهة أن هناك مواجهة من قوى دولية لمنع سيطرة الولايات المتحدة على الممرات المائية الدولية في تلك المنطقة، وعدم السماح لها بتشكيل أية قوى تعرقل الملاحة، في تحد واضح من قبل الدول الثلاث، في وقت بدأت تتيقن فيه واشنطن بأنها لم تعد تتمكن من تغيير هذا الواقع على الرغم من أنها لا تزال تشكل قوة لا يستهان بها مع وجود عدد من القواعد العسكرية.
مصدر الأخبار: سيتا + وكالات.
مصدر الصور: 180 بوست.
موضوع ذو صلة: المناورات الروسية: العودة إلى “المياه الدافئة”