دون أن أعرف ما الذي دار من اتفاقيات على طاولة حلف شمال الأطلسي – الناتو بمحاكمة لفظية فقط لعنوان سياسات “الأبواب المفتوحة”، فهذا معناه السماح لكل شيء وتمرير كل شيء وهذا يتوافق مع التعبير الشهير “الفوضى الخلاقة” بمعنى تمرير كل التنافضات لإعادة هيكلة العالم بحالة صراعية. ببساطة، هذا سهل طالما ينظر أصحاب هذه النظريات إلى الكتلة المقصودة بأنها جمعاً عدو؛ وبالتالي، أي طرف يصفي أي طرف أو أطراف ستصب الأمور في مصلحة أصحاب النظرية.
هذا مدخل لتأكيد المؤكد، وهو أن التحريك سيكون عبر “الأيدي القذرة”؛ وبالتالي، تم استخدام جماعة “الإخوان المسلمين” لافتعال تلك الفوضى. وأما في الخصوصية السورية، سوريا هي الجغرافيا التي منها تبدأ التغييرات الحقيقية في الخارطة العالمية، فكانت الهدف الرئيسي منذ البداية وما سبقها، فهي بالترتيب كما يلي:
1. تونس: مسبار اختبار؛
2. مصر: توثيق نهائي لأهداف “كامب ديفيد”؛
3. ليبيا: حد فاصل بين الناتو وروسيا؛
4. سوريا: البؤرة المطلوب تفجيرها لإعادة التموضع العالمي.
هذا الكلام يتبدى وضوحه في الاستراتيجية المتبناة من الجمهورية العربية السورية، من حيث تعزيز تحالفاتها الإقليمية، والتمترس خلفها بعد الإفصاح الغربي إبان قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1559/2004 بأيادي لبنانية خليجية وعقل غربي، الذي أعلن نقل الصراع صراحة إلى سوريا وما تلاه من أحداث اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق، رفيق الحريري وتبعاته، وتدويل تلك القضية وصولاً إلى انشاء محكمة دولية خاصة.
بالمقابل، تم الإفصاح سورياً عبر إعلان استراتيجية “التوجه شرقاً”، ومن بعدها الذهاب إلى “حرب تموز” 2006 والتي كانت قراراً استراتيجياً لسوريا وحلفائها، وبقي الشيطان كامناً في التفاصيل أو التكتيك المرحلي حيث كان صوابياً جداً التقارب مع تركيا – من الناحية الاستراتيجية – أملاً في استحصال توافق على استقلالية المنطقة.
ولكن، بقي التكتيك العالق في الأروقة وهو فصل ملف جماعة الإخوان عالمياً عن الولايات المتحدة من جهة، والعلاقة فيما بين التنظيمات القُطرية، من جهة أخرى، مما استدعى تنازلات لأجل الاستراتيجية، من وجهة نظر سوريا، كانت بالمقابل مفاصل للتخريب التكتيكي لدى الجماعة في تركيا انتهى بإعلان الاصطفاف من قبل حزب “العدالة والتنمية” مع الولايات المتحدة العام 2011، ونزاع على القضية الوطنية الفلسطينية بين التابع والمتبوع، المفصل الأخير لذراع العسكرتاريا القوي الباقي الوحيد في غزة ضمن تكتيكات المشاريع؛ فالتكتيك يخرب الاستراتيجية على مساحة آخر ما حررته الثورة العربية الكبرى العام 1916، التي نتجت عنها معاهدة “سايكس – بيكو”.
بالعودة لأزمة التكتيك، في العام 2011 تكشفت الاستراتيجية في أول جلسة لمجلس الأمن حول سوريا؛ العلاقات السورية – الروسية – الإيرانية خط أحمر، وبعدها التوجه السوري شرقاً نحو كل من الصين والهند وباكستان وغيرها، والضغط السياسي في محيط الولايات المتحدة، فنزويلا وكوبا مثلاً. بالمقابل، توضّح التكتيك الخليجي أيضاً، عبر شراء النفوس والتغلغل المحلي من خلال السلفية والعلمنة والارتزاق مع بعضها البعض، والتغلغل الآخر عبر تمويل الإعلام والمجتمع المدني المجازي.
هكذا، بقيت جماعة الإخوان – ومن لف لفيفها – ذراعاً وواجهة للاستخدام كطرف مقابل للدولة مدعوم دولياً، وممثلاً على الأراضي التركية، ومتبنى منحلف الناتو، بينما تعمل غرف الموك على المشروع الحقيقي، وهو التقسيم وتفتيت سوريا، فكان شغلها الشاغل استقطاب الأقليات. أيضاً، كان الإعلان عن تأسيس مجلسين عسكريين لمدينتي طرطوس والسويداء من أهم المفاصل – في تلك المرحلة – رغم وهمية كليهما. ونحن هنا لسنا بصدد الحديث عن من موّل وساهم، لأننا نتحدث في الاستراتيجية ولن نقع في شَرك التفاصيل، من سرقة وفساد وارتزاق، لأن المهم هو المشروع والمشروع على الطاولة.
إقرأ ايضاً: واشنطن تجمع أنقرة و”قسد”
استمر العداء بين الجماعة وحزب الديمقراطي الكردي، وتم تكليله بهجمات “داعش” على المنطقة ضمن استكمال للمشروع التاريخي منذ الخلاف على المنطقة بين الخابور والموصل إبان حقبة “سايكس – بيكو”، وهنا وقعنا في أزمة التكتيك الأولى؛ من جهة، ليس بالإمكان أكثر مما كان، فلا بد من مواجهة الإرهاب. ومن جهة أخرى، وجه المشروع يتضح بتصدير قوى محلية تمهّد لضرب شرعية الجيش كصيغة وطنية وحيدة منوط بها حماية الدولة، فقدمت الدولة السلاح والدعم الذي كان سبباً لا يستهان به لتموضع ما سمي بـ “قسد” و”مسد” لاحقاً، وهذه مراجعة رقم واحد لأن التكتيك ما زال حتى اللحظة يطغى في العلاقة معها على الاستراتيجية.
أما المعضلة التكتيكية الثانية، فتتجلى في بدء انتصارات الدولة وحلفائها والتي اصطدمت بملف المصالحات والتطهير؛ فالضرورة تقتضي نقل الصراع من المركز وبين المدن إلى الأطراف، ولكن التكتيك بتحميل كل تلك الكتل البشرية إلى الشمال بات جزءاً من المشروع المطروح الآن، وهذا – كما قلت – كان ضرورة نتيجة اتهامات عالمية واستهدافات وحملات ممنهجة لتلزم الدولة بالمصالحات التي حمت كتلة من المرتزقة يتم تحريكها وفق الأجندة الدولية.
واليوم، يتم طرح إدماجها مع قوات سوريا الديمقراطية – “قسد” بوساطة أمريكية لضمان مرور مشروع التقسيم بموافقة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان.
أما التكتيك الثالث، فقد عمدت الدول وعملائها إلى قطع التواصل السياسي مع دول جوار للجمهورية العربية السورية، وتعمدّت حصر العلاقة بالجانب الأمني كمقابل للموافقة على حرب ضد الإرهاب بل وسعت لتظهير التعاون الأمني إعلامياً.
بالنسبة إلى التكتيك الرابع، وهذا في ملف الجنوب وبالذات محافظة السويداء كونها ذات ديموغرافية متجانسة وهو ما لن أخوض فيه في هذا المقال لكونه شائك وحساس ومتشعب.
وأخيراً يأتي التكتيك الخامس، والذي تضمّن كل الخطط الاقتصادية المميتة للضغط على الشعب، والغاية الأساسية منه تظهير عداء المدن الأبعد تجاه المركز بالدرجة الرئيسية، وأيضاً يحتاج شرحه تفصيلات لن أخوض فيها الآن لأن اللبيب من الإشارة يفهم.
مصدر الصورة: موقع عنب بلدي.
كاتبة / عضو اللجنة الدستورية المصغرة عن المجتمع المدني – سوريا