تشكل قضية شهادة الأقارب في النظام القانوني مسألة معقدة وحساسة تتعلق بمبدأ العدالة والنزاهة في إجراءات المحاكمة، كما يثير هذا الموضوع تساؤلات مهمة حول مدى قبول شهادة الأقارب، خاصة عندما يتعلق الأمر بالمحامي وابنه كونهما قريبان بشكل مباشر، إذ تتعلق المسألة بتوازن بين حقوق الطرفين وضمان نزاهة العملية القضائية.
في هذا السياق، نجد أن المحكمة تواجه تحديات في تقديم العدالة في ظل وجود علاقة قرابة بين المحامي وابنه عندما يتعلق الأمر بشهادة المحامي لصالح موكله، فقد تكون هذه العلاقة عاملاً مؤثراً على مصداقية الشهادة وتدخل في مجال الاعتبارات القانونية والأخلاقية للقاضي.
من هنا، تبرز أهمية بحث متعمق في هذا الموضوع وتحليله بطريقة قانونية متسقة، حيث سيتم تقديم هذا المقال لاستكشاف مختلف الآراء والقوانين المتعلقة بشهادة الأقارب، مع التركيز بشكل خاص على المواقف القانونية المختلفة بشأن قبول شهادة ابن المحامي لصالح موكل أبيه، كما سيتم تقديم تحليل قانوني دقيق لتوجيه النقاش حول هذا الموضوع الحساس، مع التركيز على المبادئ القانونية والأخلاقية المرتبطة به.
بالتالي، ينبغي أولاً أن نلقي نظرة على دور المحامي كوكيل عن الخصم، وليس بمثابة الخصم نفسه، فبموجب هذا الدور، لا تنشأ خلافية بين المحامي والخصم الذي يمثله، حيث يكون المحامي ملتزماً بالدفاع عن مصالح وحقوق موكله بكل جدية واجتهاد، ومع ذلك، قد تثير تصرفات المحامي واهتمامه بحماية موكله في إطار النزاع القانوني الشكوك حول نزاهته عندما يقدم شهادة لصالح موكل أبيه.
في هذه الحالة، يعتبر ابن المحامي شاهداً لصالح والده، مما يثير تساؤلات حول موضوعية وصدق هذه الشهادة، فقد تكون الشهادة مفيدة للمحامي نفسه، أو قد تحميه من خسارة محتملة، مما يجعلها غير مقبولة من الناحية القانونية والأخلاقية.
ومن الجدير بالذكر أن هذا النوع من التصرفات يخل بمبادئ المهنة القانونية ويمكن أن يؤثر سلباً على سمعة المحامي ومصداقيته في المجتمع القانوني، خاصة إذا تم رصد مثل هذه الحالات، فقد تتخذ السلطات القانونية الإجراءات اللازمة للتحقيق فيها وفرض العقوبات المناسبة إذا ثبتت التهم الموجهة إلى المحامي.
وبموجب بعض القضايا الحاصلة في هذا السياق، وكأحد النماذج، قد تثبت الأوراق وجود فساد في استدلال الحكم الابتدائي بشهادة الشاهدين في الدعوى، حيث يكون الشاهد الأول هو ابن محامي المدعي، وتجاوزت شهادته مع شهادة الشاهد الثاني الموضوع المدعى به ليصل إلى مستوى غير معتاد في الإدلاء بالشهادة، بالتالي، عند التماس الطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي، أكدت الدائرة الشخصية صحة الحكم الاستئنافي، وأشارت المحكمة العليا في أسباب حكمها إلى أن إلغاء الحكم الابتدائي في الحكم الاستئنافي يعتمد على أسس قانونية صحيحة ومنطقية، مما يبرر رفض التماس الطعن.
وفي النظام القانوني، يعتبر فساد استدلال الحكم بشهادة شاهدي الدعوى أمراً جديراً بالتحقيق والمعالجة بالشكل القانوني المناسب، إذا تبين أن هناك تلاعباً في الإدلاء بالشهادات أو تجاوزات في عملية الاستدلال، فإن ذلك قد يؤدي إلى إلغاء الحكم الابتدائي واعتبار الحكم الاستئنافي كمرجع قانوني صحيح، هذا يظهر أهمية وجود إجراءات قانونية فعالة لضمان نزاهة وموضوعية العمل القضائي وضمان حقوق الأطراف في القضية.
بالتالي، يتحدد دور المحامي في الخصومة بوجود ثلاثة محددات أساسية، والتي تلقي الضوء على مركزه القانوني ودوره الأساسي في نظام العدالة:
أولاً، المحامي كقاضي واقف: يتميز المحامي بالخبرة والاختصاص في المسائل الشرعية والقانونية، وبالتالي يلتزم الخصوم بتوكيله لتقديم دعاويهم ومذكراتهم أمام القضاء، كما يُعتبر المحامي عاملاً أساسياً في تقديم الحجج والدلائل أمام القاضي، ويقوم بتوضيح وتبيان مواقف وحقوق موكله، هذا يعني أن دور المحامي لا يقتصر فقط على خدمة موكله، بل يمتد لتقديم الخدمة للقضاء نفسه.
ثانياً، المحامي كوكيل عن الخصم: يُمثل المحامي الخصم الذي توكله لتمثيله والترافع نيابة عنه في المحاكم، ويقوم بالدفاع عن حقوقه ومصالحه في الخصومة، على الرغم من التزام المحامي برعاية حقوق موكله، إلا أنه ليس ملزماً بضرورة تحقيق النتيجة النهائية لموكله، فمجال توكيل المحامي يتركز على التمثيل والدفاع والعناية بالمصالح دون ضمان النجاح.
ثالثاً، المحامي بصفته إنساناً: يتأثر المحامي بمشاعره وعواطفه، مما قد يؤثر على نزاهته وموضوعيته في المحاكمات، كما يميل المحامي غالباً إلى جانب موكله الذي يترافع نيابة عنه، وهذا يمكن أن يؤثر على طريقة تقديمه للحقائق والحجج في المحكمة.
بالتالي، يتطلب شرط الشهادة في القانون أن يكون الشاهد بالغاً وعاقلاً وراشداً وعدلاً، باستثناء حالات معينة مثل الشهادة على الأحداث التي تجري بين الصبيان، حيث يمكن قبول شهادة الصبيان في هذه الحالات، إذا كان ابن المحامي بالغاً وعاقلاً، فهو مستقل عن وصاية وولاية والده المحامي، وبالتالي لا يخضع لتأثير أو توجيهات والده في شهادته. ومع ذلك، يظل الابن عضواً في أسرة واحدة وأحد الأقرباء إلى والده المحامي.
وتعتبر القرابة من الموانع المحتملة لشهادة الشاهد، حيث يمكن أن تؤثر علاقة القرابة على موضوعية الشهادة، فالقريب يمكن أن يكون مائلاً لصالح قريبه بتقديم شهادة تخدم مصالحه، أو لتجنب إلحاق الضرر به.
الناحية الفقهية
يعتبر الفقه الإسلامي المرجع الأساسي لتفسير النصوص القانونية وتطبيقها، وفقاً لما جاء في المادة 18 من قانون الأحوال المدنية، ومن المهم التطرق بإيجاز إلى مسألة القرابة المانعة للشهادة في الفقه الإسلامي، في هذا السياق، اعتمدت المذاهب الزيدية والحنفية والظاهرية على قبول شهادة الأصول للفروع والعكس، وكذلك قبول شهادة أي قريب بشرط أن يكون الشاهد عدلاً، بغض النظر عن قرابته.
أما المذاهب الشافعية والحنابلة، فقد رفضوا قبول شهادة الأصول للفروع والعكس، بغض النظر عن جنس الشاهد، بسبب اعتبار العادة التي تجعل الفروع تستفيد من مال الأصول والعكس، وبالتالي، فإن شهادة كل منهم تعتبر متضمنة لمصلحة معينة، مما يجعل الشاهد متهماً في شهادته، وتتضمن الاتهامات في الشهادة، ووفقاً لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم “لا تقبل شهادة الوالد لولده ولا السيد لعبده ولا الزوجة لزوجها ولا الزوج لزوجته”.
أما بالنسبة لشهادة باقي الأقارب غير الأصول والفروع، فهي مقبولة عند المذاهب الشافعية والحنابلة، بينما رفض ابن المنذر وسفيان الثوري قبول شهادة القريب لقريبه بشكل عام، بغض النظر عن درجة القرابة.
من الناحية القانونية
يعد قانون الإثبات أحد الأنظمة القانونية المهمة التي تنظم شهادة الأقارب والأشخاص المقربين في القضاء. ورغم عدم صريحه في منع أو جواز شهادة الأقارب لبعضهم، إلا أن المادة 27، الفقرة و، تحدد شرطاً أساسياً لشهادة الشاهد وهو عدم النفع أو الضرر المباشر الذي يتحقق للشاهد أو للشخص الذي يحصل عليه، وبناءً على ذلك، تظهر أن شهادة الأقارب تندرج تحت هذا المفهوم، بحسب ما أكدته المذاهب الفقهية المتعددة.
فعلى سبيل المثال، فإن المذهب الشافعي يقبل شهادة الأقارب بشرط عدم استفادتهم المباشرة من بعضهم البعض، نظراً لاعتبارهم مستفيدين مادياً من بعضهم البعض، بينما يختلف المذهب الحنفي والظاهري في هذا الجانب، ويلاحظ أن القضاء في بعض الدول العربية يتبنى مفهوم القرابة المانعة من الشهادة بشكل واسع، حيث يمنع شهادة الأقارب المحددين مثل الأخوة والأعمام والأخوال والأصهار، ويُعتبر هذا الموقف توسيعاً لنطاق القرابة المانعة من الشهادة، كما في اليمن.
وجدير بالذكر أن بعض التيارات في الفقه الإسلامي، مثل قول ابن المنذر وسفيان الثوري، يرفضون قبول شهادة الأقارب تماماً، بغض النظر عن درجة القرابة، وفي هذا السياق، قضت محكمة النقض المصرية بأن صلة القرابة لا تعتبر سبباً قانونياً كافياً لقبول الشهادة.
كما يتناول القانون الجوانب القانونية المتعلقة بترافع المحامي عن أفراد أسرته والقيود المفروضة في هذا الصدد، حيث يسمح القانون للمحامي القريب بالترافع عن أفراد عائلته، بما في ذلك الأقارب المباشرين، ولكنه يفرض قيوداً على الشهادة في بعض الحالات، على سبيل المثال، عندما يترافع المحامي عن قريبه، يكون ذلك يعتبر سبباً لمنعه من الشهادة لصالح هذا القريب في نفس القضية، ومع ذلك، في الكثير من الحالات، لا يكون المحامي قريباً للطرف الذي يترافع عنه، وبالتالي، لا يكون هناك قرابة بين المحامي والخصم في هذه الحالة، وبالتالي فإن القيود على الشهادة لا تنطبق، على سبيل المثال، إذا كان ابن المحامي يترافع بالوكالة عن شخص ليس له أي علاقة قرابة مع المحامي الذي تترافع له، فإن القرابة غير موجودة بين المحامي والخصم.
وبينما يمكن أن تكون هناك قرابة واضحة بين المحامي وابنه، فإن هذه القرابة تمثل عائقاً قانونياً لابن المحامي عن تقديم شهادة لصالح موكل أبيه، حيث يعتبر القانون هذه الشهادة غير مقبولة نظراً لوجود تضارب مصالح وعدم الحياد.
في النهاية، يظهر أن القانون يوفر إطاراً قانونياً لترافع المحامي عن أفراد عائلته، ولكنه يفرض قيوداً على الشهادة في حالات معينة تهدف إلى حماية نزاهة العدالة ومصالح الطرفين في القضية.
بالتالي، تنطوي قضية شهادة الأقارب في النظام القانوني على أبعاد معقدة تتعلق بمبدأ العدالة والنزاهة في إجراءات المحاكمة، يظهر من خلال أن السبب الرئيسي وراء منع شهادة الأقارب هو احتمال تأثير القرابة على نزاهة الشهادة، حيث يمكن أن يكون القريب أكثر ميلاً إلى دفع الضرر عن قريبه أو جلب النفع له بوساطة شهادته.
وفي هذا السياق، أصدرت المحاكم العديد من الأحكام التي تؤكد على أن شهادة ابن المحامي لصالح موكل أبيه تمثل تعارض مصالح واضح، حيث يمكن أن تؤدي إلى تحقيق الضرر عن المحامي نفسه أو تجلب له النفع في القضية التي يترافع فيها.
من هنا، يظهر أن هناك شبهة واضحة تحول دون قبول شهادة ابن المحامي لصالح موكل أبيه، حيث يتعارض ذلك مع مبادئ العدالة والنزاهة في القضاء، لذا، يعتبر هذا الموضوع مسألة حيوية تحتاج إلى مزيد من النقاش والتفكير للوصول إلى حلول قانونية مناسبة تحافظ على سلامة العدالة ونزاهة المحاكمة.
مصدر الصور: أرشيف سيتا.
إقرأ أيضاً: الحاكم العربي تاريخياً بين سلطة الدين وسلطة القانون
عبد العزيز بدر بن حمد القطان
مستشار قانوني – الكويت