إعداد: مركز سيتا

أدى حديث الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، عن حركة “أنتيفا” وإعلانه عزم إدارته على تصنيفها “جماعة إرهابية” إلى تصدر البحث عن هذه الحركة في مواقع البحث، خصوصاً مع إتهامه للحركة، ومعها ساسة جمهوريون آخرون، بالوقوف وراء أعمال العنف والسطو والتدمير التي تصاحب اندلاع المظاهرات الغاضبة من مقتل المواطن الأمريكي ذو الأصول الأفريقية، جورج فلويد، على يد رجال الشرطة في مدينة مينيابوليس بولاية مينيسوتا قبل أيام.

ظهور قديم – مستجد

“أنتيفا” هي إختصار لعبارة “مناهضة الفاشية – Anti Fascism” ظهرت بداية في إيطاليا، مع وصول بينيتو موسوليني إلى سدة الحكم في العام 1919، وتعد حركة يسارية تهدف إلى مناهضة الرأسمالية والعنصرية والتمييز والنخب السياسية ووسائل الإعلام، وهي تميل إلى العنف وتعتمده أسلوباً لها خلال الإحتجاجات. يصنفها البعض منظمة “فوضوية” شيوعية اشتراكية، وقيل إنها نمت في الولايات المتحدة منذ العام 2016 بشكل ملحوظ مع ظهور اليمين المتطرف، لكن لا يعرف بدقة متى ظهرت بالتحديد في البلاد، إذ يرجعها البعض لإجتماع منظمة التجارة العالمية بمدينة سياتل، العام 1999، التي شهدت المدينة مظاهرات عنيفة واستخدم فيها العنف، ودمر وسط المدينة.

بدأ نشاط الحركة في الولايات المتحدة مع وصول الرئيس ترامب إلى السلطة، لكنها ليست حركة مسجلة ولها أعضاء مسجلون، ويتميز أعضاؤها بإرتداء اللون الأسود وإخفاء الوجوه بالأقنعة. ولقد تصدى أعضاء “أنتيفا” لتظاهرات النازيين الجدد في أمريكا، ويلجأ بعضهم إلى مواجهة العنف بالعنف المضاد.

اليوم، يحاول الرئيس ترامب إستخدامها وتحميلها مسؤولية أعمال الشغب للتملص من سوء إدارته للأزمات التي تعصف في الداخل الأمريكي بإيهام المواطنين، عبر وسائل الإعلام، بأنها المسؤولة عن تأجيج التظاهرات في المدن الأمريكية.

التعبير بالعنف

يحاول أعضاء هذه الحركة لفت الإنتباه لمواقفهم الداعية للتغيير والتمرد على الأوضاع الحالية، في حين أن معظم تحركاتهم ضمن مجموعات بشرية صغيرة حيث لا يوجد هيكل تنظيمي واضح لها بسبب سريتها، لكنها تتكون من مئات الجمعيات الحركية غير المركزية والمنتشرة في مختلف الولايات. تؤمن “أنتيفا” بضرورة التعبير عن نفسها من خلال العنف الذي لا ينبغي له أن يصل إلى حدود القتل أو سفك الدماء.

ويرى الأعضاء، الذين يحتفظون بسرية إنتمائهم، أن منظمتهم ما هي إلا رد فعل طبيعي على تنامي الإتجاهات اليمينية المتطرفة في الولايات المتحدة، التي منحها وصول الرئيس ترامب للبيت الأبيض قوة دفع كبيرة، كما زاد حماس أعضائها ضرورة محاربة السلطة التي يمثلها شخص الرئيس.

تقابل منظمة “أنتيفا” اليسارية منظمة “بوغالو” اليمينية المتطرفة، وتؤكد أدبيات الحركة أن جميع الإرهابيين المحليين في الولايات المتحدة خرجوا من جماعات اليمين المتطرف وليس من قوى اليسار مستندين في ذلك إلى تقرير صدر عن مركز التطرف التابع لرابطة مكافحة التشهير، العام 2019، والذي جاء فيه أن جميع عمليات القتل التي وقعت في البلاد، العام 2018، كانت على أيدي متطرفين يمينيين محليين نتج عنها خمسون حالة قتل.

ذريعة الرئيس

يلقي الرئيس ترامب مسؤولية وقوع أعمال عنف، في عشرات المدن الأميركية التي شهدت مظاهرات غاضبة ضد الشرطة، على عاتق أعضاء الحركة، حيث طالب بضرورة التمييز بين المتظاهرين السلميين والفوضويين من أعضاء “أنتيفا”، وشارك موقف الرئيس وزير العدل، وليام بار، الذي وعد بتطبيق القانون عليهم.

يعتقد بعض خبراء القانون الدستوري أن الرئيس الأمريكي لا يحق له تصنيف حركة “أنتيفا” منظمة إرهابية إذ تعتقد البروفيسورة ماري ماكورد، المسؤولة السابقة في وزارة العدل، أنه “إذا تم تمرير مثل هذا القانون، فإن الأمر سيواجه تحدياً خطيراً للتعديل الأول في الدستور المتعلق بحرية الرأي”.

من الواضح تماماً وجود نوع من “العداء الخاص” بين الحركة وبين الرئيس ترامب، إذا لا ينفك الأخير عن اتهامها بزعزعة الإستقرار وبث الفوضى، وقد وغرد على موقع “تويتر” قائلاً “يجري النظر في إعلان أنتيفا، الحركة الجبانة اليسارية المتطرفة الذين يتجولون ويضربون الأشخاص (غير المقاتلين فقط) فوق رؤوسهم بمضارب بيسبول” منظمة إرهابية رئيسية، معتبراً أن ذلك يسهل عمل الشرطة.

ردود غاضبة

شن مسؤولون جمهوريون وديمقراطيون هجوماً على مجموعات يسارية، وأخرى يمينية، فضلاً عن محتجين يقفون وراء أعمال العنف التي اجتاحت كبريات المدن الأميركية في الأيام القليلة الماضية، وأشار وزير العدل، ويليام بار، بأصابع الإتهام إلى المنظمين المناهضين للفاشية وحملهم مسؤولية الفوضى التي أعقبت وفاة الأميركي الأسود، جورج فلويد.

أيضاً، أعلن مستشار الأمن القومي، روبرت أوبرايان، أن “ما يحدث تقوده أنتيفا”، مضيفاً “فعلوها في سياتل. فعلوها في بورتلند. قاموا بذلك في بيركلي. هذه قوة راديكالية مدمرة، لا أعلم إن كان يمكننا أن نسميهم يساريين. مهما كانوا، إنهم مسلحون يأتون ويحرقون مدننا، وسنصل إلى الحقيقة”، داعياً، مكتب التحقيقات الفدرالي إلى مراقبة الحركة وملاحقة أعضائها.

أما السيناتور الجمهوري، ماركو روبيو، فقال ضمن تغريدة له إن “قصة كبيرة يتم تغييبها وهي أنه في مدينة بعد الأخرى، لدينا إرهابيون من جماعات من أنتيفا حتى بوغالو يشجعون على العنف ويرتكبون أعمال عنف”، مضيفاً “قد لا تكون لديهم نفس الأيديولوجية لكنهم يتشاطرون كراهية إزاء الشرطة والحكومة ويستغلون الإحتجاجات، هؤلاء الأفراد يريدون هدم النظام بالكامل حتى وإن تطلب ذلك حرباً أهلية جديدة”.

من الجدير ذكره هنا تزايد ظهور الحركة، في العام 2017، بعد سلسلة من الأحداث التي سلطت الضوء على المحتجين المناهضين للفاشية، بما في ذلك الإعتداء على عضو بارز في اليمين المتطرف، وإلغاء فعالية لليمين المتطرف في جامعة كاليفورنيا بيركلي، واحتجاجات شارلوتسفيل في فرجينيا، التي تحولت إلى مواجهات عنيفة، كما نشطت حملات أعضاء “أنتيفا” ضد كل التصرفات التي يعتبرونها استبدادية أو عنصرية أو فيها رهاب المثلية أو كراهية الأجانب.

ختاماً، لم يتضح بعد ما إذا كانت إدارة الرئيس ترامب تسعى بجدية لإدراج الحركة على لائحة المنظمات الإرهابية بالشكل الرسمي إذ سيتطلب ذلك، كما هو متعارف عليه، التنسيق مع عدة أجهزة اتحادية؛ وإن حدث وتم إدراجها، فإن التوقعات تشير إلى حدوث مؤكد لموجة جديدة من الإحتجاجات ولن يستطيع النظام الأمريكي ككل الصمود أمامها لا سيما وأن الكثيرين يرون بأنها تصب ضمن قمع الحريات.

مصدر الأخبار: سيتا + وكالات.

مصدر الصور: إرم نيوز – يورو نيوز.

موضوع ذا صلة: الإعدام في الولايات المتحدة: ظلام في بلد الشمس