يارا انبيعة
حاف يسخر بناعلٍ. مثل ينطبق انطباقاً تاماً على حالة الإدانة اليومية التي تعيشها الولايات المتحدة ضد حكومة أي بلد تريد خصوصاً لجهة حقوق الإنسان. ففي الوقت الذي تدين فيه عمليات الإعدام في الجرائم الجنائية، نرى أن نفس الفعل يحدث على أراضيها.
شرعية العقوبة
الإعدام هو عقوبة قانونية في الولايات المتحدة، وتستخدم حالياً ضمن 32 ولاية، بدأ ظهورها بسبب المستعمرات الأمريكية. وبين العامين 1967 و1977، لم تكن هناك عمليات إعدام في البلد بأكمله. وفي العام 1972، ألغت المحكمة العليا في الولايات المتحدة قوانين عقوبة الإعدام (قضية فورمان ضد جورجيا)، وجعل جميع أحكام الإعدام السجن مدى الحياة. وفي وقت لاحق، فقد أصدرت أغلبية الولايات قوانين جديدة لعقوبة الإعدام حيث تأكد للمحكمة شرعية عقوبة الإعدام في العام 1976 (قضية جريج ضد جورجيا). ومنذ ذلك الحين، تم تنفيذ أكثر من 1400 عملية إعدام، وبلغ العدد، في العام 2015، نحو 28.
في إشارة لافتة، تبقى الولايات المتحدة البلد الغربي الوحيد الذي ما زال يطبق عقوبة الإعدام، وكانت أول من وضع الحقنة المميتة، وطريقة التنفيذ، والتي تمت الموافقة عليها من قبل خمس ولايات أخرى.
فلوريدا.. “الشاذة”
في تقرير جديد أصدرته العام الفائت 2018، أشارت منظمة العفو الدولية إلى أن نهج ولاية فلوريدا تجاه فرض عقوبة الإعدام يعمق وضعها “الشاذ” إزاء قضية حقوق الإنسان، وقد أضافت الآن مستوى آخر من مستويات التعسف لنظام عقوبة الإعدام الذي يتسم أصلاً بالتمييز والخطأ.
وقالت إريكا جيفارا روزاس، مديرة برنامج الأمريكيتين في منظمة العفو الدولية، إنه “في الوقت الذي تبنت فيه عدة ولايات أميركية إلغاء عقوبة الإعدام في السنوات الأخيرة، تظل ولاية فلوريدا مؤيدة بشدة لفرض عقوبة الإعدام، وواحدة من بين قلة من الولايات التي تنفذ الجزء الأكبر من عمليات الإعدام في الولايات المتحدة الأمريكية.”
فعلى الرغم من التثبت بأن الحكم بعقوبة الإعدام غير دستوري، ما زالت ولاية فلوريدا تحتل المرتبة الثانية من حيث عدد المحكومين عليهم بالإعدام في البلاد، وكان ردها على هذا القرار هو التشبث بفرض العقوبة، والدفاع عما لا يمكن الدفاع عنه، بما في ذلك إعدام الأشخاص ذوي الإعاقات الذهنية والفكرية. هذا ولا تُظهر ولاية فلوريدا دلائل تذكر للإنضمام إلى الولايات الـ 19 الأمريكية التي ألغت عقوبة الإعدام أو الولايات الأخرى التي تعيد النظر فيها، وهي تحتل المرتبة الرابعة في عدد عمليات الإعدام التي نفذت في الولايات المتحدة، منذ عام 1976، عندما وافقت المحكمة العليا الأمريكية على القوانين الجديدة الخاصة بعقوبة الإعدام.
ويستعرض التقرير، المعنون “ظلام واضح في ولاية الشمس المشرقة”، عقوبة الإعدام في فلوريدا، عدد النزلاء المحكوم عليهم بالإعدام الذين حرموا من فرصة مراجعة أحكام الإعدام الصادرة بحقهم من خلال رد الولاية (حكم هورست ضد فلوريدا)، في العام 2016، الذي حكمت فيه المحكمة العليا الأمريكية بإلغاء قانون الولاية الأساسي لعقوبة الإعدام لأنه أعطى هيئات المحلفين دوراً استشارياً فقط في إصدار حكم الإعدام. وبدلاً من الرد بإعادة تقييم جدي لنظام عقوبة الإعدام، سرعان ما تحرك المجلس التشريعي للولاية لمراجعة النظام الأساسي للسماح باستئناف إصدار حكم الإعدام. ومنذ ذلك الحين، جعلت المحكمة العليا في فلوريدا الحكم الخاص بـ “هورست” يطبق فقط على مجموعة محدودة من القضايا القائمة، مما يعني أنه لن يكون هناك حتى لنصف عدد ما يقرب من 400 شخص، ممن ينتظرون تنفيذ حكم الإعدام، أحقية في جلسات استماع جديدة.
وكما توقع أحد قضاة ولاية فلوريدا، عندما اعترض على قرار منح العمل بأثر رجعي محدود فقط، فإن مصير هؤلاء المحكوم عليهم بالإعدام سيتعلق “على نتيجة رمية النرد”. وقد تم بالفعل إعدام أربعة أشخاص وقعوا على الجانب الخاطئ من التاريخ الفاصل بين العمل بالقرار بأثر رجعي، بينما ينتظر عشرات آخرين تنفيذ حكم الإعدام. ويقدم التقرير أمثلة لحالات التعسف الذي يكابده الذين ينتظرون تنفيذ حكم الإعدام، ويظهر كيف يحصل بعض الأفراد على تخفيف الحكم، بينما لا يحصل الآخرون على ذلك، وغالباً ما يكون ذلك بسبب التوقيت.
فئات ثلاث
ويسلط التقرير الضوء أيضاً على ثلاث فئات من السجناء المحكوم عليهم بالإعدام: الأفراد ذوي الإعاقة العقلية الخطيرة، والأشخاص الذين يعانون من التخلف العقلي الحدودي الفعلي، والشباب الذين يعتبرون أن لديهم نضج عقلي أقل من عمر 18 سنة وعانوا من الحرمان الشديد وسوء المعاملة.
فمن خلال الحكم عليهم بالإعدام، يتم وصف هؤلاء المدعى عليهم بأنهم “أسوأ السيئين” ، أي المخالفين الذين “يجعلهم الجرم البالغ أكثر استحقاقاً لعقوبة الإعدام”، وتشكك الحالات التي تم استعراضها في التقرير في افتراض أن استخدام عقوبة الإعدام في “ولاية الشمس المشرقة” يتماشى مع القيود الدستورية المفروضة. ومن بين الحالات، التي وردت في التقرير، قضية توني واتس، الذي حكم عليه بالإعدام في فلوريدا، في العام 1989، وكان قد قضى نصف سنوات السجن تقريباً منذ ذلك الحين في مستشفى للأمراض النفسية بسبب إعاقته العقلية الشديدة، ومع ذلك تستمر الدولة في الدفاع عن إصدار حكم الإعدام عليه بدلاً من تخفيفه.
كما يسلط التقرير الضوء على كيفية تأثير قضية التمييز العنصري على عقوبة الإعدام في فلوريدا. فقد نفذ حكم الإعدام في 20 شخصاً من أصل 96 في الولاية، منذ العام 1976، من المتهمين السود الذين أدينوا بقتل الضحايا البيض، لكن لم يتم إعدام أي شخص أبيض لقتله شخصاً أسوداً في فلوريدا. وعلى الرغم من هذا الخلل، لا يزال من المستحيل تقريباً على من يحكم عليهم بالإعدام أن يفلحوا في تقديم شكوى بزعم وقوع التمييز العنصري الممنهج.
أساليب مبتكرة
فيما ترفض غالبية الدول الكبرى تطبيق عقوبة الإعدام، ما تزال الولايات المتحدة، الدولة الأكثر ديمقراطية في العالم، مستمرة في فرض هذه العقوبة في محاكم الدولة، وتحتل الولايات المتحدة المرتبة الخامسة بين الدول التي تسمح بهذه العقوبة في عدد أحكام الإعدام حول العالم. هذا وقد تم ابتكار عدد من الأساليب لتنفيذ عقوية الإعدام، أبرزها:
- المادة القاتلة
في السنوات الأخيرة تزايد عدد البلدان التي تلجأ إلى الحقنة المميتة وسيلة للإعدام، وهذا لكونها لا تسبب الألم نفسه الذي تلحقه وسائل الإعدام الأخرى، ولأنها تتجنب الفوضى الذي تسببها وسائل الإعدام التي تنطوي على العنف في تنفيذها، مثل الدماء المتناثرة التي تسيل بسبب الإعدام رمياً بالرصاص، وتعتبر وسيلة سلمية إن أخذنا في الاعتبار الشهود المطالبين بمشاهدة عملية تنفيذ الإعدام.
وتلك الحقنة تُدخل المحكوم عليه بالإعدام في النوم، ثم توقف المواد الكيميائية المحقونة في جسده عملية التنفس، ومن ثم عضلة القلب؛ حتى يفارق الشخص الحياة. ومخدر الصوديوم هو المخدر الأول الذي يُدخل لجسم المحكوم عليه بالإعدام، ويأتي دور بروميد البانكورونيوم ليتكفل بالتنفس، ثم يقضي كلوريد البوتاسيوم على نبض القلب. وتستخدم كل من: تايلاند و23 ولاية من الولايات المتحدة الأمريكية، وجواتيمالا، والصين، وتايوان، الحقنة المميتة وسيلة للإعدام.
في هذا المجال، قامت سلطات ولاية نبراسكا الأمريكية، بتنفيذ حكم بالإعدام تستخدم فيه للمرة الأولى، مادة “فنتانيل” القاتلة، المثيرة للجدل. وحقنة “فنتانيل” تلك تتكون من أربع مواد، ثلاث منها لم يسبق أن استخدمت، وهي مخدر “ديازيبام”، ومسكن “فنتانيل”، و”سيساتراكوريوم” الذي يرخي العضلات، و”كلوريد البوتاسيوم”، الذي يوقف عمل القلب.
ويسبب مسكن “فنتانيل” الإدمان، وقد أدى إلى أزمة صحية غير مسبوقة حيث بلغ عدد ضحاياه، في العام 2016، أكثر من 20 ألف شخص، ويعد كاري دين مور، المدان بإرتكاب جريمتي قتل، في العام 1979، أول من نفذ فيه حكم الإعدام هذا في العام 2018. ومنذ العام 1997، دعت منظمات حقوقية إلى تأجيل تنفيذ الحكم. وقد أعرب مور عن رغبته بعدم تأجيل تنفيذ الحكم، بعد أن قضى 38 عاماً بالسجن منتظراً تنفذي الحكم.
وفي العام 2015، خُفضت عقوبة مور إلى السجن المؤبد لكن تم الغاء الحكم واعيد العمل بعقوبة الإعدام.
- الكرسي الكهربائي
ما يقرب من 744 شخصاً حكم عليهم بالإعدام، تسعة منهم فقط أعدموا بالكرسي الكهربائي. وعلى الرغم من الجدل المثار حول أفضلية استخدام الحقنة المميتة كوسيلة للإعدام، إلا أنها ما زالت تواجه بعض النقد والجدل، إذ أن هناك رغبات في المزيد لإستخدام الكراسي الكهربائية إذ أصدر مؤخراً مجلس النواب، في ولاية فيرجينيا، تشرعياً يستوجب استخدام الكرسي الكهربائي في عمليات الإعدام، ومن بعده صدر تشريع ممثال في ولاياتي ألاباما وتينيسي.
إن الوفاة الناجمة من الصعق بالكهرباء تحدث نتيجة تعرض جسم الإنسان لكميات كبيرة جداً من الكهرباء والتي تسبب تقلصات سريعة في القلب وتؤدي إلى توقفه، ويجب أن يكون المحكوم عليه بالإعدام حليق الرأس والساقين للسماح بوصول أفضل للكهرباء عن طريق جلده، ويربط السجين في الكرسي الكهربائي من عند الرسغين والخصر والكاحلين، ثم تعمل الكهرباء بقوة 2000 فولت.
هناك بعض الولايات الأمريكية التي ما زالت تستخدم تلك الوسيلة في الإعدام وهي: ولاية ألاباما، وأركنساس، وفلوريدا، وكنتاكي، وميسيسيبي، وأوكلاهوما، وكارولينا، وتينيسي، وفرجينيا.
- الغاز المييت
إن تنفيذ عملية الإعدام بالغاز يتطلب بقاء السجين في غرفة مغلقة جيداً، ويربط بكرسي أسفله وعاء من حمض الكبريتيك؛ وحين يبدأ تنفيذ الحكم، يطلق في الغرفة سيانيد الصوديوم الذي يتفاعل كيميائياً مع حمض الكبريتيك مخلفاً وراءه غاز سيانيد الهيدروجين، ما يؤدي إلى وفاة السجين بعد أن يفتقد المخ وصول الأكسجين إليه ويختنق حتى الموت.
إنخفاض عالمي
صرحت منظمة العفو الدولية في تقرير أطلقته، في العام 2019، أن عمليات الإعدام السنوية المسجلة في أنحاء العالم انخفضت بنحو الثلث، في العام 2018، حيث أعدم نحو 690 شخصاً في 20 دولة. هذا الإنخفاض قدرته المنظمة بما يعادل 31% مقاربنة بالعام 2017، والذي سجلت فيه 993 عملية إعدام، وأشار التقرير إلى أن الآلاف ربما قد أُعدموا في الصين لكن السجلات سرية.
كما أوضح التقرير أيضاً أن الدول العشر الموجودة على قائمة الإعدامات، هم بالترتيب وفقاً لحالات الإعدام المسجلة: إيران، والسعودية، وفيتنام، والعراق، ومصر، والولايات المتحدة، واليابان، وباكستان، وسنغافورة، والصومال.
في حديث خاص لمركز “سيتا”، بين الباحث الأكاديمي المتخصص في العدالة الجنائية والأستاذ في الجامعة اللبنانية، الدكتور عمر نشابه، أنه في الولايات المتحدة توجد قانون الولايات والقانون الفيدرالي، وبالتالي الجرائم تصنف على أنها جرائم فيدرالية أو جرائم لها علاقة بولاية نفسها. فهناك بعض الولايات، من بين الـ 51 ولاية، تعتمد عقوبة الإعدام وبعضها لا يعتمدها.
ومن الأمور المهمة التي يشير الها الباحث نشابه أن القانون الفيدرالي نفسه يعتمد عقوبة الإعدام. ولكن ما هو أخطر من قانون الإعدام هو قيام الولايات المتحدة بإزالة الصفة البشرية عن الأشخاص وهو ما تفعله في معتقل غوانتانامو، الموجود في منطقة كوبية تحتلها واشنطن، حتى لو لم يبلغوا بعد سن الرشد، 18 عاماً، خلافاً لجمعيع القوانين الدولية، لا سيما قواعد القانون الدولي الإنساني ومعاهدات جنيف، التي تعتبر الإنسان يتمتع بالعديد من الحقوق الأساسية مهما كان الجرم الذي اقترفه؛ وبالتالي، تنطيق عليه العديد من القواعد الدولية التي تؤمن له نوعاً من حقوقه كإنسان.
ويضيف نشابه أنه حتى الأشخاص اللذين حوكموا بتهم كبيرة، مثل الإرهاب، صدرت احكامهم من محاكم عسكرية لا توجد فيها ضمانات المحاكمة العادلة، وتم إرسالهم إلى المعتقل ووضعهم ضمن أقفاص، ويقومون بتعذيبهم. ويشير نشابه إلى أمر خطير جداً وهو سماح القانون الأمريكي بإستعمال بعض وسائل التعذيب، كالإغراق، بغية استجوابه. برأيي، أن هذا الأمر أخطر بكثير من عقوبة الإعدام نفسها.
ويخلص نشابه إلى أن الجانب الأوروبي فهو الذي يحتج على عمليات الإعدام، وليس الأمريكي. بالنسبة لي، لم أجد الكثير من التصريحات الأمريكية التي تحتج على الإعدام، بل تراقب فقط وجود محاكمة عادلة أم لا، فيما أن هناك ملاحظات كبيرة بعدالة إجراءات المحاكم الأمريكية نفسها.
مصدر الأخبار: سيتا + وكالات.
مصدر الصور: “إن.بي.سي نيوز” – يوتيوب – النشرة.