العميد م. ناجي ملاعب*
الحروب السيبرانية
تفعيل الصراع بين القوى الإقليمية أو إضعافه وتجاوزه يندرج ضمن مدى توظيفه في طموحات السيطرة الجيوسياسية والجيواستراتيجية لدى الدول العظمى. وهذا ينسحب على الصراع بين القوى الإقليمية مثل تجارب الصين وتايوان واليابان والهند، الهند وباكستان.
وعلى سبيل المثال، فإن أي تواصل إيراني مع الاتحاد الأوروبي – في نظر واشنطن – يعني فتح الباب للصين على مصراعيه أمام أسواق الشرق الأوسط والمنطقة عموماً، لذلك تنصب الإدارة الأميركية الفيتو لمنع أي تواصل بين الإيرانيين ودول الإتحاد الأوروبي، وبالأخص مع فرنسا التي تحاول تجاوز الخلاف الأمريكي الإيراني في مسألة المفاعلات النووية الإيرانية. وتذكي الخلاف ما بين الصين وتايوان عن طريق بيع الأخيرة أحدث المقاتلات الأميركية، وترسل حاملات الطائرات إلى بحر الصين لدعم الدرع الإستراتيجي مقابل كوريا الشمالية.
ولكن، لقد أصبح الفضاء السيبراني جزءاً من التفاعلات الدولية التى تبذل الأمم المتحدة والمجتمع الدولي الجهود لضبط مجالات المسؤوليات فيه، لأن معدلات التهديدات وفرص الحروب السيبرانية تتوسع بشكل كبير قد يتفوق على عالم الحروب العادية. وبزيادة عدد الأطراف في هذا المجال، صار الصراع ذا طبيعة سياسية، لكنه يتخذ شكلاً عسكرياً – إن صح التعبير- من حيث طبيعة الأضرار وتدمير الثروة المعلوماتية في البنية التحتية للدولة لأهداف سياسية.
فخط التقسيم الجديد للعالم لن يكون بين عالم الشمال والجنوب، والعالم المتقدم والمتخلف، بل على أسس جديدة أولها من يملكون القوة السيبرانية والقدرة على صناعتها وإدارتها، وعلى الجانب الآخر المحرومين منها وإن كان يُسمح لهم باستخدامها. وستبقى الصراعات الإقليمية متفجرة لإضعاف الدول- الأمة وعدم تمكينها من الولوج الى مصاف الدول المتقدمة.
رسالة مستقبلية
لبنان الفينيق سوف يعود لسابق عهده، فهو يختزن طاقات شبابية هائلة بمقيميه ومغتربيه، وينعم بموقع جغرافي يفيده في مهمته “الوطن – الرسالة”. فقليل من الجهد والثقة في سلطة نزيهة، وحتى في ظل المواثيق الإجتماعية الحالية، ترسم له مستقبلاً منفتحاً إلى الشرق والغرب. ويبقى العائق الأهم في تقدمه هو ما يعانيه من عدو على حدوده الجنوبية يسعى لقويض فكرة التعايش المسلم المسيحي التي نجحت لمدى غير قصير، وهذا ما يطيح بما ترغب تحقيقه إسرائيل من يهودية الدولة.
وإلى جيل المجتمع المعلوماتي ننصح بأن يوازن ما بين إيجابيات امتلاك وتثمير المعلومات والبيانات محلياً للصالح العام، وما بين استباحة البيان والمعلومة من قبل شركات سيبر عالمية وظيفتها قنص المعلومة وتوظيفها بالتحكم في المجتمع حتى في مساره السياسي.
نحن نقبل، مرغمين، أن نُستغل ونحول إلى سلع رقمية من غير أن نحرك ساكناً؛ نحن ندرك، بعضنا على الأقل، أن بياناتنا تجمعها شركات مواقع التواصل الإجتماعي الكبيرة (فيسبوك، وجوجل، وغيرهما)، الّتي تبيعها لشركات الإعلانات التي تستهدفنا حسب اهتماماتنا الناتجة عن تفاعلنا في هذه المواقع، كلّ ذلك من غير أن نُبدي أي ممانعة في هذا الاستيلاء على معلوماتنا الشخصية. لكن الأخطر من كلّ ذلك، عندما تتحول عملية جمع البيانات الفردية وتحليلها، عبر شبكات خورازمية، إلى تلاعب في خيارات سياسيّة، من خلال الدعاية الموجهة، والتي نجحت في التغلغل في الولايات الأميركية كافة – عبر شركة “كامبردج أناليتكا” التي استخدمت أكثر من خمسين مليون حساب في فيسبوك، بلا علم أصحاب الحسابات، للمساعدة في حملة ترامب الانتخابيّة عام 2016؛ فكانت بمنزلة الذراع الرقميّة للحملة وغيرت مجرى الإنتخابات التي جاءت بالرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.
في الزمن الرقمي الحديث، من المؤكد أننا سنشهد في السنوات القادمة، المزيد من هذه الإختراقات، والمزيد من الحِراكات المطالِبة بحماية البيانات، ومن غير المستبعد أن تصبح قضايا البيانات الشخصية – على تنوّع مجالاتها والتهديدات الناجمة عنها – شبيهة، في أهميتها والنقاش السياسي حولها عالمياً، بقضايا التغير المناخي وتحدياته، بالنسبة إلى العديد من الناشطين. ولكن هذا لا يجب أن يهد من عزيمتنا من ولوج عصر اقتصاد التكنولوجيا والذكاء الإصطناعي بغية الإنتماء الى العالم المتقدم.
*خبير أمني واستراتيجي – باحث أول في مؤسسة الشرق الأدنى والخليج للتحليل العسكري “إينغما”.
مصدر الصورة: بوابة الشروق.
موضوع ذا صلة: الأمن القومي في مستقبل لبنان (2/3)