حوار: سمر رضوان

تسعى روسيا الإتحادية إلى تثبيت موطئ قدم لها في الملف الليبي، بعد الإنفراجات التي حققتها في سوريا، من مبدأ القدرة على تقريب وجهات النظر بين الفرقاء الليبيين والقوى الدولية والإقليمية المنخرطة في هذا الملف، سواء مع تركيا أو بينها وبين الولايات المتحدة الأمريكية، خاصة بعد التصريحات الأمريكية الأخيرة حول التدخل الروسي في ليبيا من خلال إتباع أساليب غير شرعية.

عن هذا الملف، وآخر التطورات فيه، سأل مركز “سيتا، الأستاذ دينيس كوركودينوف، المتخصص في العلاقات العامة والتعبئة الجماهيرية في الشرق الأوسط وجنوب القوقاز وأمريكا اللاتينية ورئيس تحرير قسم التحقيقات في مجلة “المجتمع العالمي” الروسية حول هذا الموضوع.

توجهات موسكو الخارجية

إن إهتمام روسيا بتعزيز تأثيرها على مسرح العمليات الليبي يتميز بديناميكية حادة وواقعية واضحة. يرجع السبب في المقام الأول إلى حقيقة أن جذب الإنتباه الروسي إلى طرابلس يتوافق مع أولويات السياسة الخارجية للكرملين ويسمح بحل مشاكل التنافس الأكثر حدة بين موسكو وأنقرة للقيادة في المنطقة. تعتبر روسيا ليبيا، كما سوريا، الدافع الرئيسي لتطبيق سياسة “نجاح الشرق الأوسط”. أحد العناصر المهمة في هذه السياسة هو الوصول إلى البحر الأبيض المتوسط دون عوائق، وممارسة الضغط على اللاعبين الإقليميين الذين يعيقون روسيا عن تنفيذ خطط السياسة الخارجية الطموحة.

من هنا، إن التوترات بين بنغازي وطرابلس، وكذلك التدخل العسكري من قبل القوات الدولية، بما في ذلك تركيا، هو حافز إضافي لتكثيف الإهتمام الروسي. وفي الوقت نفسه، الآن هناك اتجاه آخر يجبر موسكو على إيلاء اهتمام وثيق لطرابلس، فهذه المنطقة هي عنصر مهم في تموضع روسيا. لذا، فإن موسكو قلقة للغاية بشأن الدور المتزايد لأنقرة في المناطق العربية التي كانت تتبع للإمبراطورية العثمانية. لذلك، تقوم تركيا بوضع عقبات أمام تنفيذ وجهات النظر الروسية بشأن “تحرير” ليبيا، التي باتت بعد الإطاحة بنظام الرئيس معمر القذافي تحت سيطرة التنظيمات الإرهابية. بالتالي، إن مكافحة الإرهاب الدولي لا تتحدد فقط بالإستراتيجية العسكرية لموسكو، ولكن أيضاً بمصالح أمنها القومي.

لقد ساهمت كل من التحولات التي شهدتها السياسة الروسية، التي أعقبت الإطاحة بنظام الجماهيرية في العام 2011، والتعزيزات لمواقع القوات المسلحة الليبية بشكل كبير بزيادة اهتمام موسكو بليبيا. منذ عام 2011، كان على روسيا، في علاقاتها مع طرابلس الرسمية، أن تأخذ بعين الإعتبار المصالح الفرنسية أولاً؛ بالتالي، واجهت موسكو فرصة فريدة في ظل فراغ سياسي نشأ على أنقاض الدولة الليبية إلة تأثير مباشر على تشكيل وتطوير القوات العسكرية – السياسية الليبية، انطلاقاً من اعتبارات الفوائد والمنفعة الخاصة.

في الوقت الحاضر، تشير تفاصيل العلاقات بين روسيا وليبيا إلى إعادة هيكلة كبيرة لدور موسكو في الشرق الأوسط ضمن نظام النتسيق الجيو – سياسية لا سيما عندما يتم استبدال النموذج التقليدي لضمان توازن المصالح، الذي نشأ بعد الحرب العالمية الثانية، بواقع جديد العلاقات الدولية على أساس المواجهة الإقليمية. أيضاً، العمل على مواجهة لضمان أجل الموارد الطبيعية المحدودة في سياق جائحة “كورونا”، والأزمة الاقتصادية العالمية تركت بصماتها على طبيعة مشاركة روسيا في الملف الليبي، حيث باتت موسكو مستعدة لأن تصبح قوة مهيمنة.

التدخل التركي

منذ منتصف القرن السادس عشر حتى حرب على اليبيا، أي العامين 1911 و1912، كانت ليبيا جزءاً من الإمبراطورية العثمانية، التي تعتبر “الوريث الشرعي” لها، بحسب تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. بموجب شروط معاهدة آرس – لوزان للسلام في 18 أكتوبر/تشرين الأول 1912، حصلت إيطاليا على الحق السيطرة في كل من طرابلس وبنغازي المرهون بالإنسحاب الكامل لجميع الحاميات العسكرية العثمانية، ولكن مع الحفاظ على ممثلين في بعض الأقاليم. لحد الآن، لا تزال أنقرة تعتبر ليبيا جزءاً من أراضيها، ما شكل السبب الأساس وراء تدخلها السريع فيها.

من هنا، كان تدخل تركيا النشط في الصراع الليبي بإبرام اتفاقيتين مع حكومة فايز السراج. ففي 27 نوفمبر،تشرين الثاني 2019، وقعت أنقرة وطرابلس مذكرة حول تعيين المناطق البحرية في ضمن البحر الأبيض المتوسط من أجل المنفعة المشتركة. في الواقع، أكدت هذه الوثائق مطالبات أنقرة بجزء كبير من شرق البحر الأبيض المتوسط، حيث توجد رواسب كبيرة من الغاز الطبيعي، فضلاً عن التدخل العسكري في الشؤون الداخلية للدولة الليبية.

في المقابل، إن الدعم الذي قدمته تركيا لحكومة السراج لا يمثل عدم اهتمام الرئيس أردوغان، فهو يسعى إلى تحقيق مصالحه الخاصة في ليبيا حصراً، فما يهمه للغاية بالنسبة هو أعادة إحياء الإمبراطورية العثمانية إذ شكل هذا الصارع أحد الذرائع للبدء بعملية “ضم الأراضي” تحت رعاية أنقرة.

تفاهمات مشتركة

تعكس طبيعة العلاقات الروسية – الأمريكية في ليبيا الرغبة الكبيرة لكل دولة في أن تصبح قوة مهيمنة قادرة على التأثير على العمليات العسكرية السياسية الجارية بين طرابلس وبنغازي. كنتيجة لذلك، اتخذت كل من واشنطن وموسكو موقفاً لا يمكن التوفيق بينهما، والذي أصبح واضحاً بشكل خاص بعد سلسلة من الحملات الإعلامية التي اتهمت فيها الولايات المتحدة روسيا علناً بتمويل القوات المسلحة الليبية.

من هنا، تحاول واشنطن بأي شكل من الأشكال إخراج موسكو من ليبيا، وهذا هو السبب خلف بث الشائعات بأن موسكو تقوم بطبع أموال مزيفة لبنغازي وطبرق، وإستخدام مقاتلين من شركة “فاغنر” الخاصة، وإستعمال الطائرات بدون طيار المدمرة. تهدف هذه السياسة الإعلامية إلى استفزاز روسيا لتقوم بإتخاذ إجراءات انتقامية ضد الولايات المتحدة، وبالتالي خلق ظروف لتصعيد النزاع في ليبيا.

من خلال ما سبق، لا يمكننا الحديث عن أية تسويات أمريكية – روسية لأن ذلك سيكون كذبة.

مصدر الصورة: أرشيف سيتا.

موضوع ذا صلة: الشركات “العسكرية” الخاصة.. روسيا مثلاً