سمر رضوان

عاد المشهد الليبي ليتصدر واجهة الأحداث في الشرق الأوسط، مع إعلان مبادرات عربية للحل السياسي، وتعنت تركي حيالها، وخلافات أمريكية – روسية، تنذر أن الحل للأزمة بعيد المنال على المديين القريب والبعيد، وصراع القوى حولها وفيها مستمر إلى أن تتحقق معجزة ما، تضع الملف الليبي على طاولة الحوار.

عن آخر تطورات الأزمة الليبية ودور الأطراف المنخرطة في هذا الملف، سأل مركز “سيتا الأستاذ آندريه أونتيكوف، المتخصص بشؤون الشرق الأوسط – موسكو، حول هذا الموضوع.

موقف ثابت

إن توجهات السياسة الروسية نحو ليبيا لم تتغير، وهي نفسها كما كانت في السابق، فموسكو تسعى إلى حل سلمي – سياسي بغض النظر عن كل تلك المعلومات التي تقول بأنها تقف إلى جانب المشير حليفة حفتر، فهي على تواصل مع كلا الطرفين، فلقد زار ممثلو حكومة الوفاق موسكو مراراً وتكراراً، وأجروا فيها المباحثات مع المسؤولين الروس من مختلف المستويات.

في مقابل ذلك، زار المشير حفتر وممثلو قوات شرق ليبيا روسيا أيضاً، وأجروا مباحثات مع المسؤولين الروس على مختلف المستويات. ولكن من الواضح تماماً أن روسيا تسعى للتوصل إلى هدنة في ليبيا وإيقاف إطلاق النار فيها، إضافة إلى إستئناف العملية السياسية. هذا الأمر هو إستنتاج مبني على الجهود الروسية التي بذلتها موسكو في بداية العام 2020 عندما جمعت كلاً من المشير حفتر وفائز السراج في العاصمة الروسية في محاولة منها لإقناعهما بالتوصل إلى هدنة، لكن هذا المسعى لم ينجح.

كل ما سبق، يعطي صورة حقيقية عن الموقف الروسي مما يحدث في ليبيا.

أبعد من ليبيا

إن التدخل التركي في ليبيا هو تدخل غير شرعي يخرق كل القوانين الدولية، بما فيها قرارات مجلس الأمن للأمم المتحدة لا سيما القرار 1970 الذي يفرض حظر التسليح على ليبيا.

لكن قبل التدخل التركي إلى ليبيا، كانت هناك تدخلات خارجية بشكل غير مباشر، مع الإشارة إلى أن الأوضاع في ليبيا آنذاك كانت صعبة جداً. زع التدخل التركي، أدخلت ليبيا إلى مرحلة جديدة بتواجدها الرسمي هناك؛ إلا أن اللافت في الأمر أنه بات أخطر مما كان عليه في المرحلة السابقة، إذ لم يقتصر الأمر على مجرد دخول أنقرة بل توقيعها على مذكرة التفاهم مع حكومة الوفاق، في نوفمبر/ تشرين الثاني العام 2019، حول التعاون العسكري، التي كانت المبرر للدخول التركي.

أيضاً، تجب الإشارة إلى أن هناك مذكرة ثانية تعنى بتقسيم المناطق البحرية ما بين البلدين، وهو ما أدى إلى رد قوي وعصبي ورافض جداً، من قبل كل من اليونان وقبرص ومصر، لأن المذكرة فرضت الطموحات التركية ليس على ليبيا فقط بل على شرق المتوسط.

تنافس طاقوي

إن الدخول التركي المباشر فتح أبواب خطيرة جداً ليس فقط على ليبيا، بل على كل دول شرق المتوسط، ما يعني أن الأزمة قد خرجت من ليبيا نفسها، وتوسعت لتشمل دول الجوار، كما باتت طرابلس ساحة لـ “تصفية الحسابات” ما بين الدول المنخرطة في هذا الملف.

على ضوء الطموحات التركية حول شرق المتوسط وموارد الغاز الطبيعي في تلك المنطقة، يبدو من الواضح تماماً أن أنقرة ستبذل كل جهودها من اجل الحفاظ على بقاء حكومة الوفاق حتى النهاية وبأي ثمن؛ فإذا إنتصر الجيش الليبي بقيادة المشير حفتر، فهذا يعني إنتفاء مبررات البقاء التركي في البلاد وأيضاً منطقة شرق المتوسط، ما سيعطي منافسيها، ومن بينهم إسرائيل واليونان وقبرص، أوراقاً رابحة جداً ومجالات لتصدير الغاز الطبيعي من شرق المتوسط إلى أوروبا.

لا تسويات مرتقبة

ما يحدث في ليبيا أوسع من مسألة العلاقات الروسية – الأمريكية، من هنا يمكن القول بكل وضوح أن المشكلة هي مرور الولايات المتحدة بمرحلة التحضير للإنتخابات الرئاسية؛ بالتالي، إن كل مسؤول أمريكي سيتحدث عن مصالحة ما مع روسيا، سيتعرض لإنتقادات حادة من الداخل، وسيعتبر شخصاً موالياً لموسكو، إن لم نقل جاسوساً.

من هنا، لا مجال لإيجاد تسويات ما بين الولايات المتحدة وروسيا في الملف الليبي في ضوء هذه الظروف الصعبة. لكن عند الحديث عن ليبيا، نرى عدة أطراف كروسيا وأمريكا، تركيا واليونان، ومصر والإمارات وهناك إيطاليا وفرنسا وقبرص وحتى إسرائيل والسعودية ودول أخرى غيرهم، ما يشير إلى وجود إختلاط قوي جداً ما بين المصالح المختلفة جداً والمتناقضة للغاية.

من هنا وللأسف الشديد، على ما يبدو أن الأزمة الليبية ستستمر بالتوتر إلى فترة غير محدودة، فمن غير المعلوم متى سيتم التوصل إلى حل ما لها. وبحسب اعتقادي وفي هذه المرحلة تحديداً، إن النقطة الجذرية والرئيسية هي التوصل إلى هدنة في ليبيا، وإستئناف المباحثات في إطار “5+5″، وإدخال المبادرة المصرية حيز التنفيذ.

مصدر الصورة: صوت أمريكا.

موضوع ذا صلة: الشمال الأفريقي وتحديد الأدوار في ليبيا