رشدي مسعور*

إتخذت الصين في الآونة الأخيرة نهجاً جديداً في دبلوماسيتها تجاه كثير من الدول، كالولايات المتحدة الأمريكية وأستراليا وغيرهما، وهي دبلوماسية أطلق عليها “دبلوماسية الذئب المحارب – Wolf Warrior Diplomacy” وهي أسلوب استوحيت تسميته من فلم “أكشن” صيني، أنتج في العام 2015، لجندي من القوات الخاصة مهمته قتال المرتزقة الأجانب.

“الذئب المحارب” اسلوب يستخدم فيه الدبلوماسيين لوسائل التواصل الإجتماعي لعدة أسباب؛ السبب الأول، الدفاع عن معالجة الصين لوباء كورونا ودفع كل الشكوك حول حقيقة ما حدث في ووهان عبر اطلاق تغريدات وتعليقات من سفاراتها حول العالم. السبب الثاني، الرد على الحملة الشرسة بنفس القدر الذي يتلقونها تجاه بلادهم أو الحزب الشيوعي.

من هنا، لخص وزير الخارجية، وانغ يي، في مؤتمر صحفي هذا الأسلوب بقوله “نحن لا نختار القتال أبداً، ولا نستقوي على الآخرين، ولكن في الوقت نفسه لدينا مبادئ وشجاعة كما سنقاتل بالتأكيد ضد أي إفتراء خبيث للدفاع عن الشرف والكرامة الوطنيين.” أيضاً، صرح سفير الصين لدى المملكة المتحدة في السياق نفسه رداً على منتقدي بكين في اوروبا عبر تغريدة حول مصطلح مصطلح “الذئب المحارب” بأن سياسة الصين مستقلة للسلام، لكن في بعض الأحيان هناك حاجة إلى يد قوية، مضيفاً “حيث يوجد ذئب هناك محارب”.

هذا الأسلوب يعد تحولاً وإنتقالاً من دبلوماسية هادئة محافظة إلى اعتماد الرد العنيف وإبراز الشخصية القوية للصين.

معركة “تويتر” وصدام الصين بالغرب

دخل ملف فيروس كورونا، كوفيد – 19 الذي تحول إلى وباء عالمي، مرحلة جديدة من الغموض والصراع الدولي بين الصين والغرب، وذلك بعدما بدأت كل من فرنسا البرازيل الولايات المتحدة وغيرها من الدول الغربية حملة منسقة بتحميل الصين المسؤولية المادية والمعنوية عن انتشار الفيروس. هذا السجال، بدا واضحاً من خلال إصرار الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، على إطلاق مصطلح “الفيروس الصيني” على كورونا، واتهاماته المتكررة للصين بإخفاء ما تمتلكه من معلومات حول الفيروس عن العالم، وبعدم المصداقية في الإفصاح عن أعداد المصابين به والوفيات الناجمة عنه.

في المقابل، ترفض الصين الاتهامات الأمريكية كافة، حيث ذهبت للرد من خلال المتحدث بإسم الخارجية الصينية في تصريح مفاجئ بأن الولايات المتحدة هي من جلبت الفيروس الى الصين عبر تغريدة قال فيها “متى ظهر المرض في الولايات المتحدة؟ كم عدد الناس الذين أصيبوا به؟ ما هي أسماء المستشفيات؟ ربما جلب الجيش الأمريكي الوباء إلى ووهان، تحلوا بالشفافية وأعلنوا بياناتكم، أمريكا مدينة لنا بتفسير.”

أيضاً، أثارت الدعوة التي أطلقتها أستراليا لإجراء تحقيق بشأن الجائحة غضب الصين حيث هدد السفير الصيني بمقاطعة المستهلكين للمنتجات الأسترالية بعدما دعت استراليا إلى فتح تحقيق حول اسباب ومنشأ الفيروس. كما ردت السفارة الصينية في إسبانيا عبر تغريدة بأن “حرية التعبير لها حدود” رداً على سياسي يميني متطرف نشر مقطعاً مصوراً حول “الأجسام المضادة الإسبانية التي تحارب الفيروسات الصينية اللعينة”.

في البرازيل، شككت برازيليا بالموقف الصيني، وقد اصطدمت البلدان عدة مرات منذ اندلاع الأزمة، وكان الرد من السفارة الصينية هناك عبر تغريدة مضمونها “إن مثل هذه التغيرات سخيفة، وبها لهجة عنصرية قوية”.

الموازنة بين المصالح الوطنية والقوة الرخوة

بذلت الصين، في عهد الرئيس شي جين بينغ، جهوداً منسقة لتشكيل صورتها في الخارج، حيث ضخت اموالاً في وسائل الإعلام الرسمية تبث بلغات مختلفة، حتى إن دائرة الدعاية المركزية للحزب الشيوعي بات تعد كتاباً، بعدة لغات، يشيد بدور الرئيس في توجيه البلاد خلال الأزمة، هذا من جهة.

من جهة أخرى، يتجه الدبلوماسيون الصينيون بشكل متزايد، خاصة بعد تفشي وباء كورونا، إلى استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، كـ “تويتر” و”فايسبوك” وهي منصات تم حضرها في بلادهم، وقد جذبت تغريداتهم اشخاصاً كثيراً. فالصين، منذ ديسمبر/كانون الأول 2019، لعبت ثلاث أدوار رئيسية من خلال تحركاتها:

– إستبدل الرئيس شي سياسة الصين الخارجية حيث استبدل شعار ‘الصعود السلمي”، الذي كانت تعرف به الصين في الماضي، بشعار “حلم الصين” إذ ارتكزت الإستراتيجية على تعزيز دور الصين ومكانتها على المستويين الإقليمي والدولي، كما حثت حكومته دبلوماسييها على متابعة “دبلوماسية الدول الكبرى ذات الخصائص الصينية”، أي دعوة للصين لإعادة تأكيد وضعها التاريخي كقوة عالمية.

– أرادت بكين تعويض “الفراغ” الأمريكي لا سيما أن مواقف واشنطن في هذه الأزمة حازت على سخط أوروبي وعالمي، بدءاً بمحاولة الرئيس ترامب احتكار العلاج للشعب الأمريكي، وانسحابه من منظمة الصحة العالمية، وانتهاء بقرار حظر السفر إلى أوروبا الذي رفضه رئيس المجلس الأوروبي، شارل ميشال، في بيان رسمي واصفاً إياه “بالأحادي الذي جاء من دون تنسيق”. لكن هذا لا يعني بالضرورة رغبتها في ملء الفراغ الإستراتيجي المحتمل الناجم عن تراجع الولايات المتحدة كلياً عن قيادة النظام العالمي القائم، لكنها بالتأكيد تدرك أن الجائحة فرصة ثمينة لإستعادة زمام المبادرة في الصراعات التجارية والإقتصادية والإستراتيجية مع واشنطن، ومن ثم كسب الثقة وتعزيز النفوذ الدولي لمواجهة الضغوط التي تمارس عليها من الغرب.

– تقديم مساعدات للعديد من دول العالم مستغلة ضعف العمل الأوروبي المشترك في مواجهة الوباء والإنكفاء الأمريكي، حيث تبرعت بكين بمئات الآلاف من أجهزة التنفس واختبارات الفيروسات للعديد من الدول كالفلبين وباكستان، كما أرسلت فرقاً طبية إلى إيران والعراق والجزائر، وقدمت قرضاً بقيمة 500 مليون دولار لمساعدة سريلانكا لمكافحة الوباء، بالإضافة إلى عدد من دول أفريقيا وأوروبا بتقديمها مليوني قناع جراحي و200 ألف قناع متقدم و50 ألف مجموعة اختبار.

ختاماً، لقد إستثمرت الصين خلال هذه الأزمة وحولتها لصالحها، لكنها لا تزال أمام معركة شاقة على الصعيد الدولي في كسب اصدقاء كثر؛ بالتالي، إن مهمتها ستكون صعبة لتحسين صورتها دولياً لأن قوة الصين الناعمة لا تزال ضعيفة .

*باحث جزائري

مصدر الصور: النهار – عربي بوست.

موضوع ذا صلة: الصين تسيطر على كشوفات “كورونا” في الشرق الأوسط وغضب ترامب في قمته