دائماً ما يكون التحول إلى وضع الأقلية أمراً صعباً، لكن التقلبات الأخيرة، التي شهدتها الولايات المتحدة جعلت الجمهوريين يخوضون نقاشات حول من يتحمل مسؤولية خسارة الانتخابات الرئاسية، وتبدو العملية مكثفة بشكل خاص حيث يواجه الحزب أسئلة عميقة حول ما ستؤول إليه الأمور في السنوات المقبلة.

ومع ابتعاد الشخصيات الرئيسية داخل الحزب عن فلك الرئيس السابق دونالد ترامب، يخضع مستقبل هذا الكيان البالغ من العمر 166 عاما لتدقيق متزايد باستمرار والقيام بمراجعة شاملة ومعرفة ما هي طبيعة الظروف، التي دفعت بهم إلى تقديم الرئيس ترامب كمرشح لهم في انتخابات 2016، لكن الأمر ليس بهذه السهولة إذ من المحتمل أن يظهر اسم آخر يسير على خطى الرئيس ترامب.

ويبدو أن هذه الفترة من مسيرة الجمهوريين تشكل لحظة فارقة في تاريخ الحزب، سواء في حالة انحسار تأثير أو اهتمام ترامب بالسياسة الأميركية بعد انتهاء مهامه كرئيس أو لم ينحسر، وفي ضوء ذلك يرى محللون، أن الحزب سيحتاج إلى إعادة تقييم رؤيته قبل انتخابات التجديد النصفي العام المقبل (2020)، والانتخابات الرئاسية المقبلة، العام 2024.

وعلى مدى السنوات الأربع الماضية، ارتبطت قيم الحزب الجمهوري ارتباطاً وثيقاً بأهواء الرئيس السابق، الذي قوّض بانتظام المؤسسات الديمقراطية، واستبدل التزام الحزب طويل الأمد بالانضباط المالي، والسياسة الخارجية القوية، وسيادة القانون بشعبوية متهورة وغير متسقة.

ويواجه الحزب الآن قرارا بشأن الاستمرار في التحرك في هذا الاتجاه كما يطلب العديد من مؤيدي ترامب الأكثر ولاء، أو رسم مسار جديد. وقد استحضر حاكم ماريلاند لاري هوغان، أحد المسؤولين الجمهوريين المنتخبين القلائل الذين أدانوا “الترامبية بانتظام”، الرئيس رونالد ريغان في وصف هذه اللحظة بأنها “وقت للاختيار”.

وقال هوغان، المنافس المحتمل في البيت الأبيض في العام 2024 في مقابلة مع وكالة أسوشيتد برس، “علينا أن نقرر ما إذا كنا سنواصل السير في اتجاه دونالد ترامب أم أننا سنعود إلى جذورنا”، مضيفاً “سيكون الحزب أفضل حالا إذا قاموا بتطهير أنفسهم من دونالد ترامب، لكنني لا أعتقد أن هناك أي أمل في رحيله تماماً”.

وهناك شق آخر يرى ما إذا كان الحزب سيمضي قدماً، وقد يعود إلى ما دأب الجمهوريون على فعله مثل سناتور تكساس تيد كروز، الذي أمضى أسابيع في ترديد مزاعم الرئيس ترامب التي لا أساس لها من تزوير الانتخابات، مما ساعد في إثارة أعمال الشغب القاتلة في مبنى الكابيتول.

واللافت أن بعض مسؤولي الانتخابات الجمهوريين أكدوا في العديد من ساحات الصراع السياسي، التي حملها الرئيس جو بايدن، أن الانتخابات كانت نزيهة وقد تم رفض مزاعم الرئيس ترامب بشكل قاطع في المحاكم، بما في ذلك من قبل القضاة المعينين من قبل الرئيس السابق.

واستشرافا للمستقبل، يعتقد كروز أن ترامب سيظل جزءاً مهماً من المحادثة السياسية، لكن يجب على الجمهوريين الابتعاد عن “اللغة والنبرة والخطاب” المثيرة للانقسام والتي أدت إلى نفور ناخبي الضواحي، وخاصة النساء، في الاستحقاق الرئاسي، نوفمبر/تشرين الثاني 2020.

ورغم أن الكثير من أعضاء الحزب الجمهوري يعتقدون أن الرئيس ترامب سيواصل في الإفصاح عن آرائه، وأن تأثيرها الحقيقي سيستمر، لكن الولايات المتحدة التي تمضي قدماً مع رئيس جديد تريد سياسات ومؤسسات دستورية تعمل، ولذلك يعتقد كروز أن الحزب الجمهوري بحاجة إلى القيام بعمل أفضل.

وخلال ندوة عبر الإنترنت استضافها المعهد الملكي للشؤون الدولية – تشاتام هاوس الشهر الماضي (ديسمبر/كانون الأول 2020)، الأستاذ المشارك ورئيس شعبة العلاقات الدولية في قسم الشؤون الحكومية بجامعة جورج تاون الأميركية رجح ماثيو كرونيغ “عودة الجمهوريين إلى سياسة الحزب التقليدية خلال السنوات المقبلة”.

لقد ترك ترامب منصبه بنسبة تأييد بلغت 34%، وفقاً لمؤسسة غالوب، وهي أدنى مستوى خلال فترة رئاسته، لكن الغالبية العظمى من الجمهوريين، أي بنسبة 82% وافقوا على أدائه الوظيفي، وحتى عندما يحاول البعض المضي قدماً، فإن استمرار شعبية الرئيس ترامب مع قاعدة الحزب الجمهوري تضمن بقاءه قوة سياسية.

ورغم التحديات العديدة التي يواجهها الجمهوريون، إلا أنه في متناول أيديهم استعادة أحد مجلسي الكونغرس أو كليهما في انتخابات التجديد النصفي. ومنذ الانتخابات النصفية لعام 2006، خسر الحزب 37 مقعداً في مجلس النواب في المتوسط. حالياً، يتمتع الديمقراطيون بأغلبية 10 مقاعد في مجلس النواب وهم مرتبطون بالجمهوريين في مجلس الشيوخ.

ويؤكد هوغان أن الحزب الجمهوري قد يكون في واحد من أدنى مستوياته على الإطلاق، لكنه أشار إلى أن “ريغان استعاد البيت الأبيض للجمهوريين بعد ست سنوات فقط من إجبار الرئيس ريتشارد نيكسون على الاستقالة”.

ومن الواضح أن ترامب لا يزال لديه قفل على جزء كبير جداً من القاعدة الجمهورية، لكن هناك عدداً هائلاً من الأشخاص الذين كانوا يخشون التحدث علنا لمدة أربع سنوات.

ويتصارع الجمهوريون في مجلس الشيوخ، بما في ذلك زعيم الحزب في مجلس الشيوخ السناتور ميتش ماكونيل، حول ما إذا كان ينبغي إدانة الرئيس ترامب بارتكاب جرائم كبيرة وجنح على النحو المبين في مساءلة مجلس النواب الأسبوع الماضي، إذ يمكن لمجلس الشيوخ أن يصوت في نهاية المطاف لحظر الرئيس ترامب من تولي منصبه مرة أخرى.

المصدر: صحيفة العرب.

مصدر الصور: روسيا اليوم – يورو نيوز.

موضوع ذا صلة: سيناريوهات إقالة ترامب ومستقبل الحزب الجمهوري