سمر رضوان*

شهدت الساحة السورية مؤخراً تطورات كثيرة، خصوصاً في شمال شرق البلاد، رغم إنتشار جائحة “كورونا” بشكل كبير، الأمر الذي إنعكس على النشاط الميداني خاصة في الشمال السوري، مع الإستمرار رغم كل الظروف التي تجتاح العالم بالإعتداءات الإسرائيلية بين الفينة والأخرى.

سابقة أممية

لم يعد معروفاً ما إذا كان الموعد الذي طرحه المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسون، في 22 أغسطس/آب (2020) ثابتاً لإجتماع اللجنة السورية في جنيف بين الوفد الرسمي السوري، والوفد المعارض في ضوء تطورات جائحة “كورونا”، إلا أنه لا يزال صامداً حتى اللحظة. إنما اللافت هو مطالبة بيدرسون برفع العقوبات عن سوريا في ضوء هذه الظروف وهي سابقة لم تحدث قبلاً، لكنها مع الأسف كانت مبادرة أحادية وفردية منه لم تلقَ آذاناً صاغية، في وقت تعاني منه البلاد نقصاً شديداً في معظم المواد الطبية لتلافي الجائحة التي خطفت زهاء 50 شخصاً وأكثر، جلهم من الكادر الطبي.

لكن، الأمل لا يزال موجوداً في أن تصدق المعلومات التي تتحدث عن أمان وفاعلية اللقاح الروسي الذي أعلن عنه الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، وهل سيتم توزيعه الشهر القادم، وبحسب المعلومات المتوفرة، هل ستكون سوريا من أولى الدول التي سيقدمه الجانب الروسي لها.

بداية النهاية

مع تصاعد الإنتفاضة الشعبية في منطقة الجزيرة السورية شرق البلاد بسبب ممارسات القوات الأمريكية وقوات سوريا الديمقراطية – “قسد” على خلفية إغتيال زعماء العشائر العربية شرق الفرات، هبت إنتفاضة شعبية عارمة، غير آبهة بالموت، تطالب بخروج القوى الأجنبية من أراضيها، ومعلنة عن إعتمادها المقاومة المسلحة، إن لزم الأمر، كما أصدرت بياناً تدعو فيه إلى إتحاد القبائل العربية في كل من دير الزور والرقة والحسكة، لمواجهة المشروع الإنفصالي.

إن الإنتفاضة الشعبية هي حركة طبيعية ناتجة عن ظلم دام عشر سنوات ومستمر، فلقد فككت “قسد” مبنى كهرباء الحسكة بما فيه ونقلته إلى جهة مجهولة، كما أغلقت كل الطرق المؤدية إلى مناطق سيطرة الدولة السورية حيث تعمد، وبإيعاز من القوات الأمريكية، إلى قطع شرايين الدولة السورية وفصل الأشقاء عن بعضهم بعضاً.

لم يقتصر الأمر عند هذا الحد، بل إقتحم التنظيم عدة قرى وبلدات، من أجل التجنيد الإجباري، إلى جانب فصل الأطفال عن ذويهم وإشراكهم في صفوف المقاتلين. كل هذه الممارسات وغيرها الكثير كانت الشرارة التي سببت إندلاع إنتفاضة شعب تعرض لكل أشكال الظلم والقهر، إلا أن الأبرز من بينها هو توقيع شراكة بين الجانب الأمريكي و”قسد” لبيع النفط السوري وإستقدام شركة أمريكية خصيصاً لهذه المهمة، الأمر الذي إعتبره سكان المنطقة بأنه سرقة علنية، فالنفط السوري ليس ملكاً لـ “قسد” أو واشنطن وشراكتهم تعتبر غير شرعية وغير قانونية.

مد يد العون

من دون شك، سيتضامن كل السوريين مع الإنتفاضة الشعبية في الشرق السوري، مع هذا التحرك لن يلقى ذاك التأثير ليصل صداه إلى العالم في ضوء سيطرة القوات الأمريكية وحليفتها “قسد”. ومع قطع الأخيرة للطرق الواصلة مع الدولة الأم، يبدو أن هذه المقاومة محفوفة بالمخاطر على الرغم من تنفيذها لعدد من الهجمات ومقتل عدد من عناصر التنظيم مؤخراً، إلا أن ذلك إن لم يلقَ دعماً سريعاً، سيكون صعباً على المدنيين المقاومة دون دعم عسكري سواء من الجانب السوري، بشكل علني، أو الروسي، من تحت الطاولة، إذ كانت للأخيرة تجربتين سابقتين مع القبائل السورية حيث كانت من الساعين إلى تشكيل جيش موحد للعشائر لمقاومة القوات الأمريكية، لكن كل تلك المحاولات لم تبصر النور.

إنما اللافت هو إعلان المقاومة الشعبية المسلحة، والتي تم ذكرها في عدد من البيانات لعشيرة العكيدات والبكارة وعشائر السبخة وطي وغيرهم، وبالتنسيق مع الجيش السوري، الأمر الذي دفع التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة للإجتماع بهم والنظر إلى مطالبهم، حيث أصدرت عشيرة العكيدات بياناً تمنح فيه مهلة شهر لقوات التحالف لتنفيذ مطالبها، لعل أبرزها أن تكون هي المسؤولة عن مناطقها وتحجيم قوات “قسد” وإنسحابها من مناطق العشائر العربية.

أيضاً، من المعروف أن لروسيا قاعدة عسكرية جوية في مدينة القامشلي بريف الحسكة، كما أن دير الزور وبعض ريفها كما ريف الرقة والحسكة، يرابط فيه الجيش السوري، الذي إستقدم مؤخراً تعزيزات عسكرية ضخمة إلى منطقة عين عيسى، بريف الرقة. بالتالي، إن معركة تحرير الشرق ليست قريبة، لكن وجود قوات الجيش السوري يشكل عاملاً مساعداً لإنجاح المقاومة الشعبية في الجزيرة، وهو ما تخشاه “قسد” بشكل حقيقي خاصة بعد إنشقاق 140 عنصراً من العرب المقاتلين ضمن صفوفها على خلفية إقتحامها لقراهم بريف دير الزور.

العين على إدلب

بعد إتفاق موسكو، 5 مارس/آذار 2020، وتوقف معركة إدلب، والذي لولاه لكانت الأخيرة ومحيطها محررة بالكامل، والجميع يتذكر إنتظار الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، على أبواب “القيصر” الروسي لإتمام هذا الاتفاق، الذي إعتبره الرئيس أردوغان أنه إستعادة لإلتقاط أنفاس إرهابييه، في حين أنه شكل هزيمة، وهزيمة كبيرة جداً، بالمفهوم العسكري.

تلك الهدنة حالت دون إكمال الجيش السوري زحفه لتحرير باقي مناطق الشمال السوري. لكن مع الخروقات المتزايدة للفصائل الإرهابية، وفي مقدمتها “هيئة تحرير الشام” (“جبهة النصرة” سابقاً) على المواقع العسكرية السورية، إضافة إلى إستهداف قاعدة حميميم الجوية بالطائرات المسيرة، ألزم القوات السورية بضرورة الرد على مصادر الخرق الذي بات حدثاً مستمراً في الفترة الأخيرة.

وتكمن أبرز الخروقات في إستهداف الدورية الروسية على طريق حلب – اللاذقية الدولي، او ما يعرف بطريق “إم – 4″، والذي أصاب 3 جنود، ونتج عن ذلك تعليق سير الدوريات لفترة من الوقت إلى حين إلتزام أنقرة، الضامنة لتلك الفصائل، بتأمين الطريق.

مؤخراً، توجد العديد من المؤشرات التي تتحدث عن تعزيزات إستقدمها الجيش السوري من مواقعه في ريف حماة؛ وبحسب خبراء عسكريين، إعتبروا أن إنطلاق معركة إدلب مسألة وقت وتمهيداً لإستكمال التحرير والتوجه نحو تحرير الشرق.

مكائد جديدة

على وقع التطورات المستجدة في الشرق، تم الإعلان عن تشكيل جسم معارض جديد يضم عرباً وكرداً وآشوريين، تحت مسمى “جبهة الحرية والسلام”، مع المنظمة الآشورية الديمقراطية والحزب الآشوري القومي وتيار الغد السوري المعارض، في حين أن شكله الجديد هذا لن يكون بديلاً عما يسمى الإدارة الذاتية الكردية، التي لم يكن ضمن أجندتها فكرة إنهاء الإحتلال الأجنبي أو التطرق إليه.

على الجانب الآخر، تعمل تركيا حالياً على إستبدال عناصر “حراس الدين” الذين قالت إنهم يساعدوها في تأمين الطريق الدولي، ووضعت مكانهم عناصر من “هيئة تحرير الشام”، الأمر الذي يفسر نيتها جعل التنظيم الأكثر إرهاباً ودموية في تاريخ الحرب السورية فصيلاً “معتدلاً” يعمل على مساعدتها في تحقيق الأمن وهو ما يوحي بمشاريع كارثية مقبلة تخطط لها أنقرة.

أخيراً، على الرغم من العواصف التي تتعرض لها سوريا، والوضعين الإقتصادي والصحي شديدي الصعوبة، إلا أن بوادر أمل تلوح في الأفق، خاصة في الشرق السوري، على إعتبار أن تحرير الشمال بات مسألة وقت لكنه ليس بالقريب جداً حيث يبقى الأمل قائماً على تطورات الوضع الميداني ما لم يتم الرجوع إلى الخلف من خلال توقيع الهُدن المتكررة.

*المدير التنفيذي في مركز سيتا.

مصدر الصور: وكالة أنباء هاوار – أرشيف سيتا

موضوع ذا صلة: أهداف متعددة للإعتداءات الإسرائيلية على سوريا