د. عبدالله الأشعل*

نشرت مجلة MEF بمركز بيزا، التابعة لمركز بيغن – السادات للأبحاث الإستراتيجية في إسرائيل، دراسة حول حرب لبنان، العام 1982، وإنعكاساتها على الآمن القومي الإسرائيلي. فوجدت ذلك مدخلاً لتقييم كل اعتداءات إسرائيل علينا من منظور دفع المشروع الصهيوني ووصولاً إلى “صفقه القرن”، خاصة وأن الدراسة نشرت يوم 4 يونيو/حزيران، أي قبل ساعات من حلول الذكرى الماسية لعملية “5 يونيو” التي بدأت بها إسرائيل عصراً جديداً تماماً بإتجاه مشروعها، خصوصاً وأن من عادتها الإعتداء بقسوة، مثل التتار، قبل أن تثخن الجراح العربية، فتحتل الأرض لتقايض عليها مكاسباً، فيما بعد، تقربها من نهاية مشروعها.

فالجهد العسكري الذي تبذله في العدوان له عائد سياسي واستراتيجي حاسم، فهي لم تخض سوى حرب واحدة طوال تاريخها، وهي “حرب أكتوبر”، لتحرير سيناء أو المقايضة عليها، كما حد في إتفاقية “كامب ديفيد”. المقال بقلم د. حنان شاي، أستاذة في العلوم السياسية في جامعة بار إيلان، وهدفها تقييم عملية “سلامة الجليل” على الأمن القومي الإسرائيلي، فلقد كان للعملية هدفان؛ الهدف الاول، تأمين مدن الشمال ضد القصف الصاروخي الذي أرق الحياة فيها لعدة سنوات. أما الهدف الثاني، فهو هو طرد القوات الفلسطينية والسورية من لبنان ودفع الأخير إلى معاهدة سلام، مثل مصر، وهو ما يستوجب سيطرة مسيحية كاملة عليه.

إن الهدف الحقيقي من هذا المثال هو الكشف عن الثغرات التي وقعت فيها القوات الإسرائيلية في عدوانها علي لبنان، الأعوام 1978 – 1982 – 2006، وكأن إسرائيل تعتدي من دون أن تقدم ضحايا. والحق أن إسرائيل حققت أهدافاً سياسية إستراتيجية بعدوانها على الدول العربية على التفصيل التالي:

أولاً، في لبنان حيث تمكنت، بعدوانها العام 1982، من القضاء على المقاومة الفلسطينية وطردها من بيروت إلى تونس، بعد طردها من الأردن العام 1969 وهو ما عُرف بـ “أيلول الأسود”. هذا كسب استراتيجي أكيد لأن إسرائيل إستدرجت من خلاله الرئيس الفلسطيني الراحل، ياسر عرفات، إلى “إتفاق أوسلو” إلى غزة وقضت عليه، وهي محطة أساسية ضمن المشروع الصهيوني. فعلى الرعم من أن المصادر الإسرائيلية تعتبرها كارثة، إلا أن الرئيس الإسرائيلي الراحل، شمعون بيريز، إمتدحها في مذكراته. هي بالفعل كسب أكيد لإسرائيل.

ثانياً، في سوريا حيث تمكنت، العام 1967، من الإستيلاء على هضبة الجولان ذات الموقع الإستراتيجي، ثم أقدمت على ضمها لها بمباركة أمريكية. بعدها، صممت إسرائيل لإيقاع سوريا في مأساتها بحيث لا تعود دمشق دولة مواجهة ووسيطاً بين ايران والمقاومة. المعلوم أن لإسرائيل يداً في كل الدول العربية، وأهمها إحتلال العراق والقضاء عليه كقوة عربية.

ثالثاً، في مصر التي مثلت “الجائزة الكبرى”، كما كتب وزير خارجيتها في أعقاب “كامب ديفيد” و”صفقة السلام” التي أعطت اسرائيل قبلة الحياة. فلقد إعتدت إسرائيل عليها، العام 1956، وإحتلت سيناء ثم إنسحبت منها بضمان مرور سفنها في مضيق تيران، ثم إعادة الكرَّة ثانية، العام 1967، وغيرت قواعد اللعبة تماماً، ثم إنسحبت، العام 1982، بمقابل استرتيجي، واحتوت أداء الجيش المصري، العام 1973، بصفقة “كامب ديفيد”، التي تمكنت من خلالها تحييد القاهرة، وإطلاق يدها في مصر والمنطقة، كما أنها مهدت الطريق أمام “أوسلو”، العام 1993، مع منظمة التحرير الفلسطينية، ثم إتفاقية “وادي عربة” مع الأردن، وكلهما أوصلتا إلى “صفقة القرن” مؤخراً.

خلاصة القول، مهما خسرت إسرائيل في إعتداءاتها، من مال وأفراد، لكنها جاءت على كل شيء وتمكنت من تدمير العالم العربي لإستكمال مشروعها في فلسطين والمنطقة.

*سفير سابق ومساعد وزير الخارجية المصري الأسبق.

مصدر الصورة: صحيفة المنار الفلسطينية.

موضوع ذا صلة: شرعية الحاكم العربي بين إسرائيل وفلسطين