د. عبدالله الأشعل*
لا شك أن حزب الله وعند نشأته كان مرتبطاً بإيران، ولا يزال، ثم تحول اعتماده عليها إلى أن يكون طرفاً أساسياً في معسكرها ومع سياساتها، فدخل في إشكالات مع كل من المتعاطفين مع السعودية وإسرائيل في لبنان والمنطقة، أي أن التحدي الأول الذي واجهه هو إعلانه بأنه حزب مقاوم من الأراضى اللبنانية حتى لو لم تكن هناك الأراضي محتلة، وهو ما حدث بعد إنسحاب إسرائيل من جنوب لبنان العام 2000.
أيضاً، هناك إرتباط للحزب مع سوريا بإعتبارها كانت مفوضة من قمة الرياض العربية، في العام 1976، لوقف الحرب الأهلية اللبنانية، حيث جاء حدث إغتيال رئيس الوزراء الأسبق، رفيق الحريري، سبباً للإسراع في جلائها، وإتهام سوريا وحزب الله كجزء من الحرب ضدهما.
هنا، يمكن القول بأن هناك ثلاثة مجالات لحزب الله، هي:
المجال الأول، الإستعداد لرد العدوان الإسرائيلي عن لبنان التي هي مهمة الجيش اللبناني في الأصل. لكن نظراً إلى أن الطوائف تعلو الدولة في لبنان كما في سائر الدول العربية، فإن وجود الحزب المسلح صار ضرورة لبعض اللبنانيين دون البعض الآخر الذي يقول بأن لبنان، قبل حزب الله، إشترك في حرب 1948، وحمل لبنان أكبر من أي دولة عربية أخرى، عدا مصر، عبء الصراع العربي – الإسرائيلي وتداعياته، لا بل يرون أن حزب الله عقَّد الموقف فصار لبنان هدفاً لإسرائيل من أجل محاربة إيران من خلاله. لذلك، طالب هذا الفريق بحياد لبنان عن الصراع العربي – الإسرائيلي الذي انتهى بخروج مصر بصفقة “كامب ديفيد” وتوحش إسرائيل. ويرى هذا الفريق أن سلاح حزب الله لم يعد قاصراً على مقاومة إسرائيل.
المجال الثاني، هو أنه “عصب” الوضع الجديد المتميز لطائفة الشيعة في لبنان، بل وفي المنطقة كلها.
المجال الثالث، أن الحزب نشأ مرتبطاً بإيران وصراعاتها مع كل من أمريكا وإسرائيل والسعودية، فأصبح رغماً عنه يدور في فلكها سياسياً وطائفياً، ولا يخفى أن طهران تعتمد على الحزب في أية مواجهة مقبلة مع إسرائيل، وهذا المجال هو الذي أخرج الحزب من الدائرة اللبنانية إلى الدائرة الإقليمية فإنتقل مقاتلوه إلى سوريا حيث أصبحت دمشق ساحة جديدة للصراع بين كل من حزب الله وإيران، من جهة، وإسرائيل، من جهة أخرى. فما دام الحزب مقاوماً ومرتبطاً بإيران لن تكون له مصلحته في إبرام سلام بين لبنان وإسرائيل، ولذلك أفشلت سوريا والحزب، في مايو/أيار 1983، محاولة إسرائيل إبرام اتفاق سلام مع لبنان، على عكس ما حدث مع مصر العام 1979 والأردن فيما بعد العام 1993 وإنسجاماً مع الخط العربي والمبادرة العربية في الرباط العام 1982 التي حوَّلت السلام كخيار استراتيجي عربي.
وبصفته المقاومة، يهتم الحزب بالتنسيق مع المقاوم الفلسطيني وهو المقاوم الأصيل لأن الحزب يعادي إسرائيل المحتلة لجزء من لبنان، ولكنه يعاديها أيضاً بشكل أوسع لإغتصابها فلسطين؛ وبالمثل، تنتهي مهام الحزب إذا ما تم إبرام إتفاقية سلام بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية. إن العامل المشترك بين الحزب وحماس هو العداء لإسرائيل والإعتماد على دعم إيران، بالتالي ستكون الضربة القاضية للحزب إذا ما تم توقيع إتفاق السلام بين إيران وإسرائيل وبذلك ينتفي دوره ويتحول، في هذه الحالة، إلى حزب سياسي يمثل الطائفة الشيعية مع وجود طفيف للنفوذ الإيراني في لبنان عبره.
والسؤال هنا: ماذا يريد حزب الله؟ وماذا يريد الفرقاء وما هو الممكن مستقبلاً؟ هذا هو سؤال المصيري ذلك أن لبنان والمنطقة لن تعود بعد حزب الله إلى المرحلة التي كانت فيها قبله. وعموماً، نجحت إسرائيل وبعض الإعلام الخليجي والمتأثر بالموقف السعودي من الصراع مع إيران، كالمغرب وتونس وموريتانيا، إلى توتير علاقاتهم مع طهران حتى وصلت الأمور إلى قطيعة دبلوماسية؛ بالتالي، نجحت إسرائيل في تشويه صورة الحزب وزعيمه لدى الرأي العام العربي.
بعد تفاقم الصراع المصري – الإيراني، عقب الثورة الإسلامية مباشرة، ودعم إيران وموسكو خط جبهة الرفض العربية المقابلة لجبهة واشنطن في العالم العربي، والتي سوَّقت لإسرائيل وصفقة “كامب ديفيد”، حيث شملت كل من العراق والجزائر واليمن الجنوبي الشيوعي ومنظمة التحرير الفلسطينية وليبيا وسوريا، المعارضين للصفقة، لكن ذلك لا يعني أن بقية الدول العربية أيدتها، بل ظل الرفض نظرياً وبحيث يتم التصادم مع مصر بسببها.
لذلك، بدا غريباً تموضع السعودية، حليفة واشنطن، مع جبهة الرئيس العراقي الراحل، صدام حسين، ضد مصر وليس ضد الصفقة. فإختلطت الصفقة بالرغبة العارمة على خلافة موقف مصر بالعالم العربي، وتنافست السعودية والعراق على الجزائر، وهذا التنافس هو الذي وحد الطرفين في قمة بغداد، سبتمبر/أيلول 1978، ضد “كامب ديفيد”؛ لذلك، يحتاج موقف العراق والسعودية من الصفقة إلى مزيد من العمق والتحليل.
على أية حال، حين قررت قمة بغداد قطع كافة العلاقات مع مصر ونقل الجامعة العربية من مقرها الدائم من القاهرة، رفضت عمان والسودان وجيبوتي السير مع الباقين في المقاطعة. هنا، أعتقد حازماً أن هدف مقاطعة مصر لم يكن إرغامها على نبذ الصفقة وإنما اضعافها والحلول محلها، إذ لم تدرك السعودية والعراق أن الزعامة العربية لها مقومات تتوفر كلها في مصر وحدها وهو ما أثبتته الأيام. فقد زادت المآسي العربية بإجتهادهم في إضعاف القاهرة وإذلالها التي صمدت، للأسف، في خطها الموالي لإسرائيل لسبب واحد وهو مصلحة الرئيس الراحل أنور السادات الشخصية، وميل العرب نحو إسرائيل بدليل أن الأمير فهد، قبل أن يصبح ملكاً، قدم في قمة الرباط، سبتمبر/أيلول 1982، مبادرة “كامب ديفيد” التي بدأ الترويج لها، منذ العام 1981، حيث أجمع العرب على التقارب مع إسرائيل على حساب فلسطين، بينما لم يجمعوا على منع إسرائيل من غزو بيروت والتنكيل بالفلسطينيين وطردهم وإقفال مقار مقاومتهم من المنطقة.
لم تدرك السعودية أن هذا الغزو سيضع حزب الله في قلب المنطقة ليكون ذراع إيران المناوئة للرياض، في ساحتها التقليدية، أي لبنان وتحديداً بعد زوال السيطرة المصرية قبل العام 1967 حيث كانت الحكومة اللبنانية تشكَّل في منزل السفير المصري بكل حب من كافة اللبنانيين عدا بعض الموارنة الموالين للرئيس الراحل كميل شمعون، الذي إستعان بالأسطول السادس الأمريكي لينقذ لبنان من المد الوحدوي الناصري، العام 1958.
أخيراً، أياً يكن مصير حزب الله في لبنان، فلن يعود لبنان إلى ما قبل حزب الله واحة للفن والسياحة والإبداع والحرية والإزدهار الإقتصادي.
*سفير سابق ومساعد وزير الخارجية المصري الأسبق.
مصدر الصور: إندبندنت عربية – العربي الجديد.
موضوع ذا صلة: الأساطير المتعلقة بالمقاومة ضد إسرائيل