أسامة حافظ عبدو*
أكد نائب الرئيس الأمريكي السابق أن الإدارة الحالية ليس لديها سياسة خارجية، وأن روسيا عززت مواقفها في المنطقة، وسوريا عززت موقعه، وإيران رسمت طريقها بشكل مباشر إلى سوريا، وأن كل شيء إنقلب رأساً على عقب، وقال “لقد أصبحنا هناك وحدنا”.
سياسات الإدارة
في ظل الأحداث الأخيرة، يلخص هذا المسؤول الفشل الأمريكي في الحرب على سوريا، ويؤكد أن الإدارة الأمريكية بسياساتها الهوجاء، والتي تعتمد على مبدأ رد الفعل والإنتقام والتجارة المالية على حساب العلاقات الدولية القوية، قد أوقعت أمريكا في “ورطة كبرى”.
ولكن لا يمكن القول بأنها ساذجة لدرجة كبيرة كما يتصورها البعض، فهي تعتمد على أسلوب الترغيب والترهيب لإمتصاص ثروات الشعوب مقابل الوعود الزائفة بحماية الحكومات التابعة للركب الأمريكي. فلقد نجحت بإمتصاص ثروات السعودية، واليوم تقوم بتحويل مسارها لخيارات أخرى ضمن خيارات لا تنتهي، وهذا ما يوحي بأن “مسرحية” عزل الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، لن تنجح لأنه يخدم بلده إقتصادياً وبشكل كبير من خلال توفير تكاليف الحرب المباشرة؛ فهو يحصد ثمار ما زرعته الإدارات الأمريكية السابقة في البلدان التي احتلتها، كلياً أو جزئياً.
الأثر الأمريكي
إن سياسة الإدارة الأمريكية الحالية تختلف عن سابقاتها من حيث الفهم بأنه لا مستقبل للولايات المتحدة في سوريا. لذلك، قامت بسحب معظم القوات العسكرية من الميدان السوري مع الحفاظ على بعضها لحماية آبار النفط بغية سرقته حتى آخر لحظة.
ولكن لا بد لها من أثر تتركه وراءها كعادة أية إدارة أمريكية. لقد كان النزاع السوري – التركي – الكردي في الشمال السوري، والذي استطاعت الدولة والجيش السوري الإستفادة منه لإعادة الأمور إلى نصابها الطبيعي، هذا من جهة. ولكنها من جهة أخرى، عززت من علاقة أمريكا مع قوات سوريا الديمقراطية – قسد كـ “عصا” تستخدمها ضد تركيا. فعلى الرغم من إستسلام “قسد” وتعاملها مجبرة مع الجيش السوري، إلا أن قيادة الأخير قد فقدت الثقة بها.
إلى ذلك، عمدت الإدارة الحالية إلى إشعال العراق ولبنان بعد الفشل في سوريا، وذلك من خلال التحكم عن بُعد بأدواتها في البلدين للضغط على إيران التي ما زالت تتمسك بمواقفها المعادية لها، والتي تبعث برسائلها العسكرية المستمرة عبر الهجمات المرتدة في دول الخليج.
وفي هذه الفترة أيضاً، يتم التجهيز لإشعال أوكرانيا من أجل الضغط على روسيا، حيث يستعد الرئيس الأمريكي لإستقبال نظيره الأوكراني في البيت الأبيض. بالإضافة إلى ذلك، يبدو أن عنجهية وغرور الحكومة التركية، بعد الهجوم الأخير للمجموعات المسلحة المدعومة منها على الجنود الأمريكيين، ستكون مبرراً للإدارة الأمريكية بإشعال تركيا داخلياً.
مستقبل المنطقة
هي الفتن والحروب التي ستبقى جراحاً مفتوحاً إلى أبد الآبدين. فتن طائفية وآفات قبلية وسلطات كاريكاتورية في العراق ولبنان، أما الأهداف الحقيقية فهي التوجه نحو حقول النفط الكبرى التي تعتبر “بوصلة” الأهداف الأمريكية.
اليوم، أحداث لبنان والعراق تحت العين الإسرائيلية وعلى مرأى من الموساد. فمن دون فصل بين الخطط الأمريكية والتطبيق الإسرائيلي، المطلوب دوماً إنتاج حالة من عدم الإستقرار الأمني والسياسي. فما يهم إسرائيل هو صواريخ حزب الله، القلق من فوضى الحرب الأهلية، وإسرائيل القلقة من توسع المنظومة الصاروخية للحزب بعدما فشلت “صفقة القرن”.
الحالة اللبنانية في غاية التعقيد، والخاصرة اللبنانية ستبقى كالجمر تحت الرماد، لأن الجمهورية في لبنان هشة، أما الحالة العراقية فهي حالة الفوضى لأن سياسيي العراق الشيعة في غيبوبة. أما مسرحية قتل زعيم تنظيم “داعش” الإرهابي، أبو بكر البغدادي، فقد حُبكت بدقو من أجل إعطاء التنظيم دوراً جديداً بغلاف آخر.
ولن تستطيع دولة من الدول إخماد فوضى “الربيع العربي” كما أخمدتها سوريا لأنها حالة إستثنائية، كما اعترفت مؤخراً الإدارة الأمريكية على لسان سفيرها السابق في دمشق بعد اعتمادها على هشاشة الأتراك وسذاجة دول الخليج وبعض المرتزقة.
إن كل ما سبق يؤكد أن السيناريو المقبل في الشرق الأوسط خطير جداً، وأن الإنفجار الأمني والسياسي والإقتصادي والمالي واقع لا محالة.
* مؤسس ومدير المركز السوري للدراسات.
مصدر الصور: الوطن السورية – رويترز.
موضوع ذو صلة: الحرب على سوريا: إنتهت.. لم تنتهِ