بدأت المرحلة الأخطر من تطبيق خطة السلام الأميركية في الشرق الأوسط أو ما يعرف بـ “صفقة القرن”، بالإعلان الرسمي عن تطبيع العلاقات بين إسرائيل وواحدة من أهم الدول العربية وأكثرها تأثيراً في المنطقة.
وإذا كانت القيادة الدولية الممثلة في الولايات المتحدة أعلنت قبل أيام عن إستعدادها مساعدة لبنان على التعافي السريع من آثار تفجير مرفأ بيروت من خلال مشاركة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في مؤتمر دعم لبنان، ولكن بمقابل كبير جداً هو تجريد هذا البلد من جميع أسلحة المقاومة. إن الإعلان عن الشق الجديد والأكثر تقدماً في “صفقة القرن”، بموازاة مع التفجير المدبر في بيروت، يبين الضغط الخفي الذي تتعرض له عدد من الدول العربية للقبول والإنخراط في خطة “الإستسلام” الأميركية.
أول ما يثير في الإتفاق هو عنوان الإتفاقية الذي يشير إلى السلام مع إسرائيل كما لو أن الأمر يتعلق بتوقيع ميثاق هدنة بعد انتهاء الحرب. والمؤكد أنها الصيغة الموحدة لجميع اتفاقات التطبيع التي تنتظر الدول العربية، والأكثر احتمالاً فيها أن يكون الدور القادم على سلطنة عمان والأطراف المقربة من التحالف العربي في اليمن، ثم السودان الذي شرعت قيادته الجديدة في إجراء تغييرات اجتماعية تحد بالأساس من تجليات الشريعة في القوانين، وذلك هذه البلدان على التوقيع على إتفاق مماثل مع إسرائيل.
وما يشير إلى أن الإتفاق جزء من “صفقة القرن”، هو العنوان بحد ذاته إذ أنه يحمل نفس صيغة المبادرة الأميركية للسلام في الشرق الأوسط والتي تشترط للدخول في سلام مع الولايات المتحدة أو الإبقاء على علاقات سلمية معها؛ التوقيع على اتفاقيات للتعاون والتعامل مع إسرائيل في جميع المجالات السياسية والدبلوماسية والتجارية والرياضية والسياحية والثقافية وغيرها، ما يعني فتح المطارات والحدود وتبادل التمثيليات الدبلوماسية، وهو ما يعرف بتطبيع العلاقات الذي يقود إلى تطبيع تلقائي لصورة الكيان الصهيوني في ثقافة المجتمع والمرتبطة منذ النكبة، العام 1948، في ذاكرة جميع الأجيال المتعاقبة، بالإجرام والإحتلال وقتل الأطفال والنساء والشيوخ وقطع وحرق الأشجار.
هذا التطبيع السياسي – الدبلوماسي – الثقافي يستهدف بشكل أكبر الأجيال الصاعدة والقادمة التي سترى في الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين صراعاً ثنائياً ضمن شؤون داخلية تخص الطرفين فقط، أو في أحسن الأحوال سيُنظر إليه كما يُنظر إلى أي حرب بين أي بلدين عربيين، حيث الغالبية من الشعوب العربية المغلوب على أمرها، في مثل هذه الأوضاع، لا تجد من سبيل أمامها غير الإكتفاء برفع أكف التضرع للمولى عز وجل طلباً الهداية للطرفين لما فيه خير لهما ولأمتهما العربية الإسلامية، أو المبادرة على الصعيد الرسمي إلى عقد قمة أو اجتماع طارئ على مستوى وزراء خارجية أعضاء الجامعة العربية للصلح بين الطرفين والبحث عن تنازلات يقدمها الطرف الأضعف للطرف الأقوى.
بالتأكيد إن الأيام القادمة ستكون حبلى بمبادرات الصلح مع إسرائيل وتبديد الخلافات وتعزيز العلاقات في جميع المجالات، وطي صفحة الماضي الأليم والنظر إلى المستقبل لما فيه خير لإسرائيل وللأنظمة العربية التي نراها منذ التدخلات المفضوحة في ثورات وانتفاضات “الربيع العربي”، سائرة الواحدة تلو الأخرى في طريق السقوط، إذا ما استثنينا النظام السوري الذي اختار منذ بداية هذا الصراع العربي – الإسرائيلي، من أصحاب المواقف الثابتة حلفاء له يساندوه في الضراء قبل السراء.
لا شك بأن الإمارات، بما تشكله من قوة مالية وسياسية في المنطقة العربية وعلاقتها القوية مع عدة دول كالمغرب ومصر والأردن، ستمارس ضغطاً على عدة أصعدة من ضمنها الضغط الإعلامي والمالي لإرغام الدول الرافضة أو المترددة على الدخول قسراً في تطبيع العلاقات، علماً أن المغرب حكومة وقيادة ورغم الإختراقات التي تحدث بين الفينة والأخرى، والتي تتصدى لها التنظيمات والهيئات القومية والحقوقية الداعمة لقضايا الأمة العربية والإسلامية كبعض التظاهرات الرياضية والثقافية وحتى التجارية التي كانت مسرحاً لجريمة التطبيع التي فضحها الإعلام والنشطاء على امتداد السنوات القليلة الماضية، إلا أن الواضح والمؤكد أنه لا توجد رغبة رسمية في تطبيع العلاقات. ولو افترضنا أن الرباط أرادت فعل ذلك لما وجدت مبرراً أهم وأقوى من التعلل بوجود مليون إسرائيلي من أصول مغربية يعيشون في إسرائيل يحظون بحق اكتساب الجنسية المغربية عن طريق آبائهم الذين يتوفرون على جنسية مزدوجة، نظراً إلى أن القانون المغربي لا يسمح بالتخلي عن الجنسية المغربية الأصلية، وإن كانت هنالك أطراف داخل المغرب تعمل ليل نهار بالتنسيق مع الجمعيات الإسرائيلية في إطار ما يسمى “التقارب الثقافي والإنساني والتقريب بين الشعوب ونشر السلام” وهي في الغالب تنتمي لما يسمى الحركة الثقافية الأمازيغية، مستغلة “ثغرة” في الدستور المغربي تعترف بالرافد العبراني ضمن المكونات الوطنية، وقد وصل الأمر إلى إعلان وزير الخارجية المغربي، قبل أشهر، للقول بأن القضية الأولى للمغرب هي الصحراء المغربية وليس فلسطين. وجاء ذلك بالتزامن مع أنباء تتحدث عن تقديم واشنطن عرضاً مُغرياً للرباط يتمثل في اعتراف أميركي بسيادة المغرب على الصحراء مقابل تطبيع العلاقات مع إسرائيل.
في مقابل ذلك، رأينا مصر تهرول للإشادة بالخطوة على الرغم من خطورتها وما تمثله من بداية العمل والتحضير، وربما على مستوى الجامعة العربية، لإنهاء ما تبقى من الصراع العربي – الإسرائيلي و”وأد” القضية الفلسطينية برفع المجتمع العربي الرسمي يده عنها، وتوطين فلسطينيي الشتات في بلدان الجوار والإجهاز على حق العودة، وتحويل ملف فلسطين إلى قضية نزاع ثنائي بين طرفين مؤثرين على مستوى المنطقة يستوجب حينها الوضع الإسراع في الدخول في مفاوضات تحت الضغط على الجانب الفلسطيني، ومن ثم إعلان فصائل المقاومة المسلحة في فلسطين تنظيمات إرهابية، وإستعمال جميع أشكال الضغط على السلطة الفلسطينية بما فيه إعلان حصار أشبه بحصار قطر أو قطاع، غزة وقطع جميع المساعدات وأشكال الدعم بما فيه المعنوي، بمبرر احتضان السلطة للإرهاب، على غرار ما يفعلوه الآن مع لبنان الذي مارسوا عليه جميع أشكال الضغط والترهيب لسحب السلاح من المقاومة، ومن ثم ستجد السلطة الفلسطينية نفسها مرغمة على العودة إلى طاولة المفاوضات والقبول بالشروط الإسرائيلية مع المزيد من التنازلات.
*كاتب ومحلل سياسي عربي – المغرب.
مصدر الصور: إندبندنت عربية – وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)
موضوع ذا صلة: إلغاء اللقاء بين ملف الصحراء والتطبيع مع إسرائيل