الكسندر دوغين

 

لعب الأكراد دوراً هاماً في الأوضاع الجيوسياسية التي تسود المنطقة اليوم. ولديهم خياران جيوسياسيان:

1. الأول هو بناء الدولة القومية. ولا يمكن أن يتم ذلك إلا بدعم من الولايات المتحدة، وهناك مزايا من هذه العملية حتى ولو لم تحقق النتيجة الفعلية المرجوة من قيام دولة كردية. وهل يمكن أن توجه مشروع الدولة القومية الكردية ضد الرئيس بشار الأسد، أي من خلال التلاعب بها لاحتواء أردوغان، والضرر بإيران، ومراقبة كردستان العراق. ومن ثم لماذا يعتبر أنصار الدولة الكردية الحاليين أدوات للولايات المتحدة في سعيهم للحصول على أهدافهم السياسية الإقليمية. هذا التوجه يؤكده الأكراد اليزيديين النشطاء في أوروبا والأكثر سلبية نحو الولايات المتحدة. وكالات الاستخبارات الأمريكية، بحجة تطوير الهوية اليزيدية بين السكان الأكراد، يستخدمون نماذج أساسية من السكان الأكراد لتنفيذ مشاريع الولايات المتحدة. الاتصال المباشر بين أجهزة المخابرات الأمريكية والبريطانية والقيادة الإسرائيلية، يشكل دلالة استراتيجية للخطط الجيوسياسية الاطلسية، ويؤمن زخماً لدعم إنشاء كردستان. في الظروف الراهنة، كردستان هي بناء في المشروع الاطلسي.

2. الخيار الثاني الممكن هو تطوير الهوية الكردية دون خلق دولة قومية، ولكن من خلال الإصرار على حقوق الإارة الذاتية. وهذا يناسب الجزء الأكثر من السكان الأكراد متعددي الأهواء والانتماءات، والذين يتميزون بإختلافات كبيرة بين الأجنحة أم من حيث الآراء المتطرفة والمعتدلة بينهم، وبين الحركات السياسية والإيديولوجية، والدينية، وحتى ضمن المنظمات الصوفية التي تمثل طيفاً واسعاً من الأكراد الذين يمكن أن يكونوا أدوات معقولة وغير تابعة لوكالة المخابرات الامريكية. ويمكن لهؤلاء الأكراد أن يجدوا مكاناً لهم في المشروع الأوراسي من خلال إعادة تنظيم ميزان القوى في الشرق الأوسط. ويمكن أن يكونوا مواليين، على سبيل المثال، للفكر الكمالي التركي إذا تبين أن تركيا تقف ضد الناتو وتتقارب من روسيا. ثم، في إطار النموذج الأوراسي، فإن جميع المكونات، بغض النظر عما إذا كانت دولا أم لا، سوف تحصل على شكل خاص من أشكال الحماية، كما هو الحال في حالة روسيا نفسها، إمبراطورية مع أقليات قومية عديدة. القوى الآسيوية الأخرى متعددة الأعراق ، لذلك فإن حماية الفئات العرقية أو الشعوب المتنوعة في إطار المشروع الأوراسي سيكون له الأولوية.

ويمكن أن تحل العديد من المشاكل الثقافية والحضارية والدينية والعرقية في حال اعتماد النظرة الأوراسية. وبطبيعة الحال، فإن هذا الموقف يتطلب بعض التنازلات من جانب السياسيين الأتراك، ولكن من نوعية مختلفة تماما. أقول أنه في أي حال من الأحوال فإن الهوية الوطنية الكردية يجب أن تكون واضحة ومدعومة ولكن بشكل منفصل عن المتطرفين والداعمين للأطلسية في أوراسيا. توجد نزعات لدى الشعب الكردي. فعندهم الطريق الأوراسي يعني التخلي عن خدمة الولايات المتحدة وعدم التمسك بإقامة الدولة القومية، التي يمكن أن توجد فقط في ظل الرعاية الأمريكية لذلك هناك توجه ضد الأوراسية وحتى ضد القوى التقليدية: مثل سوريا وتركيا الكمالية وإيران التقليدية، وبطبيعة الحال العراق المقطع الأوصال. أكراد العراق بحاجة إلى حماية جدية من قبل الأميركيين الذين لن يكونوا قادرين على توفير ذلك بدون خلق الدولة الكردية كردستان التي تعتبر بمثابة حجر عثرة لجميع الشعوب الأخرى. في نفس الوقت فإن كل القوى الإقليمية، مثل تركيا وإيران وسوريا، جنباً إلى جنب مع روسيا كشريك رئيسي في المنظومة الأوراسية، تستطيع أن تلتزم بضمان حرية واستقلال أكراد العراق في إطار السياسة الأوراسية.

على كل حال، أولئك الأكراد الذين يسيرون على الطريق الأوراسي ويريدون الدفاع عن هويتهم في سياق عالم متعدد الأقطاب ستتاح لهم الفرصة لتحقيق أهدافهم التاريخية بشكل سلمي. داعش والمشروع الكردي وواشنطن إلا أن العامل الأخير الذي يجب الالتفات إليه هو ظهور قوة أخرى ظهرت كجزء من مشروع الشرق الأوسط الكبير والتي بدأت تلعب دوراً رئيسياً في مصير الأكراد والمنطقة بأسرها. ويدور في ذهني تنظيم “داعش” الذي يمثل الإسلام المتطرف من نوع المتطرفين الوهابيين أو السلفيين السنة. وتدعم هذه القوة المملكة العربية السعودية وقطر وتوجهانها. هذه القوة هي أكبر تهديد للوجود الكردي ولسوريا والعراق وتركيا، حيث أنه يتم استخدامها كأداة أخرى للسياسة الأمريكية لتدمير ميزان القوى في الشرق الأوسط. هذا العامل العربي الراديكالي هو تهديد إرهابي وهم الذين يتحملون مسؤولية الإبادة الجماعية المباشرة للأكراد. لقد هاجموا تركيا وسعوا لقلب نظام الحكم العلماني لبشار الأسد، وهم يقاتلون ضد روسيا. هنا نقطة مثيرة جدا للاهتمام.

اليوم، تمثل “الدولة الإسلامية” ربما أكبر تهديد رهيب للأكراد يمكن أن يتصوره أحد – وليس الأسد أو أنقرة أو طهران، والتي هي موالية للأكراد الإيرانيين، ولا حتى التحالف الكردي الشيعي في العراق. كل الجهات الفاعلة هي في الواقع إما الموالية للأكراد أو أن لها مطالبات محدودة ضدهم فقط. الارهابيون الاسلاميون من النوع الوهابي العربي هم الذين يشكلون تهديداً وجودياً للأكراد. لقد تعرض الكرد للإبادة الجماعية الشاملة، وبصفة خاصة اليزيديين. أوهام الدعم الأمريكي للأكراد القوة التي تقف وراء كل من “الدولة الإسلامية” والدولة القومية الكردية هي الولايات المتحدة. كلا الاتجاهين هما نتيجة لخطة الشرق الأوسط الكبير الذي أدى إلى انهيار العراق وتدمير ليبيا، والصراع الدموي في سوريا، والتحدي ضد تركيا.

هل يفهم الأكراد في الواقع، أن القوى ذاتها التي تدعمهم هي نفسها التي تدعم تنظيم داعش، وتدعم جميع الذين نفذوا الإبادة الجماعية ضدهم؟ لهم أهدافهم في المنطقة، وبالتالي يقفون وراء هؤلاء الذين يذبحون الأكراد. وهذه حقيقة هامة جدا. يحتاج جميع الأكراد لفهم أن بناء الدولة القومية بدعم الولايات المتحدة أمر مستحيل. هذا يعني التحول إلى الحرب الأهلية والإرهاب والإبادة الجماعية في عملية لا نهاية لها والتي يمكن أن تؤدي لتدمير الشعب الكردي. المشاركة في خطة أمريكية واعتماد الدعم الغربي هو انتحار للأكراد. ما ينبغي القيام به إذا ؟ اتباع الأمريكيين أم قبول الأوضاع القائمة والتكيف معها؟ كلا السيناريوهين قاتلان. هناك حاجة إلى مسار مختلف. الأكراد والشراكة مع روسيا أعتقد أنه ليس من الضروري أن نعتمد الأوراسية ولكنه من الضروري التكيف مع النموذج الأوراسي.

يجب أن نتحدث عن تكامل الشعب الكردي كمجتمع تاريخي موحد ومشارك في بناء المشروع الأوراسي. وسينطوي هذا على فك كامل للعلاقات مع الأميركيين وإنشاء اتحاد استراتيجي طويل الأمد مع روسيا كضامن للنظام العالمي. في نفس الوقت، بمساعدة روسيا، قد يكون الأكراد قادرين على العثور على وضع مناسب مع أنقرة. وفي هذه الحالة، قد يخف التوتر مع إيران ويمكننا مناقشة إقامة دولة في المناطق الكردية. ويمكن اعتبار كل المكونات الحالية للدولة الكردية كجزء من المشروع أوراسيا. ثم إن للأكراد عدو واحد فقط هو الدولة الاسلامية. من خلال دراسة الدول المجاورة في المنطقة، نجد أن “الدولة الإسلامية” هي عدو لسوريا والعراق وإيران وتركيا وروسيا. إذا أراد الأكراد هزيمة عدوهم الحقيقي، الإرهاب، فيجب أن يبحثوا عن شركاء حتى بين تلك الدول التي لا يتمتعون بعلاقات جيدة معها على الدوام. على الأكراد أن ينضموا إلى التحالف ضد “داعش” في الشرق الأوسط. وعلى رأس هذا التحالف يمكن أن تكون القوة العظمى النووية الروسية، المحايدة وغير المتحيزة لأحد المكونات التاريخية، الحضارة الأوراسية، هي الضامن الرئيسي للنظام الأوراسي متعدد الأقطاب الذي يشن الحرب ضد “الدولة الاسلامية”.

المصدر: كاتيخون

مصدر الصورة: العربي الجديد