د. عبدالله الأشعل*

تأملت في مواقف بعض دول الخليج تجاه الثورة الإسلامية في إيران وعهد الشاه. فقد ناصبت هذه الدول، إلا قليلاً، إيران العداء منذ البداية وأعانت صدام حسين على غزوها. والسؤال: هل كانت دول الخليج تتخوف حقاً من إيران، قبل أن يظهر حزب الله وملفات اليمن وسوريا، فبدأت تردد ما تقوله الولايات المتحدة ضدها وهي أنها تصدر الثورة إليها؟

رغم تفاهة هذا المصطلح، إلا أنه يدل على خوف دول الخليج من وجود مركز للشيعة يتبنى نظرية المظلومية في المنطقة، إن أن دول الخليج لم تكن تدرك بأن “إيران الثورة” ستصمد، وظنوا أن عداءهم لإسرائيل وواشنطن سوف يقضى عليها في وقت شعرت فيه الأقليات الشيعية، ضمن بعض دول الخليج، بالإرتياح لوجود مركز شيعي إقليمي، ربما يطالب بحقوقها.

بالفعل، تمكنت واشنطن من إستخدام ورقة الشيعة في العراق لتمزيقه وإشعال الفتنة الطائفية فيه، في حين ربحت إسرائيل ورقة إختفاء العراق كقوة إقليمية، حتى لو كلفها ذلك إستيلاء إيران والشيعة على مقدراته، والإنتقام من الرئيس الراحل، صدام حسين، والسنَّة وحزب البعث الذي إعتدى على إيران بقمع الثورة لصالح الخليج وإسرائيل وأمريكا، ثم خلق تنظيم “داعش” لكي تشارك طهران، مع شيعة العراق وواشنطن، بضرب المدن السنيَّة المقاومة للغزو الأمريكي.

لذلك، تحالفت إيران مع حكومة العراق لضرب الحَراك المناهض للطائفية، الذي تؤيده واشنطن ليس حباً في حرية العراقيين بالتأكيد، فهي التي تولت رعاية الفساد وقلب الموازين، بل نكاية بإيران. وقد لاحظنا سابقاً أنه لا يوجد عداء سعودي – إيراني ولا توجد منافسة، لكن الرياض تصدت لطهران منذ البداية الثورة ربما لثلاثة أسباب؛ السبب الأول، إعادة حكم الشاه حليف واشنطن وإسرائيل والسعودية والذي كان شيعياً أيضاً والمكلف أمريكياً برعاية مصالح واشنطن وحلفائها في الخليج. السبب الثاني، رفع ثورة إيران لشعار الشيعة ما أوحى لشيعة السعودية برفض معاملة الحكومة لهم، وكذلك الأمر في البحرين، وارتبط ذلك بظهور حزب الله وتحرير قسم كبير من لبنان، التي تواطأ العرب على إحتلال إسرائيل له. أما السبب الثالث، فهو عداء ثورة إيران لكل من واشنطن وإسرائيل.

منذ ثمانينيات القرن الماضي، حاولت السعودية أن تحل إيران محل إسرائيل كعدو للعرب، وتصوير الرئيس صدام حسين على أنه المدافع عن العروبة التي حاربتها السعودية زمن الرئيس المصري الراحل، جمال عبد الناصر. وكان معنى حلول إيران محل إسرائيل هو التخلي عن الصراع بسبب فلسطين والأقصى، حيث ظنت السعودية أن مبادرة الأمير فهد (الملك لاحقاً)، التي تبنتها قمة الرباط العام 1982، قد أنهت الصراع مع إسرائيل لكي يتفرغ لمناهضة إيران. لقد فعلوا ذلك حقيقة بعدما أوعزت واشنطن بتمويل ومساندة حملة الرئيس العراقي الراحل ضد إيران، وقد حضرتُ هذا الفصل من تاريخ المنطقة عندما كنت المستشار القانوني لمنظمة المؤتمر الإسلامي بين العامين 1985 – 1990 معاراً من قِبل وزارة الخارجية المصرية.

كانت لدى السعودية أسباب موضوعية ضد إيران ترتبط أساساً بشيعتها، الذين كان من المقرر لهم وفق خطة برنارد لويس أن ينضموا إلى طهران في تقسيم السعودية ضمن خطة تفتيت الدول العربية الرئيسية، مثل العراق وسوريا ومصر وليبيا ولبنان والسودان وربما الجزائر والمغرب. وربما فهمت السعودية أنها حلت محل مصر، بعد هزيمة العام 1967، في الدفاع عن المنطقة العربية ليس ضد إسرائيل، وإنما ضد إيران، حليفها القديم، ولدي إنطباع طاغٍ بأن هيمنة واشنطن على المنطقة كلها وجَّه السعودية بالذات، والآن الإمارات، إلى مناهضة إيران بدليل أنه لو قدر للأخيرة وإسرائيل أن يتقاربا فسوف يسقط العداء لها فوراً.

السؤال هنا: هل العداء بالتوجيه الأمريكي لطهران يبرر التخلي عن الأقصى وفلسطين اللذان تدافع عنهما وحلت محل العرب في ذلك ولو لأسباب ودوافع إيرانية خالصة؟

فبعد تخلي مصر عن سوريا والعرب في “كامب ديفيد”، تقدمت إيران في تحالف مع دمشق. تمكن الحلف من الصمود رغم المكائد الأمريكية والإسرائيلية والخليجية، كما تمكنت إيران من الهيمنة على عدة دول عربية، وبالذات بعد أن تفاقمت الحالة في اليمن حيث هدد الحوثيون الأراضي السعودية ووصلت هجماتهم إلى الرياض وجدة.

من هنا، نصيحتي إلى السعودية ودول الخليج الأخرى هو التراجع عن مواقفها في المنطقة العربية والعودة للدفاع عن الأقصى. أما العداء مع إيران، فليس هناك ما يبرره له وألا نصدق واشنطن التي تسعى إلى وحدة مجلس التعاون على التقارب من إسرائيل. على المملكة أن تدرك بأن أهم أوراق قوتها في العالم الإسلامى هو وجود الأماكن المقدسة على أراضيها، وخدمة الحرمين الشريفين والتمسك بالأقصى. وأما في العالم العربي، تكمن ورقتها في تخفيف معاناة بعض الشعوب العربية وعدم التدخل فى شؤونها، وألا تصدق أن أهم مؤشر لقوتها هو رضا واشنطن وإسرائيل لأنهما يستنزفان مالها ويعرضان مكانتها لأكبر الأخطار.

أيضاً، عليها ألا تصدق واشنطن والرئيس دونالد ترامب، الذي أعلن بفجور أنه يحب الملك سلمان بن عبد العزيز لكنه يحب أمواله أكثر مشيراً إلى ان حمايته للمملكة من إيران سببه المقابل المادي. كذلك، أنصح المملكة إن كانت لا تستطيع التفاهم مع إيران وتنسق سياساتها معها في الخليج أن تتوقف عن معاداتها لصالح واشنطن، حيث تكفي أربعون عاماً من التيه السياسي والنهب الأمريكي والتحكم في مقاليد الحكم. من هنا، نقترح بأن تقوم السعودية بمراجعة أمينة لكل مواقفها، وتسلك مسلكاً يعيد لها إعتبارها في العالمين العربي والإسلامي، فرضا الرئيس ترامب لا يعادل رضا الله سبحانه وتعالى.

*سفير سابق ومساعد وزير الخارجية المصري الأسبق.

مصدر الصور: إندبندنت عربية – جريدة اللواء.

موضوع ذا صلة: الخلاف مع السعودية عقدة إيرانية