د. سلمى الحاج*
قد تشهد الاتصالات في الساعات الثماني والأربعين انفراجاً حكومياً. ها هو برنار إيميه رئيس الاستخبارات الفرنسي يقود المبادرة الفرنسية عن بُعد، محاولاً تذليل العقبات اللبنانية. الرجل مخضرم في سياسة الشرق الأوسط من بيروت إلى الجزائر إلى عَمان، فضلاً عن وجه الرجل المعروف خليجياً. المساعي الخيّرة أتت من القاهرة عبر السفير المصري أيضاً، وحطّت رحالها في عين التينة.
لعلّ تأجيل الرئيس المكلّف زيارته قصر بعبدا تأتي في سياق المشاورات مع السفير المصري ياسر علوي المكلّف من الرئيس السيسي. في النهاية مصر لا تغرّد خارج السرب الخليجي السعودي تحديداً.
إذاً، حتى اللحظة، الأجواء شبه تفاؤلية حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً.
“لا شك أنّ الرئيس المكلّف مصطفى أديب أخطأ في مكان ما. كان من المفترض أن يقوم بجولة استشارات ولو شكلية”، يقول سياسي بارز مقرّب من الثنائي الشيعي، ويضيف: “كيف لك أن تكسر تقاليد وأعراف طبقة سياسية متجذرة في كل مفاصل الدولة، وأن تأتي أنت وتنسف كل شيء، وتريد ان تنجح في مهمتك؟”.
ويتابع المصدر: “لا يمكن تشكيل حكومة من دون الغطاء السياسي التقليدي، وإلّا كالذي يحفر قبره بيديه. والمقصود هنا فشل الرئيس المكلّف في مهمته. حزب الله وحركة أمل لا يخفيان امتعاضهما من الرئيس الأسبق سعد الحريري شخصياً. ما هكذا يكون الوفا!، يضيف المصدر، “الطبخة الحكومية تُطبخ في بيت الوسط فهمنا، رئيس الحكومة الاسبق نجيب ميقاتي عرّابها وشقيقه طه ميقاتي يدلي بدلوه في مخاض التأليف فهمنا أيضاً. لكن أين الشيخ سعد من هذا كله؟”.
ينقل المصدر عن أجواء الثنائي الشيعي، “لعلّ السؤال عن الشيخ سعد سؤال الجاهل العارف. فمن خلال الحديث عن الوفا واستحضاره لمواقف سابقة حيال الرئيس الحريري منذ استقالته الغريبة في السعودية، ويومها قيل إنّه معتقل في |الرزيدنس|، حتى إصرار حزب الله وحركة أمل على تكليف الرئيس الحريري لتأليف الحكومة قبل أسابيع من الآن، ففي كل هذه المواقف كان الرئيس بري داعماً للحريري وما هذا إلّا عتب المحب”.
يختم المصدر، تتقاطع المعلومات، ويبدو أنّ الرئيس المكلّف أخطأ في عدم تقديره للواقع اللبناني، وذلك باستبعاده للمشاورات مع الأقطاب الاساسية. وامتعاض الساسة واضح، ولعلّ رئيس اللقاء الديمقراطي وليد جنبلاط كان الأوضح في تعبيره عن انزعاجه، حين غرّد من فرنسا قائلاً: “يبدو انّ البعض لم يفهم او لا يريد ان يفهم بأنّ المبادرة الفرنسية هي آخر فرصة لإنقاذ لبنان ومنع زواله، عاد كبار الفرقاء الى لعبة المحاصصة مع ادخال اعراف جديدة دون الاتصال بأحد، ويقودها هواة جدد على الساحة”.
لكن الذي يبدو فعلاً، أنّ رسالة البيك للحلفاء أيضاً!
وعلى وقع عقبات التأليف يبقى السؤال ماذا لو فشلت المبادرة، لبنانياً وفرنسياً كل شيء وارد على الساحة اللبنانية، يقول المصدر “نعم قد تفشل المبادرة ويعتذر مصطفى أديب. حينها تفشل المبادرة الفرنسية ويخسر معها لبنان كل الدعم الفرنسي الموعود، من صندوق النقد الدولي إلى مؤتمر سيدر إلى المؤتمر الدولي الموعود من قِبل ماكرون. كل هذا في وقت لبنان في أمسّ الحاجة لأي دعم. قد يعتبر البعض أنّ العائق الآن هو الثنائي الشيعي، من خلال إصرارهما على حقيبة المالية. حزب الله حريص على علاقته مع الفرنسيين والرئيس بري في هذه الأجواء أيضاً. وهذا الحرص متبادل. فالحزب على اللائحة الفرنسية لم يُصنّف إرهابياً، وزيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأولى كانت واضحة، سواء بالجلوس على طاولة واحدة مع حزب الله، أو بالحديث ولو على عُجالة “على الواقف” مع رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد.
معلوم ٌ أيضاً، أنّ الفرنسيين لا يولون اهتماماً لمن هي الشخصية التي ستتولّى حقيبة من هنا او من هناك، وهذا بالضبط الذي سمعه الثنائي الشيعي من الفرنسي: “نحن لا نتوقف عند الحقائب ولا ندخل بتفاصيلها. طبعاً هذا قد لا ينطبق على الأميركي. ماذا لو تنازل حزب الله وحركة أمل عن حقيبة المالية واستبدالها بحقيبة الخارجية؟ هل الأميركي يقبل أو حتى الفرنسي؟ الرفض حتمي إذاً، فحزب الله منظمة إرهابية بنظر واشنطن، فكيف لها أن تتمثل بالخارجية وتمثل معها البلاد؟ إذاً، فشل المبادرة الفرنسية يعني دخول لبنان في المجهول والإحتمالات مفتوحة.
فرنسياً، حتماً الفرنسيون سيتدخلون بكل قوتهم في الساعات الاخيرة. فصورة الرئيس الفرنسي ماكرون “بالدق”. هو يعاني في أكثر من ملف داخلي وخارجي. ففرنسا شارل ديغول ليست فرنسا ماكرون! وأبعد من ذلك، علاقة الأخير بالرئيس ترامب تفتقد إلى الكيمياء بين الرجلين.
لكن لا يخفى على أحد، أنّ الخطاب الفرنسي حيال لبنان تراجع! في زيارة ماكرون الأولى كان الحديث عن تغيير النظام واضحاً، وهو ما اعتبره الأميركي، بحسب مصدر ديبلوماسي رفيع، أنّ سياسة الحكومة الجديدة ستتجّسد ببيان وزاري جديد، أقله بعيداً من الشعب والجيش والمقاومة. وفي زيارة ماكرون الثانية، التراجع بدا واضحاً، ولا حديث عن نظام جديد ولا حتى سياسة جديدة.
يبدو أنّ فرنسا تلعب في الوقت الضائع عن قصد أو غير قصد، مكلّفة او غيره، هذا بات تفصيلاً، المهم أنّ الانتخابات الأميركية هي القول الفصل.
بناءً على ما تقدّم، لبنان أمام أكثر من سيناريو يلوح في الأفق.
السيناريو الأول، يفيد أنّ الرئيسين نجيب ميقاتي وسعد الحريري لا ينقصهما سوى رئيس جديد يدخل نادي الرؤساء! …قد تكون نصيحتاهما لأديب دفعت به نحو الهاوية، أي الفشل السياسي في مهمته، وإن كانت مدعومة دولياً. ويؤكّد قطب بارز في 14 آذار انّ خطاب الاعتذار حاضر.
السيناريو الثاني، في عدم الإتفاق، حيث تفيد مصادر رئاسية مطلعة، أنّ الرئيس عون قد يقبل التشكيلة الحكومية ويرمي الكرة في الملعب النيابي، فلتسقط هناك!
“كلن يعني كلن” أبدوا استعدادهم لتسهيل مهمة التكليف، لكن حين توضع الحقائب على الطاولة تبدأ المحاصصة.
نحن على مشارف خطوط تماس حزبية أهلية متنقلة من منطقة الى أخرى. اللافت هذه المرة ان الحوادث تقع داخل البيت الواحد من الجنوب الى طريق الجديدة الى ميرنا الشالوحي، وحدها جريمة كفتون كانت رسائلها أبعد وعابرة للطوائف ومستهدفة الوطن بأكمله. إذاً، الوطن على كف عفريت.
في المحصلة، لا يمكن تخطّي الأقطاب السياسية المتجذرة بطول بالبلاد وعرضها، ولو كانت المبادرة. إنّه صراع الطوائف. فلا مجال للإصلاح او مكافحة الفساد او لإنقاذ البلد.
*إعلامية لبنانية.
المصدر: صحيفة الجمهورية.
مصدر الصور: العربي الجديد.
موضوع ذا صلة: حَراك تأليف الحكومة وفق نصوص الدستور اللبناني