شارك الخبر

جون صالح*

مصير الكرد في شمال شرق سوريا غامض وحافل بالتهديدات، لا سيما في الفترة الراهنة مع إنسحاب غالبية القوات الأمريكية من البلاد. فالوجود العسكري الروسي في تلك المنطقة يتخذ طابعاً عدوانياً بين الحين والآخر. ومع اقترانه بالعدوان التركي على القوات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة، بات يزعزع أكثر فأكثر وضع الكرد في المنطقة. وحتى المدنيون الكرد أنفسهم يتعرضون للعنف على أيدي ميليشيات إسلامية متطرفة مدعومة من تركيا ترتكب جرائم الحرب في المدن الكردية المحتلة من تركيا. في ضوء ذلك، يتعين على الولايات المتحدة اتخاذ عدة خطوات لمعالجة هذه التهديدات وضمان سلامة حلفائها الكرد في سوريا.

في هذا الإطار، لا بد أن يدرك المسؤولون الأمريكيون أن الولايات المتحدة، وشركاؤها الكرد والعرب والمسيحيون في المنطقة، فقدوا الكثير من نفوذهم في سوريا. ذلك أن التوسع العسكري في شمال شرق سوريا والعدوان التركي المتزايد زعزع استقرار المنطقة وأضعف الإستراتيجية الدولية لدعم مكافحة الإرهاب وزاد من تعقيد المهمة الصعبة أصلاً، ألا وهي إيجاد حل سياسي شامل للأزمة السورية.

وجدير بالذكر أن القرار الذي أخذه الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في أكتوبر/تشرين الأول 2019 بسحب القوات الأمريكية من سوريا ساهم إلى حد كبير في تراجع النفوذ الأمريكي في البلاد، فوجد الكرد أنفسهم معرضين بالنتيجة للمزيد من أعمال العنف والشكوك. وقد أكدت الأمم المتحدة في تقرير خاص، يغطي الفترة الممتدة بين يوليو/تموز 2019 وفبراير/شباط 2020، أن المتمردين المدعومين من تركيا قتلوا المدنيين ونهبوا الشركات المحلية في المدن الكردية أمثال عفرين وتل أبيض ورأس العين، وهي أعمال تقع في خانة جرائم الحرب.

فضلاً عن ذلك، أثار وضع الكرد المقلقل تنافراً سياسياً بين القيادتين الكردية والأمريكية. وفي اجتماعٍ عُقد خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول 2019 مع الدبلوماسي الأمريكي الرفيع المستوى، ويليام روباك، ناشد قائد قوات سوريا الديمقراطية – قسد، الجنرال مظلوم عبدي، الولايات المتحدة بحماية الكرد في سوريا، قائلاً “لستم مستعدين لحماية الشعب، ولكنكم لا تريدون أن تأتي قوة أخرى لتحمينا. لقد بعتمونا، وهذا عمل غير أخلاقي”. وأصر الجنرال مظلوم على ضرورة أن تسهم الولايات المتحدة في وقف الهجمات التركية أو السماح للمسؤولين الكرد بإبرام صفقة مع نظام الرئيس السوري، بشارالأسد، وروسيا لحمايتهم من القصف التركي. وفي نهاية المطاف، نجحت الولايات المتحدة في وقف العدوان التركي من خلال التهديد بالعقوبات وسحب المقاتلين الكرد من حدود تركيا. ولكن تركيا تواصل استهدافهم عبر إحتلال المدن الكردية وتوطين العرب والتركمان والمتطرفين الإسلاميين في منازلهم.

وفيما قرر الرئيس ترامب إبقاء عدد صغير من القوات الأمريكية في شمال شرق سوريا لمواصلة الحرب ضد “داعش” وحماية حقول النفط، توسع زحف القوات الروسية إلى المناطق الكردية، وها هي اليوم تتعاون مع القوات التركية في مهام المراقبة العسكرية المشتركة عند الحدود بين سوريا وتركيا. أضف إلى ذلك أن القوات الروسية ووكلائها المحليين لا يزالون يضايقون القوات الأمريكية والقوات المتحالفة بغية توسيع نطاق سيطرتهم وصولاً إلى آبار النفط. في الوقت نفسه، تتعاون تركيا وميليشياتها المتطرفة لمهاجمة القوات الكردية، فيما تواصل الميليشيات الشيعية الإيرانية وحزب الله الأنشطة العسكرية في المنطقة.

على المستوى الدبلوماسي، تسعى كل من تركيا وإيران وروسيا إلى تحقيق هدف مشترك، ألا وهو لجم الطموحات السياسية الكردية. وهي تواصل مع نظام الرئيس الأسد استهداف الكرد في سوريا لمنعهم من تحقيق الإستقلالية الفيدرالية أو نيل حقوقهم المستقبلية، مع رفض أي تمثيل فعلي لهم في مفاوضات جنيف المتعلقة بالحل السياسي في سوريا.

وحيث أن هذه التطورات كلها تهدد عناصر القوات الأمريكية والدبلوماسيين الأمريكيين والمبادرات الإستراتيجية الرامية إلى تحقيق الإستقرار والتطوير، يتعين على الولايات المتحدة اتخاذ عدة خطوات للتصدي للعدوان المتزايد الذي يتعرض له حلفاؤها الكرد، وضمان أمن المصالح الأمريكية في المنطقة.

في البداية، يجب على الولايات المتحدة إعادة إرساء وجودها العسكري في المنطقة وإعلان شمال شرق سوريا منطقة حظر جوي. فإنشاء منطقة الحظر الجوي يساعد على حماية القوات المدعومة من الولايات المتحدة من الكرد والعرب والمسيحيين ، ويمنع في الوقت نفسه الرئيس الأسد من الإستحواذ على منطقة مهمة للإنتاج الغذائي. كما يمكن استغلال منطقة الحظر الجوي للضغط على روسيا والرئيس الأسد من أجل قبول قرار مجلس الأمن رقم 2254 بشأن الحل السياسي للصراع السوري.

وفي النهاية، يجب على الولايات المتحدة أن تضغط على القوات التركية للإنسحاب من المناطق الكردية لأجل غير مسمى، ولكن يجب في هذه الأثناء أن يسعى المسؤولون الأمريكيون إلى منع الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، من إعادة توطين العرب في الأراضي ذات الغالبية الكردية.

فضلاً عن ذلك، يجب على الولايات المتحدة أن تدعو إلى انعقاد مؤتمر في واشنطن لمناقشة آلية ضمان مستقبل شركائها في سوريا وحمايتهم، الكرد أو سواهم. فالإنقسامات الراهنة في صفوف القوات الكردية وبين حلفاء أمريكا الآخرين تستدعي تفاهماً مشتركاً واستراتيجية دبلوماسية أمريكية واضحة في المنطقة. ويستطيع الدبلوماسيون الأمريكيون الإستفادة من النجاحات التي حققوها مع أكراد العراق، الذين يتمتعون اليوم بمنطقة فيدرالية خاصة بهم، لتشجيع التماسك والتعاون بين القوات الكردية في سوريا.

ولا بد للولايات المتحدة من تقديم المزيد من الدعم الدبلوماسي والعسكري والإقتصادي لحلفائها الكرد. وتشمل الخطوات المهمة في هذا الإطار برامج التدريب على القيادة والحكم الرشيد ومبادئ الديمقراطية، وهي للأسف برامج يحتاجها الحلفاء بشدة. وبوسع الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية – USAID أن تساهم أيضاً في تطوير البنية التحتية في المناطق الكردية وتحسين الإنتاج الإقتصادي والزراعي. ويجب أيضاً على الولايات المتحدة أن تعرض على كرد سوريا برامج للتبادل الثقافي والتعليم ومشاريع لتطوير الإعلام وحرية التعبير.

علاوة على ذلك، يجب على الولايات المتحدة أن تتخذ خطوة صغيرة ولكن مهمة من الناحية الرمزية في تعزيز العلاقات الأمريكية – الكردية، وهي فتح مكتب للشؤون الكردية في وزارة الخارجية الأمريكية. فمن شأن هذا المكتب أن يحدد بوضوح أكبر الدور الدبلوماسي للقوى الكردية في سوريا ويبين التزام الولايات المتحدة تجاه حلفائها الكرد.

وأخيراً، يجب على المسؤولين الأمريكيين التواصل الدبلوماسي مع تركيا، من أجل مواجهة التهديدات المحدقة بالشعب الكردي جراء إنسحاب القوات الأمريكية من سوريا. ويجدر بالولايات المتحدة أن تتبنى موقفاً أكثر صرامة ووضوحاً مع تركيا، إذ أن تعاون تركيا مع روسيا وإيران يهدد المصالح الأمريكية، ويجب على المسؤولين الأمريكيين مطالبة تركيا بشكل أقوى بحماية حلفاء أمريكا وأهدافها. كما يجب على الولايات المتحدة على الأقل ردع تركيا عن توطين النازحين السوريين العرب والمتطرفين في منازل الكرد وأراضيهم.

تجدر الإشارة إلى أن الكرد يعتبرون منذ عقود طويلة شركاء ودودين ومخلصين للولايات المتحدة؛ وبالتالي، من مصلحة الولايات المتحدة تطوير هذه الشراكة، ليس لمكافحة الإرهاب وحسب، بل لترسيخ التعاون المؤكد في القضايا الأخرى ذات الأهمية المشتركة. وتعتبر هذه الخطوات مهمة، ليس بهدف منع العدوان الموجه ضد الكرد السوريين فحسب، بل لتعزيز النفوذ الأمريكي في سوريا أيضاً على حساب القوى المعادية أمثال إيران وروسيا.

*صحافي ومحلل سياسي – الولايات المتحدة.

المصدر: معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى

مصدر الصور: غيتي – العربي الجديد.

موضوع ذا صلة: التقارب الكردي – العشائري: المضامين والأهداف


شارك الخبر
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •