لا شك بأن العبث البشري منذ بدء الخليقة، تنبه لمبدأ سيطرة القوة كعامل داعم لإستمرارية الحضارة البشرية، وبدأ يطورها في هذا الإتجاه وفق المصالح التي تطلبها كل عصر في حينه.
العبث البشري
هذا التطور رافقه الكثير من العبث سواء في الطبيعة، من خلال تخريبها، كإنبعاث الغازات السامة التي أضرت بالغلاف الجوي وقطع الأشجار، والجفاف، والكثير غيره، أو من خلال تنشيط معامل الأسلحة والصناعة لتصبح البحار والأنهار مكباً لنفايات إهمال الإنسان حيث إنتشرت الأمراض والأوبئة؛ بالتالي، كان السبب الرئيس في كل ذلك هو ذاك “العبث البشري” وأخطائه التي ألحقت الضرر بالبشرية ككل.
من هنا، جاء القانون الدولي ليصلح ما أفسده الدهر، ولينظم هذا الإنسان من خلال إعادة نسج العلاقات التي تكفل العيش المشترك وتعزيز مبدأ “التشاركية”، وإعتبار الطبيعة وكل ما هو على الأرض ثروة لا يمكن العبث بها إلا بما يخدم البشرية ودون إلحاق الضرر فيها. وهذا ما تترجم بالقوانين التي تتعلق بالبيئة والمعاهدات بهذا الخصوص كمعاهدة المناخ بين الدول، وهو ما عرف فيما بعد، بالإضافة إلى العديد من القوانين والمعاهدات الدولية التي تهم الإنسان وبيئته ككل، بـ “القانون الدولي الإنساني” حيث نظم العلاقات في الكثير من النواحي.
صراعات جديدة
لكن بروز نوع جديد من الصراعات حول العالم التي أضرت بالبنية الإجتماعية والقيم الإنسانية للمجتمعات، لا سيما الصراع الذي بدأ يأخذ طابعاً دينياً مغلفاً بصبغة سياسية في ظاهرها. لكنه في الأصل صراع على السيطرة وقضم المناطق والدول من أجل السيطرة على أهم إرث طبيعي، سواء كان ممرات مائية أو حدوداً برية أو طرقاً تجارية وغير ذلك. وخير مثال ما يحدث الآن حول الصراع الذي بدأ بين أرمينيا وأذربيجان وإرتباطه مع دول إقليمية ودولية، إذ أننا نشهد كمّاً من المصالح لكل المرتبطين بهذا الملف.
أيضاً، علينا أن ننظر إلى ما هو أبعد من ذلك، وهو مسألة الإستحواذ على منطقة القوقاز، أو “الحديقة الخلفية” لعدة دول، حيث نرى العديد من اللاعبين الدوليين، مثل تركيا أو إيران أو روسيا أو الكيان الصهيوني أو حتى الصين التي تعتبر ليست ببعيدة عن ما يجري في تلك المنطقة ككل خصوصاً وأنها تشكل عصباً حقيقياً لمشروعها الإقتصادي الضخم، أي إعادة إحياء ممرات طريق الحرير التاريخية.
كذلك، تأخذنا مجريات هذه الأحداث إلى ملفات ساخنة أخرى، إن كان ما يجري في ليبيا وسوريا، أو حتى الفراغ السياسي في لبنان، أو البعد الطائفي في العراق، وأحداث بيلاروس وأزمة أوكرانيا، دون التغاضي وإغفال مسألة التطبيع وما لها من تداعيات مستقبلية على المنطقة من خلال التغييرات التي ستحدث حتى طبيعياً.
من هنا، نرى بأن على القانون الدولي أن يكون واضحاً في مسألة إرساء الأمن وفق ما تم إبرامه من معاهدات دولية وقرارات أممية، بما فيها القاعدة الأساس أي ميثاق الأمم المتحدة نفسه، كي يتوقف الإنسان عن العبث بهذه “الطبيعة الأم”، التي لن يكون ضحيتها سوى الإنسان، لتحقيق أطماع تحت مسميات وعناوين متعددة.
*كاتب ومفكر – الكويت
مصدر الصورة: روسيا اليوم.
موضوع ذا صلة: المآسي العربية في ضوء القانون الدولي