تستعد الحكومة في الجزائر للإستفتاء على دستور جديد قبل إقراره، 1 نوفمبر/تشرين الثاني 2020. وقبل أقل من شهر على الإستفتاء، تبدو الساحة السياسية الجزائرية منقسمة أكثر من أي وقت مضى، بين تحالف مقرب من السلطة كان داعماً للرئيس الراحل، عبد العزيز بوتفليقة، ومعارضة ترفض مشروعاً يهدف، حسبها، إلى دفن الحراك الشعبي المناهض للنظام. ومنذ توليه الرئاسة في ديسمبر/كانون الأول، تعهد الرئيس عبد المجيد تبون بمراجعة الدستور، المفصل على مقاس الرئيس بوتفليقة، وطرح دستور جديد للإستفتاء الشعبي.

يقترح مشروع الدستور، الذي قدمته لجنة من الخبراء، والتي عينها الرئيس تبون في يناير/كانون الثاني 2020، “تغيراً جذريا في أسلوب الحكم” من أجل التحضير لبناء “جزائر جديدة” غير أن الغالبية العظمى من الجزائريين، الذين بالكاد مهتمون في الوقت الحالي بالموضوع، لا يزالون غير قادرين على الإطلاع على النص الذي صادق عليه البرلمان دون مناقشة، في أوائل سبتمبر/أيلول.

وتطالب الحركة الإحتجاجية السلمية بتغيير جذري ”للنظام الحاكم” منذ الإستقلال عام 1962. بعد إستقالة الرئيس بوتفليقة، إتخذ النظام عدة خطوات من أجل كسب ثقة المتظاهرين، من أبرز هذه الخطوات، محاكمة بعض رموز النظام السابق وعلى رأسهم شقيق الرئيس، سعيد بوتفليقة، بتهم الفساد، غير أن الإعتقالات التي تطال متظاهرين وصحفيين، تظهر أن النظام في الجزائر لم يتغير بعد.

“الجزائر الجديدة” لم تتغير

في 5 أكتوبر/تشرين الأول 1988، شهدت الجزائر موجة من التظاهرات العنيفة ضد النظام أدت إلى إلغاء نظام الحزب الواحد وفتح باب الحريات وتأسيس النقابات والصحف المستقلة عن سيطرة الدولة. وقُتل في التظاهرات 159 شخصاً، بحسب حصيلة رسمية، لكن منظمات حقوق الإنسان تحدثت عن أكثر من 500 قتيل. كما منع قانون حول المصالحة والعفو العام أي تحقيق في شأن المسؤولين عن القمع الدموي. يوم الإثنين الماضي، شهدت الجزائر تجمعات ومسيرات شارك فيها المئات في العاصمة ومنطقة القبائل لإحياء ذكرى أحداث 5 أكتوبر/تشرين الأول، والمطالبة بالمزيد من الديمقراطية، وذلك رغم قرار منع التظاهرات.

تحدى المتظاهرون المنع التام للمسيرات والتجمعات بسبب وباء “كورونا”، من أجل المطالبة باطلاق سراح معتقلي الحراك المناهض للنظام، والذي بدأ في 22 فبراير/شباط 2019. وحملة الإستفتاء على الدستور بالجزائر تمر في ظل أجواء كبت للحريات والتضييق على الصحافيين.

أيضاً، أثار الحكم بالسجن النافذ لمدة سنتين على الصحفي الجزائري، خالد درارني الذي يعد رمزاً لحرية الصحافة في الجزائر، ضجة في البلاد وخارجها، وانتقدت منظمة العفو الدولية الحكم بشدة.

إسكات صوت الحراك

قام درارني بتغطية الحراك الشعبي ضد السلطة، والذي أدى إلى تنحي بوتفليقة عن الحكم بعد 20 عاماً. خالد درارني له صوت في الجزائر، إذ يتابعه مئات الآلاف على وسائل التواصل الإجتماعي، وعمل في العديد من الصحف كمقدم تلفزيوني وللعديد من وسائل الإعلام الدولية ولـ “مراسلون بلا حدود”، التي صنفت الجزائر في المرتبة 146 من أصل 180 دولة على قائمتها لحرية الصحافة لهذا العام، لتسجل تراجعاً بخمسة مراكز في الترتيب. كما يزداد الوضع سوءاً، حسب كريستوف دراير من مراسلون بلا حدود الذي يرى أن المزاعم ضد خالد درارني “مشينة”.

ويقول كريستوف دراير، من منظمة مراسلون بلا حدود في تقرير للقناة الأولى الألمانية – ARD إن “مثل هذا الحكم لا يستهدف فقط الشخص الذي أدين، لكنه إشارة لجميع الصحفيين في الجزائر بعدم تناول موضوع الحراك، بل تقديم تغطية تخدم النظام…”. وفي لقاء سابق معه كشف، فيه الصحفي الجزائري عن طبيعة عمله ووضع حرية الصحافة والصحفيين في بلاده حيث قال “إسمي خالد درارني أنا صحفي حر ومستقل. أعمل صحفي منذ 13 عاماً. أقوم بتغطية وضع الصحافة الجزائرية بشكل عام. حول الترهيب والسياسة الحالية في الجزائر وحرية الصحافة التي تدهورت مقارنة بالماضي. وضع الصحفيين في الجزائر مقلق للغاية في الوقت الحالي …”.

من جانبه، أشار المحامي مصطفى بوشاشي إلى أنه “قبل إعتقال خالد للمرة الأخيرة في مارس/آذار، إعتقلته الأجهزة الأمنية من قبل أربع مرات. هذا مسجل في محضر ملفه. وكلما تم القبض عليه استجوبته الأجهزة الأمنية عن عمله الصحفي ولماذا كان يغطي الحراك، وطلبوا منه التوقف عن تغطية الحراك”، حسبما نقل تقرير القناة الأولى الألمانية – ARD.

وبدأت الأربعاء الحملة حول الإستفتاء على مشروع تعديل الدستور الذي يفترض أن يؤسس لـ “جزائر جديدة” ويستجيب لتطلعات الحراك الإحتجاجيات الشعبية، في ظل لا مبالاة قطاعات واسعة من الجزائريين. وسيجري الإقتراع الذي دعا إليه الرئيس تبون في 1 نوفمبر/تشرين الثاني، وهو موعد رمزي يمثل تاريخ إنطلاق حرب الإستقلال عن الإستعمار الفرنسي (1954 – 1962). ويقول الشعار الرسمي للإستفتاء الذي وضعته السلطة الوطنية المستقلة للإنتخابات “1954 نوفمبر التحرير، 2020 نوفمبر التغيير”. لكن لا يبدو أن هذا الوعد قادر على تعبئة الحشود، وفق جزائريين تحدثت معهم وكالة فرانس برس.

المصدر: دي دبليو.

مصدر الصور: القدس العربي – أو.تي.في

موضوع ذا صلة: هل من محاولات لتفجير الوضع الداخلي الجزائري؟!