شارك الخبر

د. فراس إلياس*

بالتوافق مع بروز خلايا الكاتيوشا في العراق التي كان الهدف الرئيس منها شن عمليات صاروخية ضد الأهداف الأمريكية في العراق، وجدت الفصائل الولائية أن الضرورة السياسية أيضاً تستدعي السيطرة على الشارع العراقي المنتفض ضدها، وذلك عبر تشكيل “باسيج ولائي” يختص بعمليات الإقتحام والتعبئة والحشد، لمواجهة التظاهرات الشعبية المستمرة في العراق، منذ أكتوبر/تشرين الأول 2019، فضلاً عن القيام بعمليات حرق وتخريب في العديد من القنوات الإعلامية العراقية والعربية التي تتبنى خطاباً معارضاً للنفوذ الإيراني في العراق.

وفي هذا الإطار، شكلت الفصائل الولائية مليشيات “ربع الله”، وسخرت لها منصات إعلامية كبيرة، فضلاً عن تسخير غطاء أمني لها، لسهولة التحرك والفعل، وأصبحت هذه المليشيات تقوم بالعديد من الأعمال التعبوية الموازية للدولة في العراق.

ضرورة ولائية – إيرانية

مليشيات “ربع الله” هي جماعات تعبئة شعبية تتبع التنظيمات والكوادر الداخلية للفصائل الولائية في العراق، وتحديداً كتائب حزب الله وحركة النجباء وعصائب أهل الحق وسرايا الخرساني، جاءت نتيجة عملية دمج داخلي للعناصر التنظيمية المنضوية ضمن الفصائل الولائية في العراق، وتحظى بدعم مالي ولوجستي من إيران عبر جنرالات في فيلق القدس إلى جانب مستشارين في حزب الله اللبناني، عبر إخضاع عناصر هذه المليشيات لدورات ميدانية وإعلامية للتدريب على عمليات الإقتحام والحشد وإختيار الشعارات والحرب النفسية والإعلامية، وهي مليشيات تدين بالولاء للمرشد الأعلى الإيراني، (السيد) علي خامنئي.

ظهرت هذه المليشيات في مطلع العام الحالي على أرض الواقع، وتحديداً بعد عملية إغتيال قائد فيلق القدس، (اللواء) قاسم سليماني، برفقة نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي، أبو مهدي المهندس، وإقتصرت مهمتها الأساسية في البداية على التغلغل في صفوف المتظاهرين وجمع المعلومات عنهم من أجل تنفيذ عمليات إعتقال وإغتيال بحقهم، وهي كانت جزءاً من غرف العمليات التي شكلها سليماني رفيقه المهندس ومدير مكتب رئيس الوزراء العراقي في زمن عادل عبد المهدي أبو جهاد الهاشمي، لقمع المحتجين وإجهاض التظاهرات الشعبية في بغداد.

وفيما بعد توسعت عمليات هذه المليشيات، عبر تنظيم مظاهرات موازية في بغداد، وباقي المدن التي تشهد حراكاً شعبياً متصاعداً، من أجل إخراج التظاهرات عن مسارها الصحيح والتشويش على مطالب المتظاهرين، كما أنها مارست دوراً مهماً في عملية التحشيد حول السفارة الأمريكية في المنطقة الخضراء، ديسمبر/كانون الأول 2019.

وجدت الفصائل الولائية في مليشيات “ربع الله” وسيلة فاعلة لمواجهة التظاهرات الشعبية في العراق، وذلك عبر الدفع بهم للنزول للشارع، مستغلة التسهيلات الأمنية التي قدمتها حكومة الرئيس الوزراء السابق، عادل عبد المهدي، إذ قامت هذه المليشيات بالعديد من عمليات الطعن التي تعرض لها المتظاهرون، إلى جانب إقتحام مقرات قنوات عربية كانت تغطي التظاهرات، إلى جانب قنوات عراقية.

ورغم عدم وجود قيادة واضحة لهذه المليشيات وعدم إعلان أي فصيل من الفصائل الولائية مسؤوليته عن التصرفات التي تفعلها، فإن هناك وحدة خطابية وسياسية وعقائدية واضحة تربطها بالفصائل الولائية وتحظى بدعمها غير المباشر، وهو ما يؤشر لتطور مهم في عمل الفصائل الولائية في العراق، عبر إدارة الشارع من الخلف دون إثارة الحكومة العراقية أو حتى القيادات المجتمعية بشأن التصرفات التي تقوم بها.

جيش إلكتروني ومنصات إعلامية داعمة

تشكلت المليشيات الولائية الإلكترونية في البدء على شكل مجموعات موجودة على تطبيق “الواتساب” و”تلغرام”، تتواصل فيما بينها عبر تبادل المعلومات والأخبار، بشأن التظاهرات والصحفيين المناؤين للفصائل الولائية والنفوذ الإيراني في العراق، بعدها تطور عمل هذه المجموعات لتقتحم مجال مواقع التواصل الإجتماعي، كـ “تويتر” و”فايسبوك”، ومن أبرز الحسابات التي تديرها هذه المليشيات “المستشار” و”السيدة الأولى” و”صبيان السفارة” و”الحجي والخال” و”الجوكرية”، وهي جميعها حسابات وهمية تبعث رسائل تهديد مباشرة للمعارضين والمناؤين.

إنتهى الأمر بعد ذلك بهذه المليشيات الإلكترونية بتأسيس منصة “صابرين نيوز”، التي تعد حالياً الأبرز في نقل أخبار خلايا الكاتيوشا وعملياتها ضد المصالح الأمريكية، ولفتت “صابرين نيوز” الإنتباه خلال الأشهر الماضية عندما كانت تنشر أخبار إستهداف السفارة الأمريكية أو المعسكرات العراقية التي تضم قوات من التحالف الدولي قبل وقوعها بفترة وجيزة، وتدير هذه الحسابات والمنصات شبكة واسعة تضم شخصيات معروفة ومحلليين سياسيين يتحركون بين بغداد وبيروت ويواظبون على الظهور في القنوات التابعة للمحور الإيراني، بالإضافة لناشطين على مواقع التواصل الإجتماعي.

بعدها تطور عملها، بفعل الدعم والتمويل الإيراني، فتوسعت الشبكات الإعلامية الداعمة لعمل هذه المليشيات، وإستعانت الشبكة بموظفين لإدارة حساباتها بمرتبات تصل إلى 2000 دولار شهرياً، وأغلب المنصات الإعلامية الداعمة لها تضم أشخاصاً ينتمون لكتائب حزب الله وعصائب أهل الحق، وآخرين مقربين من شخصيات تابعة لرئيس الوزراء العراقي الأسبق، نوري المالكي، وهناك حملة إلكترونية متزامنة وواسعة تقوم بها “صابرين نيوز” بالتنسيق مع قناة العالم الإيرانية، لتحشيد الشارع بالإتجاه الذي تقتضيه المصلحة الإيرانية في العراق.

وفي الوقت الحاضر، تُشكل “المقاومة الإلكترونية – فريق فاطميون”، إحدى أبرز الأذرع الإعلامية لمليشيات “ربع الله” في العراق، وأصبحت بمثابة جيش إلكتروني إيراني في العراق، إذ سخرت إيران ما يقرب من 20 مليون دولار لدعم وتجهيز هذا الجيش، وتقوم بعمليات تمجيد للحوثيين و”حزب الله” اللبناني، إلى جانب الفصائل الولائية.

كما ظهرت في الآونة الأخيرة فرقة جديدة تعرف بـ فرقة “أحباب الله”، التي يعتقد أنها هي الأخرى مكونة من عناصر خلايا الكاتيوشا التي توقفت عملياتها الصاروخية في الأيام الماضية، بعد هدنة مؤقتة مع القوات الأمريكية في العراق، لتتحول إلى فرقة تعبئة داعمة لعمل مليشيات “ربع الله” وتنفيذ عمليات اقتحام وحرق غير مسؤول عنها.

مسارات عملها وتأثيرها على حكومة الكاظمي

إلى جانب مواجهة تأثيرات تظاهرات تشرين الإحتجاجية وتحشيد الشارع بالضد من الوجود الأمريكي في العراق، فإن أحد أبرز أسباب وجود هذه المليشيات أيضاً هي عرقلة جهود حكومة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي التي تسعى إلى حصر السلاح بيد الدولة ومكافحة منافذ القوة الإقتصادية للفصائل الولائية، فضلاً عن التأثير في جهود الحكومة العراقية التي تخوض اليوم حواراً إستراتيجياً مع الولايات المتحدة، للنقاش بشأن مستقبل الوجود العسكري الأمريكي في العراق. ورغم إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عزمه سحب قواته من العراق خلال ثلاث سنوات قادمة، فإن هذه المليشيات تعمل على حشد الشارع بصورة مستمرة حيال هذه المطالب.

ورغم عمليات الحرق والإقتحام التي نفذتها هذه المليشيات في العديد من المقرات المدنية والحزبية، التي كان آخرها تفجير المعهد الأمريكي لتدريس اللغة الإنجليزية في النجف في 18 سبتمبر/أيلول 2020، وحرق مقر قناة دجلة الفضائية في 31 أغسطس/آب 2020، ومقر الحزب الديمقراطي الكردستاني في بغداد في 16 من أكتوبر/تشرين الأول 2020، وتشكيل الحكومة العراقية للعديد من اللجان التحقيقية للكشف عن هذه العمليات، فإن أياً منها لم يخرج بنتائج واضحة وذلك بسبب طبيعة الغطاء السياسي والفصائلي الذي تحظى به هذه المليشيات، مما عرقل الجهود الحكومية في كبح جماحها أو الحد من تأثيراتها.

وفي إطار التحقيق الذي تجريه الحكومة العراقية، بشأن الكشف عن هيكلية وتمويل هذه المليشيات، تحدث مسؤول عراقي في قيادة العمليات المشتركة، قائلاً “هذه المليشيات إنبثق أغلبها من غرفة واحدة، ولا يحتاج الأمر للإعلان عنها إلا لآلة طابعة ومصمم غرافيك وبيان مكتوب”، وأضاف “التحقيقات التي تجريها الأجهزة الأمنية أكدت أن المليشيات الجديدة غير بعيدة عن كتائب حزب الله، والبقية تابعة لفصيلي النجباء والعصائب، وهي تحاول خلط الأوراق وتشتيت إنتباه قوات الأمن وإثارة حالة تجييش إعلامي من خلال الإعلان عن تلك المليشيات.”

إن المقاربات التي يعتمدها (السيد) الكاظمي، في مواجهة هذه المليشيات، ما زالت غير فعالة ومؤثرة في ظل حالة الصراع السياسي المحيطة به. فإلى جانب هذا الملف، يبرز ملف مكافحة الفساد والإعداد للإنتخابات المبكرة والأزمة الإقتصادية، فهي تمارس تحشيداً عقائدياً ضد أية إجراءات حكومية لا تتوافق مع رؤية الفصائل الولائية، من خلال ممارسة حرب إعلامية تستهدف شخصيات حكومية وفعاليات إجتماعية ومدنية، فضلاً عما تقوم به من تحشيد واسع ضد القوات الأمريكية في العراق.

خلاصة عامة

تجد الفصائل الولائية في تشكيل مليشيات وريثة لها، إستراتيجية فاعلة في توسيع نطاق عملياتها في العراق، ووجدت في نموذج الباسيج الإيراني ما تطمح إليه، خصوصاً أنها لا تريد الدخول في مواجهة مباشرة مع القوات الأمريكية أو الحكومة العراقية، فإلى جانب خلايا الكاتيوشا التي تشن هجمات صاروخية مستمرة على المواقع المدنية والعسكرية في العراق، وجدت أن الضرورة تستدعي تشكيل باسيج ولائي تستطيع من خلاله ضبط الشارع بالإطار الذي يخدم وجودها وتأثيرها في العراق.

شكلت مليشيات “ربع الله” أبرز أوجه الباسيج الولائي، التي قامت بعمليات عديدة، ضد العديد من المقرات والمراكز داخل بغداد والمحافظات الأخرى، فضلاً عن إمتلاكها لمنصات إعلامية عديدة وتتبنى خطاباً دعائياً معادياً للحكومة العراقية والولايات المتحدة، إذ مثلت مليشيات “ربع الله”، إلى جانب خلايا الكاتيوشا ملفات أمنية معقدة في مواجهة حكومة الكاظمي، وذلك بفعل قدرتها على الحركة والهجوم، دون محاسبة حكومية تذكر، ويرجع السبب في ذلك إلى الدعم الذي تتلقاه من الفصائل الولائية و”فيلق القدس”.

فالحكومة العراقية مطالبة اليوم بتحجيم حركة هذه المليشيات وتفعيل جهودها الإستخبارية والأمنية، عبر منع تكرار الهجمات والإقتحامات التي ترتكبها هذه المليشيات ضد الأهداف المدنية والقنوات الإعلامية، فضلاً عن ضرورة حجب المنصات الإعلامية التي تمتلكها، لما تشكله من خطر على التظاهرات الشعبية وقياداتها المدنية والإجتماعية خصوصاً عندما يتعلق الأمر بعمليات التحريض والإتهام التي تعتمدها الشبكات الإعلامية المدارة من قبلها.

*أستاذ في العلاقات الدولية والعلوم السياسية – العراق.

المصدر: نون بوست.

مصدر الصور: الحرة – قناة الغد.

موضوع ذا صلةفي العراق.. لا خيار إلا الدولة


شارك الخبر
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •