تعتبر حقوق الإنسان واحدة من أهم فروع القانون الدولي العام، إذ أنه من خلالها يتم تحديد خصائصه الهامة. والثابت أن تشكيل حقوق الإنسان يتم وفقاً لجملة من المبادئ والقواعد التي تسهم في توطيد قواعد هذه المنظومة، وبنفس الوقت تعتبر هذه المبادئ العامل الأهم لتحديد مقياس ومعايير الديمقراطية في مختلف المنظومات الوطنية والدولية.
دمج الحقوق
يلاحظ أن الكثير من المراجع العلمية في القانون الدولي تتضمن العديد من الأطروحات التي تطالب بضرورة دمج حقوق الإنسان وتوحيدها مع منظومة القانون الدولي الإنساني، وذلك من أجل القيام بعملية حماية لهذه الحقوق أثناء الصراعات الحربية، مثل الغزو الأمريكي للعراق 2003، حرب يوليو/تموز في لبنان 2006، حرب غزة 2000 وغيرها، وتسمية هذا الدمج تحت مسمى منظومة القانون الدولي الإنساني.
لكن الإعتقاد السائد أن هاتين المنظومتين منفصلتان عن بعضهما البعض على إعتبار أن مادة عمل حقوق الإنسان لا يمكن تقييدها في عملية حماية حقوق الأفراد في ظرف معين، لأن الثابت أن تسري هذه الحقوق في كل الأوقات. على سبيل المثال، أضرت أزمة تفشي فيروس “كورونا” بحقوق الإنسان حول العالم لجهة إغلاق منشآت وإيقاف أعمال وتسريح موظفين، دون وجود قانون لدى البعض يعوض هؤلاء جراء هذا الطارئ المستجد، وخصوصاً العمالة الأجنبية، كالعرب الموجودين في دول الخليج، الذين توقفت أعمالهم؛ فلا البقاء يفيد إن لم يكن هناك قانون عمل تحتوي فصوله على ضمانات للوافد أياً كان عمله، ولا عودتهم تفيد لأن بلادهم تعاني أوضاعاً صعبة جراء الحروب والإرهاب والأوضاع الراهنة، سواء كان في مصر أو سوريا أو لبنان. الحرب العسكرية ليست وحدها التي تضر بالإنسان؛ بالتالي، يجب تأمين حقوقه في كل القضايا الملحة حول العالم.
إذاً، الثابت هنا أن حقوق الإنسان يجب أن تسري في كل الأوقات والظروف، السلم والحرب، لأن تأمين الإنسان هو العامل الأساس في ضمان عملية الإستقرار الدولي لمختلف المنظومات الشرعية وليس فقط في الصراعات الحربية.
إستخدام القواعد
إن إستخدام تلك القواعد الخاصة بالأفراد هو عمل يعود إلى الدول. ففي الحالات التي يتم بها معالجة قضاياهم من قبل تلك الدول وفق قواعد القانون الدولي التي تلزم الدول بتنفيذ المطلوب منها. أما في حالة عجز الدول بسبب في نقص الآليات الحكومية، كما هو الحال بتفشي جائحة “كورونا”، يكون على قواعد القانون الدولي، بمساعدة المؤسسات الدولية، إنجاز ما هو المطلوب. والمثال على ذلك، المحكمة الجنائية الدولية التي تمتلك السلطة التفويضية في مواضيع جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، كأزمتي دارفور ويوغسلافيا.
بالتالي، إن مجموعة حقوق الإنسان الأساسية تحتوي على قيمة حقوقية كبيرة وهامة، ولا يمكن لأية إتفاقية أو معاهدة أن تقلل منها، بما فيها التشريع الوطني الداخلي ذاته، وهذا الأمر ينطبق على جرائم حديثة بحق الإنسانية، على غرار جريمة سبي الشابات الأيزيديات في العراق. فإلى الآن، لم يتم إصدار قانون واحد يعنى بمتابعة هذا الملف، ولم يتم إصدار قانون واحد يتولى مسألة المهجرين واللاجئين وضمان عودة آمنة لهم. من هنا، جاءت ضرورة تسمية هذه الحقوق، مثل هؤلاء الحقوق الأساسية، بهدف إنصافهم والتأكيد على حقهم الشرعي في ذلك.
إحياء الإحترام
إنطلقت الأمم المتحدة على مبدأ إحياء الإحترام اللازم لحقوق الإنسان، والذي يعتبر عاملاً هاماً في إنجاز وتنظيم الجو العام للإستقرار الدولي. فالتطور الكبير الذي جرى لحقوق الإنسان، سبق وأثمر “الإعلان العالمي لحقوق الإنسان”، العام 1948، الذي إشتمل على جميع القواعد الخاصة بالحقوق الأساسية للإنسان، ولعل منها حقوق الفلسطينيين، كحق العودة على سبيل المثال. هذا كخطوة أولى.
أما الخطوة الثانية، فكانت إعلان الأمم المتحدة للعهدين الدوليين، العام 1966؛ العهد الأول، تحدث عن مجموعة الحقوق المدنية والسياسية، أما العهد الثاني فتحدث عن مجموعة الحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية. كما يضاف إلى ذلك الكثير من المعاهدات والوثائق الدولية الأخرى التي وطدت شرائح معينة من حقوق معينة للإنسان، كتقديم الحماية الكاملة لحقوق المرأة والطفل وتحريم الإبادة، على غرار قضية الروهينغا، والإضطهاد، على غرار إضطهاد الكيان الصهيوني للشعب الفلسطيني، والقضاء على كافة أشكال التمييز العنصري والعبودية، وأبرز مثال على ذلك قضية التمييز بين ذوي البشرة البيضاء والسوداء في الولايات المتحدة ومنها قضية جورج فلويد.
أخيراً، إن الوسيلة الدولية لمراقبة مراعاة حقوق الإنسان يجب أن تكون دائمة لا مرحلية، ويجب أن تكون أيضاً متسقة مع التشريعات والقوانين الداخلية خاضعة لمراقبة دولية دائمة خاصة في مجال حقوق الإنسان.
*مستشار وكاتب – الكويت.
مصدر الصور: Daily Mountain Eagle – الميادين
موضوع ذا صلة: القانون الدولي.. منهج لتصحيح الأخطاء