شارك الخبر

د. نواف إبراهيم*

استمرت الحرب على الأراضي السورية قرابة 10 سنوات. في عام 2011 ، قاتلت بلادنا ضد القوات المناهضة للدولة وضد الإرهابيين. بعد تونس ومصر وليبيا ،إلى أن حلت مصيبة الشعب السوري.

حتى عام 2013 ، صدت السلطات السورية وجيشنا وشعبنا هجوم الأعداء على بلدنا. لكن الجماعات الإرهابية المسلحة وقطاع الطرق والجماعات المناهضة للدولة المرتبطة بتنظيم القاعدة، وما يسمى بالدولة الإسلامية “داعش” الإرهابية، التي تتلقى مساعدات مالية وعسكرية منتظمة من الخارج، تمكنت من الاستيلاء على مساحة شاسعة من سورية. تدفقت مجموعات كبيرة من المرتزقة الأجانب على أراضينا، مما عزز تشكيلات وقوة الإرهابيين وقطاع الطرق. لقد قتلوا وعذبوا مواطنين وطنيين مدنيين وعسكريين سوريين. لم يكن لقسوتهم وفظاعتهم مثيل، لقد دمروا فخر حضارتنا القديمة: مدن، معابد، دمروا مؤسساتنا وعاملنا ومدارسنا ومستشفياتنا .

في عام 2015، تطورت الأوضاع ووصلت إلى وضع حرج في سورية- إذ سعى العدو للاستيلاء على العاصمة دمشق محاولين إسقاط الدولة وحرماننا من بلدنا. قبل خمس سنوات، لجأت قيادتنا، في الأيام الصعبة التي عانى منها جميع الوطنيين السوريين أمام هؤلاء الوحوش، إلى روسيا طلباً للمساعدة العسكرية. في سبتمبر/ أيلول 2015 ، بدأت القوات الجوية الروسية في تقديم المساعدة بنشاط لشعبنا، حيث قامت القوات الجو- فضائية الروسية بضربات قوية ضد مجموعات المتطرفين الإسلاميين وتشكيلات العصابات، ودعمت وساعدت جيشنا في التصدي لهم ودحرهم. لقد أصبح هذا العام نقطة تحول في الحرب ضد الإرهاب الدولي – فقد أدت الغارات الجوية القوية من قبل الطيران الروسي والضربات الصاروخية على مجموعاتهم إلى قلب الأوضاع .

قدمت القوات المسلحة الروسية لجيشنا على مدى السنوات الخمس الماضية الدعم في كسب هذا الكفاح الصعب وتطهير البلاد بأكملها تقريبًا من التشكيلات الإرهابية. تمكنا معاً من تحرير أكثر من 80٪ من أراضي دولتنا. لمدة خمس سنوات من الحرب الضروس ضد الإرهابيين، وفقاً لوزارة الدفاع الروسية، تم القضاء على 865 من قادة الجماعات الإرهابية، وأكثر من 130 ألف مقاتل مجرم وقاطع طريق، بما في ذلك أكثر من 4500 ألف متطرف جاءوا من دول الاتحاد السوفيتي السابق.

خلال هذه السنوات الخمس، تعلم الجيش السوري الكثير، وبعد أن اكتسب الخبرة في هذه الحرب غير التقليدية والقاسية، أصبح اليوم قادراً على صد كل من يفكر أو لا يزال يحاول التعدي على أرضنا بقوة السلاح.

كما نتذكر بامتنان ونرى أن روسيا قد دعمت وتدعم شعبنا اليوم ليس فقط في ساحة المعركة في حربنا ضد الإرهاب الإسلاموي الذي لا يمت للإسلام الصحيح بصلة هؤلاء خارجون عند الدين الإسلامي الذي يدعو للمحبة والتسامح والسلام، ولكن أيضاً روسيا تساعد في الدفاع عن مصالح بلادنا على الجبهتين السياسية والدبلوماسية في جميع المحافل الدولية، مثل هذه المساعدة، على سبيل المثال، كانت واضحة للعيان في خطاب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 2015. حيث أعرب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن دعمه القوي للرئيس بشار الأسد، ودعا المجتمع الدولي إلى القتال المشترك ضد تنظيم ما يسمى بالدولة الإسلامية “داعش”، واقترح تشكيل تحالف، وأعلن الحاجة إلى عملية سلام لحل مشاكل سورية.

اليوم يعرف العالم كله أن الإرهاب الدولي قد هزم على الأراضي السورية. لولا الدعم الفاعل من الغرب للجماعات المتطرفة والإرهابية التي تراجعت وتقع في شمال البلاد، وخاصة في إدلب، ومساعدة تركيا والولايات المتحدة، لكانت بلادنا محررة تماماً من هذا الشر. ولكن، كما قال رئيسنا بشار الأسد، ما دام الإرهابيون يحتلون جزءاً من دولتنا، فلا يمكننا اعتبار الحرب قد انتهت.

إن محاربة فلول الجماعات الإرهابية ليست مهمة دمشق فحسب، بل مهمة المجتمع الدولي بأسره. لذلك فإن موقف عدد من الدول التي لا تريد إدانة من يدعم ويساعد الحركة الإرهابية في منطقتنا هو موقف مفاجئ. كما نعلم، فإن تركيا، بمبادرة من الرئيس أردوغان، تساعد بنشاط عدداً من الجماعات المتطرفة في إدلب. ويوجد حالياً فيها نحو 1.5 مليون ساكن وهناك من 50 ألف إلى 100 ألف مسلح وإرهابي، بينهم 30 ألفاً من جماعة “هيئة تحرير الشام” الإرهابية المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالقاعدة. وحتى الآن تأتي شحنات مختلفة للإرهابيين من تركيا بشكل منتظم، بدءاً من شحنات الأسلحة الحديثة وانتهاءً بالأدوية.

من الجدير بالذكر أن أردوغان هو الذي سمح لمسلحي داعش بالمرور، عندما استولوا على جزء كبير من أراضي دولتنا، وقاموا ببيع النفط السوري عبر الأراضي والموانئ التركية. علاوة على ذلك، لا شك أن للأتراك مصلحتهم الخاصة في نهب مقدرات السوريين من قبل قطاع الطرق والإرهابيين. بعبارة أخرى، كانت تركيا متواطئة ومشاركة في هذه الجريمة بحق الشعب السوري.

تركيا عضو في الأمم المتحدة وهي ملزمة بالوفاء بمعايير ميثاق هذه المنظمة الدولية الأكثر تمثيلاً. لكن يبدو أن أردوغان ينوي تجاهل قواعد القانون الدولي علناً. علاوة على ذلك، بدعوى القيادة في المنطقة، فقد تدخل بالفعل في الصراع الأرمني الأذربيجاني. وبذلك يظهر جوهر سياسته التي تشكل تهديدا لأمن دول المنطقة وروسيا أيضاً. وإذا أخذت في الحسبان حقيقة أن تركيا عضو في الناتو، فإن سياستها تثير أسئلة حادة لبروكسل.

نأمل أن تصبح سياسة تركيا لدعم الإرهاب موضوعاً ومادة للخبراء القانونيين والقضاة الدوليين عندما تنظر محكمة الأمم المتحدة في دور كل دولة في الحرب في سورية ومأساة شعبنا.

للأسف، تركيا ليست وحدها من دعم الإرهابيين والمتطرفين في الشرق الأوسط. الاستمرار في دعم عدد من الجماعات الإرهابية من قبل الولايات المتحدة. علاوة على ذلك، تواصل القوات الأمريكية احتلال جزء من أراضينا. على الرغم من وعد الرئيس ترامب بإخراج الجيش الأمريكي من الأراضي السورية، إلا أنهم ما زالوا يعملون ضد الحكومة الشرعية ويشاركون في زعزعة استقرار المنطقة في شمال البلاد، في المناطق التي يعيش فيها الأكراد. كما أصبح معروفاً، في الواقع اليوم في واشنطن، دعم الإرهاب الدولي، هم أنفسهم مستعدون لأعمال إرهابية واستفزازات. ومن الأمثلة على ذلك التصريح الأخير لرئيس البنتاغون السابق، ماتيس، الذي اعترف بأن الرئيس ترامب خطط لاغتيال الرئيس السوري بشار الأسد، لكنه تمكن من ثني رئيس البيت الأبيض عن هذه الجريمة. والمثير للدهشة أن الدول الغربية، التي كثيراً ما تعلن أهمية الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان والأعراف الدولية، لم تنتبه لهذا الاعتراف. على شعبنا وقيادة سورية التعامل مع مثل هذا العدو اليوم .

واليوم التحدي الأهم والمهم الأكثر إلحاحاً هي أن تقدر دولتنا، بالإضافة إلى حماية السيادة والاستقلال، أن تقدر على عادة بناء الاقتصاد وإعادة الحياة الطبيعية إلى الأراضي السورية. فقد حياته خلال الحرب حوالي 500 ألف مواطن سوري. هذه مأساة كبيرة لكل السوريين. اليوم نحتاج جميعاً إلى تنحية التناقضات أو المظالم المحتملة أو النقد والبدء في إعادة بناء وطننا. من المهم لنا أن نعيد إلى سورية كل من هرب من الحرب والبطالة والتهديدات الإرهابية في الخارج.

في عام 2018 ، ناشدت حكومة الجمهورية العربية السورية المواطنين الذين أجبروا على مغادرة وطنهم، ورفعت نداءها لهم بالعودة إلى ديارهم. وغادر معظمهم شباب يعيشون في الخارج اليوم. من عام 2011 إلى عام 2018 ، وفقًا للأمم المتحدة، غادر حوالي 6.7 مليون شخص أوطانهم وأجبروا على العيش في أرضٍ أجنبية في 45 دولة في العالم. هذه هي أكبر هجرة جماعية وأزمة مرتبطة بالعديد من اللاجئين منذ الحرب العالمية الثانية. اليوم يجب على السوريين أن يسمعوا أن أرضهم العظيمة القديمة تدعوهم للعودة إلى وطنهم.

مهمة إعادة بناء الاقتصاد وإستعادة الحياة الطبيعية في البلاد في ظل ظروف اليوم مهمة صعبة للغاية. بعد هذه الحرب، وفقًا للخبراء، فقدت سورية أكثر من 30 في المائة من المباني السكنية والبنى التحتية، ودُمر أو تضرر حوالي نصف المؤسسات التعليمية والطبية. دمرت الحرب البنية الاجتماعية والاقتصادية للبلاد.

من المشاكل الرئيسية لإعادة الاقتصاد المدمر تكمن في أن سورية لا تزال تحت العقوبات الغربية في إطار إستمرار محاولاتها لعزل دولتنا عن الحياة. الدول التي تحاول مساعدتنا تخضع أيضاً لعقوبات وتهديدات من الولايات المتحدة. في الواقع، تستمر الحرب الاقتصادية والإعلامية الظالمة ضد سورية.

في ظل هذه الظروف، نقدر بشكل خاص الدعم الذي تقدمه لنا الصين وإيران وبالطبع صديقتنا الوفية روسيا. وبالعودة إلى عام 2018 ، وبعد إدراك أن استعادة سورية أمر مستحيل دون التشغيل الطبيعي لقطاع الطاقة، تم التوقيع على اتفاقية سورية – روسية بشأن ترميم 40 منشأة صناعية مختلفة، بما في ذلك محطات الطاقة الكهرومائية ومؤسسات إنتاج النفط في البلاد.

قبل الحرب، أتيحت الفرصة لأطفالنا، والمواطنين السوريين عامة، لتلقي التعليم المدرسي مجاناً، وتم تقديم المساعدة الطبية مجاناً، كل هذا أيضاً سيعاد ويخدم الناس. لكن هذا يتطلب مساعدة أصدقائنا في العالم لرفع العقوبات عن بلدنا الذي طالت معاناته. يواجه الشعب السوري حالياً اليوم صعوبات جمة أساسها إعادة بناء اقتصاد البلاد وإستعادة الحياة السلمية إلى المدن والقرى.

لقد ربحنا الحرب، والآن يتوجب علينا أن ننتصر بالسلام.

*إعلامي سوري – روسيا.

مصدر الصور: أرشيف سيتا + Rakurs.

موضوع ذا صلة: رضوان: بين سوريا والعراق.. تصعيد بالنار


شارك الخبر
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •