العميد م. ناجي ملاعب*

الجزء الثاني: التطوير في القدرات على طريق الريادة العالمية

1 – أنظمة الإنذار المبكر

دخلت القوات الجوية والقوات البحرية الصينية العقد 2010 بأسطول ضخم من طائرات أنظمة الإنذار المبكر والتحكّم يتألف من أربع طائرات من طراز (KJ-2000)، ومجموعة من طائرات (KJ-200) لكلتا القوتين البحرية والجويّة. وبما أنها مزودة برادار “صفيف مسح إلكترونيّ نشط” (AESA) مثبت في أعلى هيكل الطائرة المتميّزة، فإن هذا الأسطول يوفّر نواة مهمّة لقدرات نظام الإنذار المبكر والتحكّم مستقبلاً.

ومع ذلك، شهد العقد 2010 وصول الأسطول الجوي الصيني المزود بأنظمة الإنذار المبكّر والتحكّم إلى معايير عالميّة مميزة، حيث بلغ الإنتاج العسكري من طراز (KJ-200) نحو 24 طائرة قسمت مناصفة بين القوات البحرية والقوات الجوية. وشهد منتصف العقد 2010 ظهور طائرة (KJ-500) ، كما هو حال أنظمة (KJ-200) إنما باستخدام رادار مزوّد بقدرات أكبر يبلغ مجاله الأثيري 360 درجة، كما أنها تتمتع بتطوّرات تكنولوجية أحدث.

بحلول نهاية عام 2019، تم تأكيد دخول 14 طائرة من هذا الطراز في الخدمة، مع المزيد منها قيد الإنتاج حالياً تماما كما هو الحال في تجربة جيش التحرير الشعبي مع قدرة “تجاوز المدى البصريّ”، فإن تطور أنظمة “الإنذار المبكر والتحكم” قد أدى بهذه القدرة إلى الانتقال من كونها سلعة شبه نادرة إلى قدرة مألوفة وجزء روتيني بل طبيعي من ذخيرة القوات الجوية لجيش التحرير الشعبي.

2 – تقنيات النانو وعالم الإبتكار

بدأت الصين في وقت مبكر، منذ عام 1989، رحلة البحث والتطویر في تقنیة النانو عندما تم إنشاء (مضاعف القوة الذریة/ Atomic Force multiplier وأعقبه مجهر المسح النفقی/ Scanning Tunnelling Microscope، والتي تعد الأدوات الرئیسة لأبحاث تقنیة النانو.(1)

وفي عام 2006 نشرت مقالة صینیة سبعة تطبیقات عسكریة صینیة لتقنیة النانو، تضم ما یأتي:- أسطوانة النانو/ Nano Silindir التي تعد سعتها التخزینیة أکبر ملیون مرة من أجهزة الكمبیوتر الحالیة، (وهیاکل النانو/ (Nano Structures التی تعد أقوى 100 مرة من الفولاذ، والقدرة على صنع أسلحة جینیة، وسترات رقیقة تتمتع بالقدرة على امتصاص موجات الرادار بهدف التخفي والتسلل، وصنع الأسلحة الصغیرة، والأقمار الصناعیة متناهیة الصغر (النانویة)، ومعدات الجنود، وعلیه تعد الصین واحدة من أسواق تقنیة النانو الأسرع نمواً فی العالم بقیمة تقدر بنحو 145 ملیار دولار خلال عام 2015.(2)

وكان مرکز فریزون، الشرکة العالمیة الرائدة في حلول وخدمات الاتصالات والتقنیة المبتكرة، في تقریر له صدر العام 2013، اعتبر الصين “أکبر فاعل خارجي في مجال “الإختراق الإلكتروني”، ووفقاً للتقریر فقد قامت الصین بنحو (95%) من الهجمات الإلکترونیة التي ترعاها الدول. کما أشار تقریر للبنتاغون في عام 2010 والمُقدم إلى الهیئة التشریعیة الأمریكیة – الكونغرس عن التطورات العسكریة والأمنیة للصین، إلى استمرار تعرض العدید من أنظمة الحاسب الآلي في جمیع أنحاء العالم، بما في ذلك المملوکة للحكومة الأمریكیة، إلى عملیات الاختراق التي نشأت في الصین.(3)

3 – بناء حاملات الطائرات

لا يحتاج تطور قدرات حاملات الطائرات في البحرية الصينية إلى تقديم، فالبدءُ من عدم وجود أي قطعة عند فجر العقد 2010، والانتهاء باثنتين من حاملات الطائرات ذات الـ 65.000 طن بحلول نهايتِه ليس بالمهمة السهلة. لكن بالطبع لا بد من الإشارة إلى عدد من التحفظات المهمّة، ومنها كيف أنَّ تصاميم الحاملتين الحاليتين CV-16 (لياونينغ) وCV-17 (شاندونغ) هي تصاميم مؤقتة بالنسبة للبحرية الصينية، وعادة ما يُشار بحقّ إلى أن البحرية لا يزال عليها تحصيل خبرة مؤسسات عملياتية واسعة في مجال الحاملات. لكن بالنظر إلى أن البحرية الصينية لم تتمتع بأية خبرة في تشغيل حاملات طائرات قبل دخول “لياونينغ” نطاق الخدمة في سبتمبر/أيلول 2021 فإن سرعة مُضيِّ البحرية الصينية في تدريب وإطلاق مقاتلة (J-15) برفقة السفن هو أمر مثير للإعجاب أيضاً.

كما أن وتيرة بناء وإطلاق وتجريب “شاندونغ” في البحر قبل دخولها نطاق الخدمة مثيرة للإعجاب بالنظر إلى أنها أول حاملة طائرات تبنيها صناعة السفن الصينية. من المتوقع لكلتا الحاملتيْن أن تلعبا أدواراً تأسيسية مفتاحية بوصفها بذرة لتطوير نواة ضخمة من الخبرات العملياتية للضباط والطواقم والطيارين. ويُتوقَّع لحاملة (003) أن تكون دخلت نطاق الخدمة في منتصف عقد 2020، كما من المتوقع لها أن تحل محل “لياونينغ” و”شاندونغ” في القدرات، لكنّ هاتين الحاملتين المزودتين بمنصات إطلاق مزلاجيّة ستظلان على الأرجح جاهزتين للإستخدامات القتالية، بالأخصّ إن صُمّمت مقاتلات الجيل الخامس المعدّة للحاملات بحيث تتوافق مع أساليب منصات قذف الطائرات والمنصات المزلاجيّة

4 – الغواصات النووية

الغواصات النووية هي من ضمن الأسرار الأكثر احتجاباً لجيش التحرير الشعبي كله. لا أحد في مجتمع مراقبي الجيش لديه الثقة التامة للبتّ بالعدد الدقيق للقطع المختلفة من فئة الغواصات النووية، دع عنك العدد الدقيق لحجم الأسطول. ومع ذلك، شهد العقد 2010 إنتاج اثنين من التطورات المهمة للغواصات النووية الهجومية (SNN) وغوّاصات الصواريخ البالستية (SSBN).

أولاً، في منتصف وحتى أواخر العقد 2010، تلقى مجتمع المراقبين أخيراً تأكيد وجود هياكل إضافية من صنف 09III من الغواصات النووية الهجومية. وكان من المعروف جيداً أنه قد أُنتِجت وأُرسِلت اثنتان من هذا الصنف على الأقلّ في منتصف العقد 2000، وبعد تلك الفترة بدا أن تتابع الإنتاج قد دخل فترة من الجمود. لكن بين عامي 2015 – 2019، ظهرت صور لبدائل وهياكل من هذا الصنف تحت اسم مبدئي هو 09-III A وبدءاً من العام 2019، كان هناك اعتقاد أنه لربما قد تم إنتاج ما مجموعه 6 إلى 8 غواصات هجومية من صنف 09 -III.

ثانياً، إن بناء ما يُتكهَّن على نطاق واسع بأنه منشأة لإنتاج الغواصات النووية في مدينة هولوداو، والشائعات بشأن أصناف جديدة من فئات 09IIIB /09V/SSN /09VI/SSBN قد أثار مزيداً من التكهنات بشأن ما سيقدّمه العقد 2020 من غواصات نووية صينيّة.

حظي تحديث إمكانيات وقدرات قوات الصاعقة الإقليمية الصينية بتغطية تكاد تكون مكثّفة من قِبل معلّقي الدفاع الأجانب. وكانت نوعية صواريخ كروز جو أرض من صنفَيْ (KD-20) و(DF-10)، التي نُصبت على متن قاذفات (H-6K)، وتتمكّن من حمل ما يصل إلى ستة صواريخ من طراز (KD-20) وقاذفات أرضية، تحمل ثلاثة صواريخ (DF-10)، قد وفرت للجيش الصيني قدرة هائلة لقوات الصواريخ التقليدية يصل نطاقها حتى 1500 كيلومتر عند احتساب المجال من حدود الصاروخ نفسه. لا يزال الجرد الدقيق لصواريخ (KD-20) و(DF-10) لدى الجيش الصيني غير معلوم بعد، كذلك هي أرقام القاذفات الأرضية لصواريخ (DF-10)، لكنّ احتساب الأرقام التسلسلية لقاذفات (H-6K) يؤكد أن هناك على الأقل ثمانين قاذفة من طراز هذه الأخيرة قيد الخدمة بما أنَّ الصنف دخل الخدمة أوّل مرة عام 2011.

5 – الصواريخ الباليستية الحديثة

ظهور صواريخ باليستية جديدة مثل صواريخ (DF-16 ) و(DF-26)، إلى جانب بدائل محسنة من صواريخ (DF-11) و(DF-15) و(DF-21) الموجودة سلفاً، قد عمل أيضاً على تحسين قدرة الجيش الصيني على ضرب الأهداف في المنطقة. وقد حظيت صواريخ (DF-26) و(DF-21D) بتغطية مكثّفة بفضل مكانتها بوصفها صواريخ بالستية مضادة للسفن للجيش الصيني، ومع أن الأسئلة المتعلقة بقدراتها ووفرة سلسلة القتل الداعمة لها لا تزال معلقة، لكن يبدو أن الأسلحة قد أثرت إلى حدٍّ كبير على الطريقة التي يقوم فيها الأعداء المحتملون بالتخطيط لعملياتهم البحرية مستقبلاً.

لا تزال الأرقام الدقيقة لرؤوس الحرب النووية الصينية والأرقام الدقيقة للصواريخ الباليستيّة العابرة للقارات (ICBM) غير معلومة للعموم حتى اللحظة، وذلك لسبب جيد. لكن العقد 2010 شهد قيام قوة الصواريخ الصينية (والمدفعية الثانية من قبلها) بتطوير تكنولوجيتها للصواريخ العابرة للقارات بأنظمة أرضية أكثر قدرة وقابلية للنجاة.

كان من المعروف جيداً وجود الصواريخ الباليستية العابرة للقارات من صنف (DF-31A) قبل العقد 2010، لكن ظهور طراز (DF-31AG) في استعراض الذكرى الـ 90 لجيش التحرير الشعبي الذي عُقد في قاعدة “زوري هييه” التدريبية في عام 2017 شكّل مفاجأة من الحجم الصغير.

لقد كُشِف عن الصواريخ الباليستية العابرة للقارات من صنف (DF-41) في الاستعراض الصيني الذي عُقد في الذكرى الـ 70 لليوم الوطني بتاريخ 1 أكتوبر/تشرين الأوّل 2019، مما أكد أن السلاح قد دخل نطاق الخدمة بعد أكثر من عقد على الشائعات والصور المغبشة. ومع أن أعداد وقدرات الطراز لا تزال غير معلومة بعد، فمن الممكن القول بشكل عام إنه ينبغي أن يحظى بمجال وحمولة أكبر من صنفَيْ (DF-31A) و(DF-AG).

يبدو أن أصناف (DF-41) و(DF-31A) و(DF-AG) ستكون الصواريخ الأرضية الرئيسية من الصواريخ الباليستية التقليدية العابرة للقارات في القرن الحادي والعشرين، لكن سيكون علينا أن ننتظر لرؤية ما سيكون عليه حجم التزوّد الكلي من هذه الصواريخ، ومن غير المعروف أيضاً إن كان الحجم الإجمالي للأسطول الصيني من الصواريخ الباليستية العابرة للقارات سيتغير أيضاً.

وشهد عقد 2010 أيضاً ما يبدو أنه جهوزية أسطول غواصات الصواريخ الباليستية من صنف (09IV) بقوّة تتألف من أربعة إلى خمسة قوارب. كما كُشِفَ عن الصاروخ (JL-2) الذي أطلقته الغواصة البالستية (SLBM) في موكب 2019، مما يدل على حالتها في الخدمة أيضاً. ولكن بطبيعة الحال، فنحن لا نعلم كمية الصواريخ المتوفرة في الخطة، كما أننا لسنا على دراية بنوع حالة أو عقيدة الردع التي تستخدمها الدوريات حالياً.

وغني عن القول إنَّ مسألة القدرات النووية لجيش التحرير الشعبي ستظل بالغة الأهمية طوال العقد 2020، ليس فقط من حيث حجم التزود بالأنظمة المؤكدة التي نعرفها حتى الآن، ولكن أيضاً من حيث أي أنظمة جديدة قابلة للتطوير على غرار نظام (JL-3 SLBM) الذي انتشرت حوله الكثير من الشائعات.

*خبير أمني وإستراتيجي وباحث أول في مؤسسة الشرق الأدنى والخليج للتحليل العسكري “إينغما” – لبنان.

المراجع:

(1) أنظر:
Sanjiv Tomar, Nanotechnology The Emerging Field For Future Military Applications, Monograph Series, Institute For Defense Studies Studies Analyzes (Idsa), New Delhi ,, No. 48 October 2015, P. 25.
(2) أنظر:
”Market Report on China Biotechnology and Nanotechnology Industry”, at 2013 In their website on the link: https://bit.ly/2I0TfxN
(3) أنظر:
Stephanie Henry ,“Verizon Report Describes Trends in International Data Breaches, China-Based Espionage ,”U.S.- China Business Council Washington Update, In website on the link, https://bit.ly/3oVbgyk

المصدر: مجلة الدراسات الأمنية.

مصدر الصور: Imgur – FNN – منتدى التكنولوجيا العسكرية.

موضوع ذا صلة: الصين.. دولة المعجزات