د. عبدالله الأشعل*
أعلن الرئيس الأمريكي، جو بايدن، المنتخب برنامجه في السياسة الخارجية، فأكد أن واشنطن ملتزمة بالمحافظة على أمن إسرائيل وهذه صيغة إلتزم بها كل الرؤساء الأمريكيين منذ أن ظهر هذا المصطلح، بعد العام 1967. وقد يبدو المصطلح مشروعاً، فكل دوله يهمها أن تحافظ على أمنها. ولكن نظراً لخصوصية إسرائيل، فإن مصطلح “أمن إسرائيل” يعني تسهيل مشروعها الصهيوني.
وقد حاول الجانب العربي أن يدخل الأمن العربي والفلسطيني، إلى جانب أمن إسرائيل بالمعنى المعروف عند كل دوله، ولكن الرؤساء الأمريكيين فهموا أمن إسرائيل بأنه قريب من الفهم الإسرائيلي مع فارق أساسي وهو فلسطين لكل من الشعبين الفلسطيني واليهودي، وأن “حل الدولتين” هو المصير الذي ينتظر الصراع بين الجانبين؛ لذلك، عارضت الإدارات الأمريكية المتعاقبة، قبل الرئيس دونالد ترامب، كل مشروعات الإستيطان الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية، وإعتبرت الخارجية الأمريكية في دراسة هامة لها أن المستوطنات الإسرائيلية “إنتهاك لقانون الإحتلال الحربي والقانون الدولي الإنساني”، كما إلتزمت واشنطن بأن قضايا الحدود والقدس ومصير المستوطنات، كما نص عليها “إتفاق اوسلو”، لا بد أن يتفق عليها بالتفاوض.
لكن واشنطن كانت على قناعة دائمة بأن إسرائيل لها حق البقاء، وأنها تتصدى لكل ما يهدد وجودها؛ لذلك، تعتبر واشنطن تاريخياً المقاومة ضد الإحتلال الإسرائيلي إرهاباً وعدواناً، كما أنها تقبلت بصعوبة فكرة قيام مصر بتحرير سيناء بالقوة بعد فشل الدبلوماسية الدولية ولكنها عادت وإستدرجتها لدفع ثمن باهظ في “كامب ديفيد”، وفي المقدمة حرمانها من دورها العربي التاريخي ما إدى إلى تفتيت العالم العربي. وهذا الخط ثابت في الموقف الأمريكي، ولكن بعض الرؤساء كانوا يميلون نحو إسرائيل أو يلتزمون بهذا الخط وليس هناك فرق بين الحزبين الجمهوري والحزب الديمقراطي.
ويمكن أن نحدد إثنين فقط من الرؤساء الأمريكيين، خلال العقود الثلاثة الأخيرة، الذين مالوا نحو إسرائيل واساؤوا إلى وضع واشنطن كوسيط في النزاع، وهما الرئيس جورج بوش الأبن، الذي زار إسرائيل قبيل إنتهاء ولايته الثانية ووعد خلال كلمته أمام الكينست بأن يزور “إسرائيل الكبرى” بعد أن يتضاعف عمر إسرائيل وذلك بمناسبة مرور ستين عاماً، أي العام 2008، على قيامها. فالرئيس بوش هو الذي شجعها على إجتياح غزة في العامين 2008 و2009، ودافع عن حقها بوصول أمنها إلى الحدود التي تشعر بها بـ “الأمان”.
أما الرئيس ترامب، فقد فاق موقفه كل التوقعات حيث إعتبر إسرائيل “بلده الثاني”، حيث أقتطع لإسرائيل القدس والجولان، وحارب وكالة “الأنروا”، وإتفق مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على أن فلسطين لليهود وحدهم فيما سمى بـ “صفقة القرن”. أيضاً، سعى الرئيس ترامب إلى تطبيع العلاقات بين إسرائيل وعدد من الدول العربية، ودخل في صفقات مباشرة مع هذه الدول، وكان يحلم بأن يحل محمد دحلان محل الرئيس الفلسطيني، محمود عباس – أبو مازن، حتى يوقع وثيقة تسليم فلسطين لليهود، وذلك بدعم من بعض الدول العربية المجاورة.
بالنظر إلى مجمل الموقف الأمريكي، نرى بأن واشنطن تفهم تماماً منذ البداية أن المشروع الصهيوني يريد كل فلسطين، ويريد الهيمنة على كل المنطقة وخاصة سحق مصر، في حين تتماهى واشنطن مع الموقف الإسرائيلي وتتظاهر بأنها تخفف بحل الدولتين من إنحيازها المطلق لإسرائيل؛ لذلك، نعتقد أن كل رئيس أمريكي ساهم بقدر ما يستطيع في المشروع الصهيوني، وكان أبرز الرؤساء الأمريكييبن إسهاماً هو الرئيس جيمي كارتر الذي تمكن من إستدراج الرئيس المصري الراحل، أنور السادات، إلى “كارثة كامب ديفيد”.
من هنا، تعارض واشنطن وإسرائيل أي حكم مدني في مصر؛ بالتالي، يجب علينا أن ألا ننخدع بإتجاهات الرئيس المقبل بايدن، فالفرق بينه وبين الرئيس ترامب هو فرق بين من يعمل بهدوء ومن يعلن عن عمله للملأ. ولما كان الرئيس ترامب قد جاء من خارج المؤسسات، فإنه تأثر بطريقته الشخصية في إدارة هذا الملف، ولم يكترث بسياسة “الخطوة خطوة”، التي إبتدعها وزير الخارجسة الأسبق هنري كيسنجر بعد العام 1967، ذلك أن بايدن سوف يتعامل مع هذا الملف بحذر وقد يحي “إتفاق أوسلو” وهو من أهم محطات المشروع الصهيوني، كما أنه سعيد بإختراق اسرائيل للمنطقة العربية. لذلك، لن يغير موقفه من مصر أو غيرها حرصاً على تقاربه مع إسرائيل.
في الخلاصة، إن إلتزام بايدن بأمن إسرائيل هو إستمرار للخط الأمريكي حتى قبل قيام إسرائيل، وأن بايدن سيمكِّنها من الحصول على ما تريد ولكن بالتدريج ودون حرق للمراحل وإحداث الفجوات. هذا الخط، يعتبر إسرائيل جزءاً من الأمن القومي الأمريكي وهو خط ثابت في السياسة الأمريكية ولا يستطيع أى رئيس الخروج عليه.
هنا، نذكر أن وزير الخارجية السابقة، كونداليزا رايس، وضعت قاعدة صريحة وهي “أن الطريق إلى واشنطن يمر بتل أبيب”، وتوصيه إسرائيل ورضاها عن أي طرف عربي هو شر ط أساسي لكي تهتم واشنطن بهذا الحاكم أو ذاك، وقد ذهبت بعض التقديرات بعيداً وخلطت بين الواقع والتمنيات سواء مع مصر أو مع السعودية أو الإمارات، وهذه هي الملفات الذي تحدث عنها بايدن خلال سباق الرئاسة، فبايدن الرئيس يختلف جذرياً عن بايدن المرشح للرئاسة.
*سفير سابق ومساعد وزير الخارجية المصري الأسبق.
مصدر الصورة: نون بوست.
موضوع ذا صلة: مجلس الأمن “يفشل” بتحقيق الطموح الإسرائيلي