ما تزال أصداء الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي بات المرشح الديمقراطي جو بايدن الأقرب نحو حسمها تلقي بظلالها على المشهد العالمي برمته، والذي يتابع تفاصيل تلك المعركة يجد أنها شهدت الكثير من المفاجآت والمستجدات المثيرة للجدل، أبرزها ما يتعلق برفض الرئيس الحالي دونالد ترامب الاعتراف بالهزيمة والتمسك بالبقاء في البيت الأبيض.
العديد من الأوراق لجأ إليها ترامب للتشبث بالأمل الضعيف في الفوز بولاية ثانية رغم الأرقام غير الرسمية المعلنة والتي تشير إلى تعرضه للخسارة أمام نظيره الديمقراطي، في مقدمتها نقل المعركة إلى ساحات القضاء، حيث الطعون والمطالبة بإعادة فرز بطاقات الاقتراع في بعض الولايات.
ويبدو أن إثارة الجدل داخلياً لتوجيه أنظار العالم إليه وسحب الأضواء المسلطة على الرئيس الجديد المحتمل لم يكن مرضيًا لترامب كفاية، فكان البحث عن حدث خارجي ربما السبيل لأن يجد فيه الرئيس الحالي ضالته لتكسير أمواج صدمة الهزيمة.
وكانت إيران هي الهدف الأول نحو اختطاف ترامب لأضواء الكاميرات وصفحات الصحف والمجلات، كونها الملف الخارجي الأكثر سخونة وتأثيرًا في الرأي العام الأمريكي، لتنتقل معركة استهداف أهداف إيرانية سواء داخل البلاد أو في العراق من مجرد تصريحات للاستهلاك المحلي أطلقها ترامب في وقت ما، إلى احتمال قائم بالفعل.
بالأمس أعلنت القيادة المركزية الأمريكية، عن انتقال طائرات من طراز “إف -16″، تابعة للقوات الجوية من سبانغداهليم بألمانيا إلى قاعدة الظفرة الجوية في الإمارات، بدعوى “تحسين قدرات القوات في ردع العدوان”، مرفقة في تغريدة لها على “تويتر” بعدد من صور تلك الطائرات.
ورغم أن القيادة لم تذكر تفاصيل بشأن أي عداون تقصد لردعه، وما طبيعة عمل تلك الطائرات في القاعدة الإماراتية، ولماذا تم اختيار هذا التوقيت تحديدًا، إلا أن التزامن بين تلك التحركات وتصريحات ترامب السابقة بشأن استهداف إيران تشير إلى أن هناك علاقة قوية بينهما.. فهل يفعلها ترامب ويقصف أهداف إيرانية قبيل نهاية ولايته رسميًا في 20 يناير/كانون الثاني القادم؟
خيارات التصعيد
شهدت الأيام الماضية تكثيف لمباحثات ترامب مع مستشاريه بشأن دراسة خيارات استهداف موقع نووي رئيسي في إيران الأسابيع المقبلة، فيما نقلت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، عن 4 مسؤولين أمريكيين حاليين وسابقين، قولهم إن الرئيس ناقش معهم بالمكتب البيضاوي الخميس الماضي هذه المسألة بعد يوم من إعلان المفتشين الدوليين رصد زيادة معتبرة في مخزون إيران النووي.
الصحيفة في تقريرها أشارت إلى أن بعض المستشارين وعلى رأسهم نائب الرئيس مايك بنس، ووزير الخارجية مايك بومبيو، ووزير الدفاع بالوكالة كريستوفر ميلر، ورئيس هيئة الأركان الجنرال مارك ميلي قد حذروا الرئيس من هذه الخطوة التي ربما تتصاعد على نطاق واسع خلال الأيام القادمة.
وخلال الاجتماع ركز ترامب على احتمالية توجيه هجوم، صاروخي أو سيبراني، على منشأة نطنز النووية تحديداً، لكن مخاطر التصعيد التي حذر منها المشاركون في الاجتماع هدأت نسبيًا من سخونة الأجواء، وعليه غادر بومبيو وميلي وهم على اعتقاد باستبعاد الخيار العسكري وفق ما ذكر التقرير.
مصدر آخر داخل وزارة الدفاع “البنتاغون” تحدث عن مخاوف إصدار ترامب أوامر مباشرة بتنفيذ عمليات ضد منشآت إيرانية أو أهداف لخصوم أمريكا في الخارج، سواء كانت تلك الأوامر علنية أو سرية، لافتة إلى أن التوقيت الحساس الذي تأتي فيه مثل تلك التحركات قد يكون له تداعيات سلبية على البلاد.
تأتي تلك المباحثات بعد أيام قليلة من انتهاء المناور العسكرية البحرية (152)، وشارك فيها 6 دول السعودية والإمارات والكويت والولايات المتحدة والمملكة المتحدة والبحرين، وتهدف لـ”تعزيز الأمن البحري وطمأنة مجتمعات الشحن التجاري والصيد في الخليج العربي”.
فريق ذهب إلى أن تلك المناورة لها العديد من الدلالات والمؤشرات التي تذهب في الاتجاه ذاته، ترهيب إيران واستهداف مواقع تابعة لها، خاصة وأنه قد زادت في السنوات الأخيرة وتيرة اتهامات دول الخليج وأمريكا لطهران باستهداف سفن ومنشآت نفطية خليجية وتهديد الملاحة البحرية.
تفخيخ مهمة بايدن
الأوساط الإعلامية والسياسية الأمريكية تتحدث الأيام الماضية عن سيناريو ترامبي لتفخيخ مهمة بايدن وإدارته في الشرق الأوسط، وهو السيناريو الذي بدأ يلوح في الأفق مبكراً منذ سلسلة الإجراءات التي بدأ مسؤول ملف إيران بإدارة ترامب، إليوت أبرامز ، يبلورها مع حلفاء واشنطن في “إسرائيل” والخليج والتي تستهدف طهران.
هذا السيناريو يتزعمه حلقة ضيقة من اليمين المتطرف الإيديولوجي، ذات التأثير القوي على ترامب، والتي من الواضح أنها تريد تفريغ جعبتها من كافة الرصاص الذي تملكه قبل أن تسلم أسلحتها للإدارة الجديدة بقيادة بايدن، بصرف النظر عن أهداف الرصاص وتداعياته على أمن واستقرار البلاد.
أحد مؤشرات هذا السيناريو وفق ما ذهب خبراء كان تأخر حلفاء ترامب، السعودية والإمارات بجانب رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، في إرسال برقيات التهنئة للرئيس المنتخب، وهو التأخر الذي يهدف إلى عدم التشويش على مهمة أبرامز الشرق أوسطية.
السؤال الملح الآن: لماذا إيران على وجه التحديد؟ وبعيداً عن حساسية هذا الملف بالنسبة للإدارة الأمريكية إلا أن هناك رغبة واضحة من ترامب في الانتقام من السلطات الإيرانية التي حالت دون تمكينه صورًا تذكارية لانتصارات وهمية يمكن أن يستخدمها كورقة دعائية في حملاته الانتخابية، كما فعل الرئيس السابق باراك أوباما حين وقع على الاتفاق التاريخي 2015 قبل أن ينسحب منه ترامب بصورة أحادية مع العام الأول لولايته.
وبعيداً عن احتمالية ترجمة السيناريو الترامبي على أرض الواقع إلا أنه محاولة صريحة ومباشرة لزراعة ألغام على طريق عودة واشنطن للاتفاق النووي مع إيران، والحيلولة دون حدوث أي انفراجة تذكر في العلاقة الإيرانية-الأمريكية، وهو ما يصعب من مهمة بايدن في هذا الملف.
وعليه يتوقع خبراء أن تشهد الأيام المتبقية في ولاية ترامب العديد من الإجراءات الانتقامية ضد طهران كتشديد العقوبات الاقتصادية وتوسعة دائرتها بهدف تضييق الخناق أكثر وأكثر، بجانب احتمالية تنفيذ هجمات سيبرانية استخباراتية ضد بعض الأهداف سواء داخل إيران أو في العراق وربما لبنان.
تهويل إعلامي
في المقابل هناك من يقلل من تأثير تلك التصريحات الساخنة التي يطلقها ترامب ومستشاروه، معتبرين أنها تصريحات للاستهلاك المحلي ومحاولة لحفظ ماء الوجه وتفتيت موجة التهاني والتبريكات الموجهة لبايدن عبر اختلاق أزمات تسحب معها الأضواء.
العقيد السابق في الجيش الفرنسي ألان كورفيس، يعلق على تلك التصريحات بقوله:” إنّ الكلام عن حرب أو قصف أميركي وشيك على إيران نوع من التهويل والتصعيد الإعلامي لا غير” مرجعًا إياها إلى حالة الغضب التي انتابت الرئيس بعد مؤشرات خسارته للمعركة الانتخابية، تلك الحالة التي نفًس عنها ترامب عبر موجة إقالات جماعيّة للفريق الذي عمل معه خلال سنوات حكمه.
إعلاميون وسياسيون يستبعدون شن أمريكا أي هجوم عسكري ضد إيران خلال الشهرين المقبلين، لحين تنصيب الرئيس الجديد، فيما فسرت صحيفة (لوباريزيان) الفرنسية حالة اللاتوازن التي عليها ترامب بسبب ما يعانيه من عزلة دولية وشعوره بأنه بات وحيدًا بعد سيل التهاني الذي نزل على جو بايدن بعد يومين من فرز صناديق الاقتراع.
الصحيفة اعتبرت أن إقالة الرئيس لوزير دفاعه، مارك إسبر، في هذا التوقيت، ليس سوى انتقام شخصي من الوزير الذي قيل إنه يعترض على مخطط ترامب إشعال المنطقة عبر قصف إيران، والذي وصل الخلاف بينهما إلى التلويح بتقديم استقالته قبل أن يقيله ترامب بأيام قليلة.
من الواضح أن مرحلة الانتقال من إدارة ترامب إلى إدارة بايدن لن تكون بالطرق السلمية التقليدية السلسة المعروفة منذ عقود طويلة، كونها من المرجح أن تشهد الكثير من المفاجأت والاضطرابات، وسيتجاوز شعور القلق حيال عملية الانتقال تلك الشارع الأمريكي المترقب لأعمال فوضى محتملة، إلى قلق عالمي لا سيما منطقة الشرق الأوسط، لتبقى الأيام الـ 63 الباقية في حكم ترامب خارج كافة التوقعات، في ظل سيناريوهات مفتوحة على كل الأصعدة.
*محرر صحفي في موقع نون بوست.
المصدر: نون بوست.
مصدر الصور: أرشيف سيتا + DW.
موضوع ذا صلة: ترامب وإيران.. الضغط والعقوبات للحصول على “صفقة”