حوار: سمر رضوان
إختتمت في تونس فعاليات الحوار بين الفرقاء الليبيين بمختلف اطيافهم بإشراف أممي، على أن تستأنف الأسبوع المقبل في مؤشر إلى صعوبة إخراج البلاد من نزاعات مستمرة منذ عقد من الزمن.
حول فعاليات “ملتقى تونس” وما توصل إليه المجتمعين ودور المجتمع الدولي والصلة بصعود المرشح الرئاسي جو بايدن وغيرها من القضايا المترابطة، سأل “مركز سيتا” الأستاذة هند الضاوي، الصحفية والباحثة في القضايا الإقليمية – مصر، عن هذه المواضيع.
خارج التوقعات
كان “ملتقى تونس”، ومنذ بدايته، محل تشكيك الكثير من القوى الوطنية داخل ليبيا لأن الأسماء التي تم ترشيحها لتمثيل الشعب الليبي، عليها بعض علامات الإستفهام، حيث قال البعض إن هذه الأسماء يغلب عليها “الإسلام السياسي”، والفريق الأكبر منها ينتمي لتنظيم “الإخوان المسلمين”، وأن إختيارهم للتمثيل غير دقيق بالنسبة للمناطق والقبائل الليبية؛ وبالتالي، أعتقد أن المؤتمر لم يتم الإعداد له بشكل جيد من قبل ستيفاني ويليامز، رئيسة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، وفريقها.
ومن المفترض أن غاية المؤتمر هي الحوار والنقاش، لكن عندما بدأت الفعالية بشكل رسمي، بدأ الحديث حول أن يكون المؤتمر هو المرجعية الأعلى في ليبيا، وينتج عنه عدة مجالس، رئاسي ونواب وربما حكومة، ويجهز للإنتخابات القادمة، سواء كانت برلمانية أو رئاسية. بداية، لم يتم التطرق إلى هذه الأمور أو حتى النقاش حولها؛ بالتالي، تفاجأت بعض القوى السياسية، سواء من الوفد المشارك أو من خارجه، بأن ما أسند إلى هذا المؤتمر أكبر بكثير من التوقعات، وهذه نقطة أولى.
أما النقطة الثانية، فتكمن في أن من حضر الملتقى هم من قيادات الصفين الثاني والثالث، وحدثت بينهم العديد من الخلافات. على سبيل المثال، حدث خلاف حول المناصب العليا والقيادية ومن سيتولاها، حيث خرجت جماعة مصراتة تحدثت بأن لها الأولوية وأن يكون رئيس المجلس منها وهي من ترشح إسم متولي المنصب. أما منطقة طرابلس، فلقد هناك ترشيح لإسم فتحي باشاغا، وزير الداخلية الحالي في حكومة الوفاق، فيما مناطق غرب ليبيا تحدثت بالسير في إعادة تنصيب رئيس حكومة الوفاق، فائز السراج؛ بالتالي، لم يأتِ المؤتمر بأي جديد بل قسم المقسم، حيث كشف بأن المجتمعين لم يكونوا كتلة واحدة، إذ ظهر بيمهم تنافس واضح مدعوم من قوى إقليمية مختلفة لهم، بعكس ما كان متوقعاً.
عرقلة واضحة
أدت كل هذه الأمور بالنهاية إلى عرقلة الحل في ليبيا، ولكن لماذا؟ هل كان للأمر تأثير بمجريات السياسات الدولية الخارجية؟ بالطبع نعم، فالإعداد للمؤتمر بدأ قبل موعد الإنتخابات الأمريكية، وكان من المتوقع أن يبقى الرئيس دونالد ترامب لولاية ثانية، حيث مارست إدارته ضغط كبير في المرحلة الأخيرة على قوى “الإسلام السياسي” في الغرب للدخول في مفاوضات تحل الأزمة الليبية بعد أن تدخل الجانب التركي بشكل أصبح يهدد المصالح الغربية، وأدى إلى إنقسام القوى الغربية فيما بينها؛ بالتالي، وجدت إدارة الرئيس ترامب ممثلة بوزير الخارجية مايك بومبيو، تحديداً، أن الحل هو إيجاد صيغة سياسية جديدة توقف الإقتتال الداخلي وتحافظ على وقف إطلاق النار، وتضمن خروج كيانات سياسية جديدة هدفها تحجيم الدور الروسي في ليبيا، وأيضاً تروِّض التدخل التركي بشكلٍ كبير وهو ما يحافظ على المصالح الغربية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالتحديد، بما لا يتعارض مع مصالح خلفاء أمريكا، ومن بينهم مصر.
الإنقلاب على التفاهمات
إن ظهور نتائج الإنتخابات الأمريكية وصعود جو بايدن، الذي كان نائباً للرئيس السابق باراك أوباما المعروف بدعمه لـ “الإسلام السياسي” في منطقة الشرق الأوسط، أعطى مساحة لتملص القوى السياسية لغرب ليبيا من الإنقلاب على كل ما تم الإتفاق عليه مسبقاً سواء في مؤتمرات سرت وغدامس والغردقة ومحادثات جنيف وبوزنيقة، حيث كان قد تم الإتفاق على نقاط هامة جداً سواء كان في الملف السياسي أو الأمني والعسكري، حيث شارك فيها رئيس المجلس الأعلى الليبي، خالد المشري. ولكن بمجرد إعلان فوز بايدن، خرج المشري مباشرة ليقول بإن ما تم الإتفاق عليه لا علاقة له بالإتفاقيات العسكرية الموقعة مع الجانبين التركي والقطري، وهذا ما زاد الطين بلة.
من هنا، إعتبر ذلك إعلاناً رسمياً بإنقلاب المشري، كما تلا ذلك عقد إتفاقيات عسكرية جديدة بين المجلس الرئاسي الليبي وبين قطر، على الرغم مما تم الإتفاق عليه، لأنه بموجب الإتفاقيات السابقة، التي أبرمت خلال الشهر الحالي، أن كل ما وقع عسكرياً مع جهات خارجية هي لاغية، وهذا يعني ذهابهم إلى عقد إتفاقيات جديدة وإعلان أن الإتفاقيات الماضية هي ملزمة لجميع الأطراف ولا علاقة لها بالمسار التفاوضي.
أيضاً، أود أن أتكلم هنا عن أن هناك نقاط هامة جداً أدت إلى فشل الملتقى وهي وقف إطلاق النار في ليبيا وإخراج المرتزقة والمقاتلين الأجانب، وهي التي ستكون السبب في فشل كل الحلول السياسية لعدم القدرة بالتوافق على الجهة القادرة بالفعل على إخراج تلك القوات الأجنبية. فمن يملك القوة على الأرض لإخراجهم، سواء كانوا أتراك أو سوريين أو أفارقة أو غيرهم، فهذا الأمر يبقى محل جدل ونقاش كبير، وهو من أهم التحديات التي تواجه ليبيا حالياً.
أثر صعود الديمقراطيين
بإعتقادي، إن من أعطاهم هذه القوة هو صعود بايدن، بالإضافة إلى أنه ليس من مصلحة تركيا عقد إتفاق مصالحة وتوافق سياسي بين الكتل الليبية، على إختلاف مسمياتها، لأن ذلك سيحرمها من كل ما حققته على الأرض سواء كان في ليبيا أو في شرق المتوسط، لأن تحركاتها الآن في شرق المتوسط أتت بناءً على الإتفاقيات البحرية الموقعة مع حكومة الوفاق. وفي حال إلغائها، يصبح التحرك التركي في شرق المتوسط غير قانوني، وهو كذلك.
من هنا، كان من المتوقع أن يصل “ملتقى تونس” إلى هذه النقطة التي لن تتحقق شيئاً بالمعنى الحرفي بسبب الخلافات الكبيرة، حيث سبق إنعقاد الملتقى صدور تصريحات عن كل من المشري والسراج تشكل إنقلاباً ضمنياً معلناً على مخرجات جلسات الحوار السابقة.
بإعتقادي، لدى الولايات المتحدة، سواء من الرئيس ترامب أو بايدن، أهداف معينة في ليبيا؛ الهدف الأول، وهو الهدف الرئيسي وإستمرار ضخ النفط الليبي للحفاظ على الوضع الإقتصادي والصناعي بالنسبة للقوى الغربية، بالإضافة إلى التحكم بسعر النفط بعد العقوبات الأمريكية على النفط الإيراني؛ بالتالي؛ الوضع العام لا يحتمل أن يكون هناك أي مشكلات في تدفق النفط الليبي.
أما الهدف الثاني، فهو إيجاد صيغة سياسية ما تحجم التدخل الروسي في ليبيا حتى لا يتكرر السيناريو السوري مرة أخرى، خاصة أن هناك علاقات جيدة تجمع ما بين موسكو والمشير خليفة حفتر، وقد تحدثت بعض الأطراف في حكومة غرب ليبيا عن وجود دعم عسكري أو لوجيستي كبير مقدم من الجانب الروسي لقوات حفتر، هذا الأمر مقلق بالنسبة لواشنطن وتريد التصدي له بسرعة.
أما الهدف الثالث، أعتقد أنه على الرغم من تولي جو بايدن منصب نائب الرئيس في إدارة الرئيس أوباما، إلا أن سياساته لن تكون متطابقة أو متشابهة معه لأن المتغيرات على الأرض إختلفت، ووضع “الإسلام السياسي” أصبح أضعف بكثير مما كان عليه الحال العام 2011، ولا يمكن أن تتكرر تلك التجربة الفاشلة مرة أخرى بأن “يضع البيض كله في سلة الإخوان المسلمين”؛ بالتالي، سيستمر الوضع على ما هو عليه ولا أتوقع حل قريب في ليبيا لأن الأطراف الموجودة في شمال أفريقيا والمجاورة لليبيا، لا سيما مصر وتونس والجزائر، لم يستغلوا فترة حكم الرئيس ترامب بشكل جيد، لأن المعطيات التي كانت قائمة في حينها لن تتكرر لإيجاد حل سياسي يضمن وحدة البلاد وسلامة الأراضي الليبية وإخراج القوات الأجنبية منها.
حماية الأمن القومي
بالنسبة إلى مصر، لا يقل الملف الليبي أهمية عن ملف “سد النهضة”، بل هو أكثر إلحاحاً لأن الصيغة الدولية التي يتم التعامل من خلالها فيه أكثر تنوعاً وتوسعاً من ملف السد؛ بالتالي، لا يمكن أن نقول إن هناك إغفال أو تراجع للدور المصري في ليبيا، ولكن الفكرة الأساسية أنه كما ترى المؤسسات الأمنية والعسكرية المصرية أن الأمن القومي المصري مهدد إذا إقتربت هذه القوات من خط “سرت – الجفرة”، أو ما يسمى مصرياً بـ “الخط الأحمر”، وما ما سيستدعي تدخلاً عسكرياً مصرياً مباشراً.
وفي سياقٍ متصل، إستطاعت مصر أن تؤمن المنطقة الشرقية كلها، بالتعاون مع الجيش الوطني الليبي، ليصبح وضعها خارج دائرة الخطر. أما ما نجحت كل من قطر وتركيا، بالتعاون مع القوى الغربية على حساب المحور الآخر أي مصر وروسيا والجيش الوطني الليبي، في تحقيقه هو أنهما إستطاعتا إعادة ضخ النفط من جديد دون تقديم تنازلات، وهي النقطة التي أكدت عليها ستيفاني ويليامز في تونس وإعتبرتها أنها “إنجاز ضخم وقوي” وهو توحيد حرس المنشآت النفطية للحفاظ على إستمرار التدفق وهذا يحسب لجانب طرابلس وداعميهم الإقليميين والدوليين لأنهم في النهاية هم حققوا إنجازاً كبيراً يحسب لهم ويعود عليهم بالنفع من خلال عائدات النفط التي ستضخ مرة أخرى في البنك المركزي الخاضع لسيطرة حكومة الوفاق حيث يمكن القول بأنهم قد حققوا هذا الهدف دون أن يكون هناك تنازل مقابل.
الآن، تتجه أعين الجميع نحو البيت الأبيض، لأن سياسات بايدن سيكون لها الأثر الكبير على هذه المنطقة. فحتى هذه اللحظة، لم يستطيع أحد أن يستشرف ماذا يمكن أن يقدمه بايدن لهذه المنطقة، وما هي الأدوات التي سيعتمد عليها، وإلى أي جناح سيميل. لذلك، ستجيب الأيام القادمة عن كل هذه التساؤلات. وإلى أن يتولى بايدن مهامه بشكل رسمي، أعتقد أن كل دولة، سبق وذكرتها، سيكون لها سيناريو خاص للحل في ليبيا.
مصدر الصورة: العرب.
موضوع ذا صلة: ليبيا ما بعد إتفاق جنيف.. هل تنعم بسلام سياسي؟