علاء جمعة
تأتي إستضافة السعودية، نهاية هذا الأسبوع، لأعمال قمة مجموعة العشرين لأول مرة عربياً في أعقاب اإنتخابات أميركية صاخبة رفض الرئيس دونالد ترامب نتائجها، ووسط إنتقادات لما يعتبره نشطاء إستجابة غير كافية من قبل المجموعة لأسوأ ركود إقتصادي منذ عقود. القمة، التي تعقد السبت وتستمر يومين، سيرأسها الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز ستكون إفتراضية بسبب جائحة “كورونا”، بيد أنها فجرت إنتقادات كبيرة لإنتهاكات الرياض المتكررة لحقوق الإنسان.
تأتي أهمية هذه المجموعة من كون الدول الأعضاء فيها، مجتمعة تحوز على حوالي 80% من الناتج الإقتصادي العالمي، ويعيش في دولها ثلثا سكان العالم، وتستحوذ على ثلاثة أرباع حجم التجارة العالمية، وعادة ما ينظر إلى فعالية قمة “مجموعة العشرين” السنوية على أنها الحدث الأبرز والأهم على صعيد الإقتصاد العالمي، وهي بمثابة منتدى رئيسي للتعاون الإقتصادي الدولي حيث تضم قادة من جميع قارات العالم يمثلون دولا متقدمة وأخرى نامية يجتمعون لمناقشة القضايا المالية والقضايا الإجتماعية والإقتصادية.
ماذا سيستفيد العرب؟
تولت السعودية رئاسة مجموعة العشرين في ديسمبر/كانون الأول 2019 تمهيداً لقمة القادة، التي ستُعقد في الرياض يومي 21 – 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2020. وستتولى المملكة توجيه أعمال المجموعة تحت عنوان “إغتنام فرص القرن الحادي والعشرين للجميع”، وستكون المحاور الرئيسية الثلاث لرئاسة مجموعة العشرين بحسب الصفحة الرسمية للمؤتمر هي:
1. تمكين الناس، من خلال تهيئة الظروف التي يتمكن فيها الجميع، خاصة النساء والشباب، من العيش والعمل وتحقيق الإزدهار.
2. حماية الكوكب، من خلال تعزيز الجهود المشتركة لحماية الموارد العالمية.
3. تشكيل حدود جديدة، من خلال تبني إستراتيجيات جريئة وطويلة المدى لمشاركة منافع الإبتكار والتقدم التكنولوجي.
يرى الخبير الإقتصادي والمتخصص في الشأن الخليجي فايز نشوان، في حوار مع DW عربية، أن السعودية تحاول من خلال هذه القمة تقديم صورة عصرية واعدة للعالم من خلال إطلاقها لمشاريع ستهدف إلى تطبيق فعلي للمحاور المطروحة ضمن إجتماع مجموعة العشرين.
وبحسب الخبير الكويتي، فإن السعودية ستعمل على تطبيق مشاريع على شقين؛ الأول، إطلاق مشاريع تعزز دور المرأة وتمكين الشباب داخل المملكة وذلك تحقيقا لرؤية ولي العهد محمد بن سلمان، والثاني إطلاق مشاريع في عدة دول عربية واسلامية من أجل ترسيخ قيادتها في المنطقة ورغبة منها في تحسين سمعتها دولياً. ولفت نشوان إلى أن الأردن، مثلاً، على لائحة الضيوف المشاركين في القمة، وهو ما يعكس رغبة المملكة في مشاركة عربية بالمشاريع الإقتصادية.
دعم مرتقب لليمن والعراق
يؤكد الخبير في الشأن الخليجي أن السعودية ستعمل على مبادرة مساعدات للدول الفقيرة من داخل العالم الإسلامي وخارجه، من أجل التأكيد على الصورة الإنسانية لجهودها، بيد أن دولاً مثل العراق وسوريا واليمن يفترض أن تأخذ حيزاً كبيراً من الخطاب السعودي وذلك لرغبة حكومة الرياض في تحريك هذه الملفات ضمن إشراف دولي. وقال نشوان إنه وبسبب ظروف الجائحة، فإن مسألة توفير اللقاح للدول الفقيرة بالإضافة إلى مساعدة الدول الأقل حظاً في مواجهة أثار “كورونا”، ولا سيما الإقتصادية منها، سيكون بلا شك واحداً من المحاور الرئيسية التي سيناقشها الحضور.
وذكر المنظمون أن دول مجموعة العشرين ساهمت بأكثر من 21 مليار دولار لمكافحة الوباء، بما في ذلك إنتاج اللقاحات وتوزيعها وضخ 11 تريليون دولار لـ “حماية” الإقتصاد العالمي الذي يعاني من تبعات الفيروس، بحسب ما نشرت وكالة الأنباء الفرنسية، لكن المجموعة تواجه ضغوطاً متزايدة لبذل المزيد من الجهد في التعامل مع إحتمالات التخلف عن سداد الديون في الدول النامية. كما أكدت المجموعة على صفحتها الرئيسية مساهمة مجموعة العشرين للقطاع الصحي العالمي وتطوير أنظمة صحية مستدامة متمركزة على الإنسان وتقديم تغطية صحية شاملة، وهو ما يؤكد إستحواذ كيفية مواجهة جائحة “كورونا” على محادثات القمة المرتقبة.
الرياض وملف حقوق الإنسان
تواجه السعودية إنتقادات واسعة من المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان ومن برلمانيين أوروبيين وأعضاء في الكونغرس الأمريكي يعتقدون أنها ليست مؤهلة لإستضافة حدث عالمي مهم كهذا الحدث في ظل سجلها الحافل بالإنتهاكات، سواء على صعيد الحرب في اليمن أو حملات الإعتقال لنساء وقادة رأي وناشطين في مجال حقوق الإنسان، إلى جانب ما يتعلق بقضية إغتيال الصحفي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بإسطنبول، ومسؤولية ولي العهد محمد بن سلمان المباشرة بتوجيه أمر الإغتيال.
وكان من المفترض أن تكون القمة إشارة لعودة سعودية قوية إلى المسرح العالمي. فقد خططت المملكة الثرية لإستضافة قمة كبرى كان من شأنها أن تلقي مزيداً من الضوء على حملة الإنفتاح الطموحة للحاكم الفعلي ولي العهد، بيد أن جائحة “كورونا” حصرت إقامة القمة في شكل افتراضي.
مؤخراً، حث 45 عضوا في الكونغرس الأمريكي، في رسالة مفتوحة، إدارة الرئيس دونالد ترامب على عدم المشاركة في قمة مجموعة العشرين بالرياض “ما لم تتخذ السعودية فوراً إجراءات لتحسين سجلها في مجال حقوق الإنسان”، كما أعربت منظمة “هيومن رايتس ووتش” عن أسفها لعقد هذه القمة لأنه “في الوقت الذي تتعرض فيه النساء الشجاعات للتعذيب بسبب أنشطتهن السلمية، فإن الحكومة السعودية تسعى لتأكيد نفسها على الساحة الدولية كقوة إصلاحية.”
ودعت المنظمة دول “مجموعة العشرين” إلى الضغط على السعودية للإفراج عن جميع المعتقلين بصورة غير قانونية، وتوفير المساءلة عن “الإنتهاكات الجسيمة”، والسماح لهيئة دولية مستقلة بالتحقيق في مقتل خاشقجي، وذلك قبل القمة الإفتراضية للمجموعة.
وبالرغم من محاولات الرياض إستثمار هذا الحدث من أجل تلميع صورتها الدولية وخاصة لسياسة ولي العهد، إلا أن هناك شكوكاً قوية بين البرلمانيين في الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي حول ما إذا كان الإجتماع، الذي ترأسه المملكة، قادر على إحراز تغييرات جدية في سياسة لمملكة الداخلية والخارجية.
وطالب نواب في البرلمان الأوروبي رئيسة مفوضية الإتحاد الأوروبي، أورسولا فون دير لاين، بعدم الجلوس شخصياً امام شاشة الفيديو هذه المرة. وقال عضو حزب العمل البلجيكي، مارك تارابيلا، لـ DW “من الأفضل عدم إرسال وفد رفيع المستوى، بل وفد بسيط قادر على إرسال إشارة قوية إلى السلطات السعودية”. كما أعربت لجنة حقوق الإنسان والمساعدات الإنسانية في البرلمان الألماني عن عميق قلقها بشأن وضع حقوق الإنسان في المملكة، حيث جرت “إصلاحات إجتماعية إنتقائية، ومن ذلك التحرير المحدود لحقوق النساء والقيود الإقتصادية الموضوعة عليهن”، وإنتقدت اللجنة كذلك “التضييق السياسي وملاحقة المعارضين الذين يطالبون بحماية حقوق الإنسان وبالإصلاحات الديمقراطية”.
المبالغة في التوقعات
هذه الإنتقادات لم تجد آذاناً صاغية في الإتحاد الأوروبي، حيث رفضت مفوضية الإتحاد هذه المطالب، فقال إريك مامر، المتحدث باسم المفوضية “نحن لا نحدد جدول إعمال مجموعة العشرين. وتتبع هذه الإجتماعات قواعد وبروتوكولات صارمة للغاية عندما يتعلق الأمر بالحق في الكلام.”
في هذا الشأن، أكد الخبير في شؤون الإرهاب إيف إيكوي أمايزو، عبر مكالمة هاتفية مع DW، شكوكه في قدرة السعودية على تغيير سياستها، وقال إن المزيد من المتشددين يغادرون أفريقيا للقتال في اليمن وذلك لقاء المداخيل العالية التي يحصلون عليها، وهو ما يعكس تمسك الرياض بسياستها الخارجية الحالية.
ويحذر دبلوماسيو الإتحاد الأوروبي من عقد الآمال الكبيرة في التغيير السياسي عبر إجتماع قمة العشرين، ويقولون إن المجموعة ليست مجتمعاً للقيم، بل هي نادي إقتصادي بالأساس. لذلك ومن الطبيعي في نهاية الأمر، أن تلتقي الديمقراطيات الغربية مع دول ذات أنظمة إستبدادية مثل روسيا، وديكتاتورية الحزب الواحد في الصين، والملكية المطلقة للسعودية، وأن تجد أساساً للحوار فما يجمع هؤلاء هي المصلحة حتى وإن كانت وجهات النظر مختلفة.
*المصدر: دي دبليو.
مصدر الصور: صحيفة المواطن – دي دبليو.
موضوع ذا صلة: قمة العشرين “أونلاين”: قرارات واقعية أم إفتراضية؟!