في حين تسببت الأزمة الصحية في تقليل فرص العمل، ترتفع مستويات البطالة طويلة الأمد في العديد من البلدان. وهو ما يشكل قنبلة موقوتة، بحسب المُختصّين.

أوليفيه شوبفر، لديه أكثر من 30 عاماً خبرة في المحاسبة ويبحث عن عمل، منذ ديسمبر/كانون الأول 2018. بعد تعيينه من قبل محاسبة قانونية، نهاية العام 2019، فوجئ هذا المقيم في كانتون فو (غرب سويسرا) بانهاء عقده بعد شهر واحد من استلام وظيفته، لأسباب اقتصادية. ويقول الرجل الخمسيني لإذاعة سويسرا الدولية “هذه الشركة كانت تعمل كثيراً مع أصحاب المطاعم، وعندما بدأت الأزمة، قالت لي إنه لم يعد باستطاعتها تغطية راتبي”.

وكما هو الحال في سويسرا، فرضت العديد من الحكومات تدابير حجر صحي بدرجات مختلفة من الصرامة، منذ ربيع العام 2020، لمكافحة جائحة “كوفيد ـ 19″، مُعطِّلة بذلك قطاعات كاملة من اقتصادها. وفي مناخ عام يسوده الشك، أرجأت العديد من الشركات التوظيف إلى وقت لاحق، في حين اضطرت الشركات الأخرى، التي واجهت صعوبات فورية، إلى تسريح الموظفين على عجل.

وتطورت أرقام البطالة بشكل مختلف من بلد إلى آخر، بحسب بُنية سوق العمل فيها، ومدى القيود الصحية المفروضة وآليات الحفاظ على الوظائف المعتمدة. ولكن في عام واحد، ارتفعت أرقام البطالة في جميع الدول تقريباً.

في سويسرا، يبقى معدل البطالة منخفضاً لكنه سجل في يناير نسبة قياسية، منذ ربيع العام 2020، حيث وصلت النسبة إلى 5% بحسب مكتب العمل الدولي – BIT، و3.7% وفقاً للتعريف الأكثر تقييداً الذي وضعته أمانة الدولة للشؤون الاقتصادية – SECO، التي لا تحسب سوى الأشخاص المسجلين في أحد مكاتب التوظيف.

وبينما يبدو من الصعب تخيّل تحسن حقيقي في فرص العمل على المدى القريب، يزداد القلق خشية أن تستمر فترة البطالة هذه لعدة أشهر، وحتى لأعوام، لدى شريحة كاملة من السكان.

ارتفاع تاريخي لمعدل البطالة على المدى الطويل

تشير مقالات صدرت مؤخراً في الصحافة الدولية إلى الارتفاع التاريخي لنسبة العاطلين عن العمل لمدة طويلة في نهاية العام 2020 “أكثر من حوالي 500 ألف عاطل عن العمل لمدة طويلة” في ألمانيا، +37% على مدى عام واحد في النمسا، +52% في إسبانيا… أما في فرنسا، فهذه الحالة تطال 3 ملايين شخص، “المستوى الذي لم نشهده قط”.

ويُقال عن البطالة أنها “طويلة الأمد” اعتباراً من عام واحد. والمعطيات المُتاحة، التي تعود في معظمها إلى الربع الثالث من العام 2020، لا تعكس بعد آثار الموجة الثانية. ومع ذلك، نلاحظ أن هناك اتجاهاً تصاعدياً تقريباً في جميع الدول، باستثناء اليونان بشكل خاص – التي كان معدل البطالة لأكثر من 6 أشهر فيها من أحد أعلى المعدلات قبل الأزمة، وفي كوريا الجنوبية ـ التي يُشار إليها غالباً على أنها “طالبة مطيعة” في إدارتها للجائحة.

البطالة الجزئية استمرت بالتصاعد

بالنسبة لرافائيل لاليف، أستاذ الاقتصاد في جامعة لوزان وفي مركز مؤسسة من أجل المجتمع – E4S، تُشير هذه الأرقام إلى أن البطالة طويلة الأمد قد تزداد أكثر في الأشهر القادمة. ومع ذلك، يقول هذا المتخصص في محاولة منه للتخفيف “تدهور سوق العمل لم يشهد حتى هذه اللحظة الانفجار الذي كنا نخشاه”.

في أوروبا، يبدو أن هناك سياسة عامة قد ساهمت بشكل خاص حتى الآن بالحد من وقوع الأضرار؛ وأفضل مثال على ذلك البطالة الجزئية، وهي تخفيض ساعات العمل ويرمز لها في سويسرا بـ RHT، التي تتمثل بتقديم الدعم للشركات لتعويضها عن ساعات العمل الضائعة، بهدف تجنب تسريح الموظفين.

لقد استفاد أكثر من 1.3 مليون شخص في سويسرا و32 مليون أوروبي، أي حوالي ربع السكان العاملين، من آلية من هذا القبيل خلال الموجة الأولى، في أبريل/نيسان 2020. في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، كان حوالي 300 ألف شخص ما زالوا متضررين في سويسرا. ولكن، بهذه الطريقة تمّ الحفاظ على جزء من الوظائف “بشكل مصطنع” وسيكون الخروج أمراً صعباً، حسبما توقَّعت صحيفة “لو فيغارو” الفرنسية.

في كل من الولايات المتحدة وكندا حيث لا توجد تدابير من هذا النوع، تقترب نسبة البطالة طويلة الأمد من الرقم القياسي المُسجّل خلال الركود الاقتصادي الذي شهدته البلاد، العام 2010. وعلى الرغم من ذلك، ينوه الخبير الاقتصادي رافائيل لاليف إلى أن “عدداً من الموظفين يعلمون أنه سيتم الاتصال بهم حالما بدأ أرباب عملهم بالتوظيف من جديد”.

شبح الإقصاء

بالنسبة للبعض، هذه البطالة ليست سوى مرحلة، ستنتهي حال وضوح الأفق. ولكن البعض الآخر مصيرهم إقصاء طويل الأمد من سوق العمل. ويشير الأستاذ لاليف إلى أن البطالة طويلة الأمد هي المؤشر الذي يتحسن في الأخير، عندما يعود الانتعاش.

وأظهرت العديد من الدراسات أن الأشخاص الذين يظلون دون عمل لفترة طويلة لديهم فرص أقل للعثور على وظيفة جديدة. وفي ظل الوضع الاقتصادي تزداد الأمور تعقيداً؛ فالوظائف بأجور منخفضة والتي لا تتطلب كفاءات عالية، التي تُعتبر الوسائل التقليدية لإعادة الاندماج في سوق العمل، هي “من أكثر الوظائف التي يصعب الحصول عليها اليوم، لأن العديد من الوظائف قد تم إلغاؤها” على حد قول بونوا غايار، أحد المسؤولين عن الاتصالات والحملات في اتحاد النقابات السويسرية.

عندما تستمر البطالة لفترة طويلة يمكن أن تترك آثاراً مادية ونفسية خطيرة، وقد تزيد من احتمال زيادة عدد المستفيدين من المساعدات الاجتماعية وحالات الإقصاء.

في هذا الصدد، يُعرب اتحاد النقابات السويسرية عن خشيتها من زيادة الفوارق بين الأشخاص الذين لم يتأثروا كثيراً بالأزمة وأولئك الذين سيبقون بعيدين عن سوق العمل لفترة طويلة وستتراكم عليهم الصعوبات المادية لعدة أشهر، خاصة وأنهم غالباً ما يكونون من ذوي الدخل المنخفض. ويُحذّر بونوا غايار قائلاً “يمكن أن يُصبح لدينا أُناس يُعانون من أضرار جسيمة جراء هذه الفترة ولمدة طويلة”.

المصدر: إذاعة سويسرا الدولية.

مصدر الصور: الجزيرة – الحرة.

موضوع ذا صلة: كيف تنقذ ألمانيا شركاتها من الإفلاس في زمن “كورونا”؟*

بولين توروبان

اختصاصية في رواية القصص وفك رموز ما يحدث في سويسرا وحول العالم من خلال البيانات والإحصاءات. مقيمة في سويسرا كمغتربة منذ عدة سنوات، وعملت سابقاً في الصحافة مُتعددة الوسائط في التلفزيون السويسري العمومي الناطق بالفرنسية.