أحمد الفيتوري*

ابتكار المملكة الليبية المتحدة يُعد معجزة، ساهم في تحقيقها شخصية إدريس السنوسي (الملك)، بعد نضال مسلح ضد المستعمر الإيطالي، ثم قرار الأمم المتحدة الرقم 289 لسنة 1949 باستقلال ليبيا.

وقامت الأمم المتحدة، عبر مبعوثها السامي الهولندي أدريان بلت، بالإشراف على تنفيذه. من يتذكر ذلك سيدرك أن المسألة الليبية كما الحجر الأساس المنسي. ووفق المثل اليوناني، الحجر هو قاعدة للبناء. ولعلّ ذاك ما جعل المسألة الليبية دولية، يتخاصم حولها المتخاصمون على الرغم من بعدهم المكاني. فالموقع الجيو سياسي الليبي هو ما جذب الدول المتضاربة المصالح والنفوذ، وكل منها يدعى أن له في الكعكة نصيباً. وهذا ما حول ليبيا إلى مشكل يتعقد كلما زادت الخلافات بين تلك الدول، من الولايات المتحدة إلى روسيا، ومن ألمانيا إلى تركيا. عدا دول الجوار، كفرنسا وإيطاليا ومصر والجزائر.

ما تقدم من لزوم ما يلزم، لفهم أن ليبيا الدولة الوحيدة، من دول الربيع العربي، من صدر قرار أممي في مارس/ آذار 2011، الرقم 1973 من مجلس الأمن، لحماية المدنيين فيها من قوات حاكم ليبيا الديكتاتور معمر القذافي. فنتج منه تحالف دولي، وتدخل قوات أجنبية، جعل من ليبيا مسألة دولية للمرة الثانية في تاريخها، أي منذ مارس/ آذار 2011 حتى اليوم.

اليوم، نجد ليبيا على عتبة بوابة الخروج من أزمتها الدولية المنشأ، وإن بمخرجات محلية، ولعلّ هذا الزخم الدولي، خصوصاً الأورو- أميركي، في الاهتمام بها، يُوكد أن “المعجزة الليبية” تحتاج دائماً إلى محيط دولي، كما في نشأتها أو تأزيم أزمتها، وفي حلّ عُقدتها. وكي نتبين هذا الأمر، نشير إلى ما تناقلته الأخبار كفقرات، من مذكرات الرئيس الأميركي باراك أوباما، المسؤول الأول عن التدخل في ليبيا 2011. فوفق “ما نقلت وسائل إعلام فرنسية، ضمّت المذكرات فصلاً خاصاً حول ثورات الربيع العربي، خصوصاً في ليبيا التي يحتفظ أوباما فيها بذكريات سيئة حول التدخل العسكري فيها، حين أعرب عن انزعاجه من أنه تورّط من الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي، ورئيس الوزراء البريطاني السابق ديفيد كاميرون”.

المعلوم أن هذا التوريط للدولة الكبرى كان قد صرح به أوباما سابقاً، وأن تقاذف كرة النار تبادلها الكبار قبل الصغار. لكن، ما بعد مؤتمر برلين في يناير/كانون الثاني 2020، ومع المشروع التنفيذي للأميركية ستيفاني ويليامز للسلام، دخلت المسألة الليبية مرحلة أخرى هي غير اتفاق الصخيرات 2015. ما كان تحت بند الحلّ اللاحلّ. وقد تمظهر مشروع ستيفاني في مسارات أربعة: الخارجي، العسكري، الاقتصادي والسياسي. ما تم بالنسبة إلى الأول، يوضحه ما الإنجاز في المسارات الثلاثة، خصوصاً العسكري، أي أن هناك خريطة دولية بإشراف أميركي وُضعت، وما يتم إنجازه على الأرض، تنفيذ لها ليس إلا.

المتابع لما اتُفق عليه في المسارات الثلاثة يتبين نجاحات مطّردة، وأن التركيز على الجزء الفارغ من الكوب، هو من دواعي الخصومة، إذ إن كل خصم يضع العصا في الدواليب، لأجل دعم نصيبه من الكعكة، لكنها تخرّصات وإشاعات لا تتخطى هذا. فالإستراتيجية واحدة وإن اختلفت التكتيكات. أما على الأرض، ففي التفاصيل، توضع كل يوم لُبنة من الإجراءات العملية. ما يسهل حلّ معضلة استرداد الدولة كيانها، بل والصحيح أنشاؤه على مقومات أفضل مما كان عليه منذ انقلاب 1969.

من نافل القول أن لا أحد يستطيع الجزم، فالولايات المتحدة بذاتها تعاني من غصّة الانتخابات، وثمة مبعوث أممي لليبيا جديد، هو الدبلوماسي البلغاري نيكولاي مالادينوف، الذي تدعمه واشنطن، إضافة إلى منغّصات قارية أُخر كالحرب الأهلية الإثيوبية. لكن ما أشرت إليه قد يعرقل، أي يؤخر تدفق الحلّ، لكن لا يوقف هذا المسار السلمي الذي يخطو حثيثاً كما لم نرَ سابقاً، وسيذهب قدماً، خصوصاً أن فك ارتباطه بمسائل الإقليم المعقدة، أو ما كان في المقدمة، لأجل خلق مستقرٍ لمنطقة فوهة البركان تُسمى الشرق الأوسط.

*كاتب وصحفي – ليبيا.

المصدر: الإندبندنت.

مصدر الصورة: الإندبندنت.

موضوع ذا صلة: الضاوي: نقاط رئيسية أدت إلى فشل “ملتقى تونس”