إعداد: مركز سيتا
بعد ثماني سنوات من الجدل حول التفاصيل، تم توقيع اتفاق الشراكة الإقتصادية الإقليمية الشاملة، الذي تدعمه الصين والذي يعد بمثابة تحول في مساعي الأخيرة لتوسيع نفوذها في جميع أنحاء منطقة جنوب شرقي آسيا والمحيط الهادئ، ما يؤشر إلى قدرتها على ضبط نطاق التجارة الآسيوية.
فبعد مرور 8 أعوام على ما وصفه وزير التجارة الماليزي محمد عزمين علي بأنه “تفاوض بالدم والعرق والدموع”، حققت الدول المتبقية انتصاراً يحسب لصالح التعاون الإقليمي في وقت دمرت فيه جائحة “كورونا” الإقتصاد العالمي.
في التفاصيل
تم توقيع الإتفاق إفتراضياً في ختام قمة لقادة دول جنوب شرق آسيا الساعين لإنعاش اقتصاداتهم المتضررة جراء جائحة “كورونا”، حيث وقعت 15 دولة من منطقة آسيا والمحيط الهادئ إتفاق “الشراكة الإقتصادية الإقليمية الشاملة”، وهو أكبر إتفاق للتجارة الحرة على مستوى العالم، خصوصاً وأنه سيعزز نفوذ الصين عالمياً، في حين أن الدول المنضوية تحته تساهم بنحو 30% من إجمالي الناتج المحلي العالمي.
في العام 2012، تم إطلاق الإتفاق بين كتلة آسيا المكونة من 10 أعضاء، بالإضافة إلى الصين واليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا ونيوزيلندا، وكان من المقرر أن تقوم الهند بالإنضمام إليه، لكنها عادت وتمنعت العام 2019. وحتى من دون مشاركة نيودلهي، يشمل الإتفاق ما مجموعه 2.1 مليار نسمة.
ومن أهدافه الأساسية، خفض التعريفات وفتح التجارة في قطاع الخدمات وتشجيع الإستثمار لمساعدة الإقتصادات الناشئة على اللحاق ببقية العالم، كما من شأنه أن يخفض التكاليف ويسهل الأمور على الشركات عبر السماح لها بتصدير المنتجات إلى أي بلد ضمن التكتل دون الحاجة للإيفاء بالمتطلبات المنفصلة لكل دولة، ويتطرق إلى الملكية الفكرية، لكنه لا يشمل حماية البيئة وحقوق العمال.
وعن مسألة التجارة الإلكترونية، أفاد كبير خبراء إقتصاد منطقة آسيا والمحيط الهادئ لدى “آي.إتش.إس ماركت”، راجيف بيزواس، بأنه “من المرجح أن تكون التجارة الإلكترونية من المجالات الرئيسية ذات الأولوية لمزيد من المفاوضات”.
يعد الاتفاق مهماً بشكل أساسي لأنه يضع قواعد تجارية جديدة للمنطقة، ويحظى بدعم الصين لكنه لا يشمل الولايات المتحدة.
تباين في الآراء
رأت مجلة “الإيكونوميست” الأمريكية أن الإتفاق يعد أكبر غتفاقية تجارية متعددة الأطراف في العالم، مضيفة أنه لا يبشر بتحرير دراماتيكي للتجارة الآسيوية لأنه عبارة عن إجراء تنظيمي لإدراج مختلف إتفاقيات التجارة الحرة بين رابطة دول جنوب شرق آسيا – آسيان.
ويرى الخبير التجاري لدى كلية الأعمال التابعة لجامعة سنغافورة الوطنية، ألكساندر كابري، أن الإتفاق “يرسخ طموحات الصين الجيو – سياسية الإقليمية الأوسع حيال مبادرة حزام وطريق”، ما ذكره الخبير يأتي في سياق مشروع بكين الإستثماري الهادف إلى توسيع نفوذها عالمياً، في وقت تواجه فيه العديد من الدول الموقعة تفشياً واسعاً لفيروس “كورونا” المستجد وتأمل في أن يساهم الإتفاق بالتخفيف من وطأة الكلفة الإقتصادية الكبيرة للوباء.
أيضاً، يُنظر إلى الإتفاق على أنه وسيلة للصين لوضع قواعد التجارة ضمن المنطقة بعد سنوات من تراجع دور الولايات المتحدة، لا سيما فيها خلال عهد الرئيس دونالد ترامب الذي شهد إنسحاب واشنطن من إتفاق تجاري ضخم وهو “إتفاق الشراكة عبر المحيط الهادئ”. من هنا، يقول بعض المراقبين أنه من المحتمل أن تركز تقوم الإدارة الأميركية الجديدة، في ظل ولاية الرئيس المنتخب جو بايدن، بشكل أكبر على منطقة جنوب شرقي آسيا، رغم أنه لا يزال من غير الواضح ما إذا كان يرغب في عودة تفعيل إتفاقية الشراكة عبر الهادئ مجدداً.
أما إنسحاب الهند، فمرده إلى مخاوف بشأن دخول البضائع الصينية الرخيصة إلى البلاد، لكنها تستطيع الإنضمام في وقت لاحق إذا اختارت ذلك، إذ أعربت نيودلهي عن مخاوفها بشأن مشكلات الوصول إلى الأسواق حيث الخوف من تعريض المنتجين المحليين لضربة شديدة إذا ما أُغرقت البلاد بالسلع الرخيصة.
الرابح الأكبر
بالنسبة إلى اليابان، فإنها ستبقي على رسوم إستيراد عالية على بعض المنتجات الزراعية “الحساسة سياسياً”، على غرار الأرز والقمح ولحم البقر ولحم الخنزير ومنتجات الألبان والسكر التي سيتم إلغاؤها بموجب إتفاقية الشراكة العابرة للمحيط الهادئ. في المقابل، يفتح الإتفاق آفاقاً جديدة لتنسيق أحكام قواعد المنشأ المتباينة في مختلف إتفاقيات التجارة الحرة لرابطة جنوب شرق آسيا، ووضع قواعد المحتوى الإقليمي بحيث يمكن الحصول على السلع الوسيطة من البلدان الـ 15. نتيجة لذلك، من المتوقع أن يكون لهذه الشراكة تأثير إقتصادي ملحوظ.
في هذا المجال، تستشهد ورقة بحثية من معهد بيترسون للإقتصاد الدولي، كتبها بيتر بيتري ومايكل بلامر، بالنمذجة التي تظهر أن الإتفاق سيرفع الناتج المحلي الإجمالي العالمي في العام 2030 بمعدل سنوي قدره 186 مليار دولار، وتبين الورقة بأن الفوائد ستكون كبيرة بشكل خاص بالنسبة لكل من الصين واليابان وكوريا الجنوبية، وستعزز أيضاً الجهود التي تبذلها الدول الثلاث للتوصل إلى إتفاقية التجارة الحرة الثلاثية الخاصة بها، في وقت هي غارقة فيه بتوجيه الإتهامات السياسية المتبادلة.
كما ستستفيد الصين من عدة نواحٍ أخرى. فبالإنضمام إلى أول إتفاقية تجارية متعددة الأطراف، يمكن لبكين أن تقدم نفسها على أنها ملتزمة بتحرير التجارة، في وقت تبدو فيه واشنطن منفصلة نسبياً عن المنطقة، ولا تزال تخوض حرباً تجارية مع بكين، حيث وصف رئيس الوزراء الصيني، لي كه تشيانغ، عند الإحتفال بالتوقيع على الإتفاق بأنه “إنتصار تعددية الأطراف والتجارة الحرة”.
أخيراً وبالنسبة لآسيان، تعتبر هذه الإتفاقية بمثابة إثبات لنهجها التدريجي البطيء للمفاوضات في كل ما يتعلق بالتجارة إلى بحر الصين الجنوبي لكن على المدى الطويل، في حين يشعر بعض أعضائها بالقلق من الإنجراف إلى عالم قد تهيمن فيه الصين إقتصادياً وسياسياً وعسكرياً على آسيا.
لهذا السبب، يأمل أعضاء آسيان في أن تعود الولايات المتحدة، تحت إدارة الرئيس المنتخب، إلى المشاركة بنشاط أكبر في المنطقة والذي كان السبب وراء سعي إدارة الأسبق، باراك أوباما، لتوقيع إتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ.
مصدر الأخبار: سيتا + وكالات.
مصدر الصور: إندبندنت عربية – فوربس.
موضوع ذا صلة: “الصين 2025” (1/2)