د. عبدالله الأشعل*

تعتبر “صفقة القرن” هي نهاية المشروع الصهيوني لتفريغ فلسطين من الفلسطينيين وإعدادها لإستقبال كل يهود العالم وذلك فى عصر رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، الذى يريد أن يقف على درجة أعلى من ثيودور هرتزل ديفيد بن غوريون وغيرهما من بناة المشروع الصهيوني وإسرائيل. لذلك، فإن نتنياهو قد حصل على أغلبية كبيرة في الإنتخابات التشريعية وهذه قاعدة عامة في إسرائيل حيث يعلو المرشح كلما كان إسهامه في المشروع مؤكداً.

وبين هرتزل ونتنياهو هناك “أبطال” لهذا المشروع، ظاهرون وفي الخفاء، وهذه قصة لعبقرية اليهود وإنحطاط العرب عبر أكثر من قرن، كما أنها دليل قاطع على أن السيطرة على الحكام العرب كفيل بالسيطرة علي الأوطان والشعوب العربية. ولهذه القاعدة تطبيقات عملية متعددة في المنطقة العربية أبرزها أن إسرائيل تقف بصلابة ضد أي حاكم يريد أن يكون وطنياً أو مستقلاً، كما تحبط كافة محاولات الشعوب كي تدخل ضمن العملية السياسية في بلادها، والشاهد القريب على ذلك هو موقف إسرائيل من ثورات الشعوب العربية.

تتلخص الصفقة في طرد الفلسطينيين من أرضهم وإحلال يهود العالم محلهم تحت ذرائع دينية وتاريخية مزيفة ومصطنعة، وبالكثير من المؤامرات والآلاعيب، واختراق المنطقة العربية وإعطاب العقل العربي.

فالصفقة ليست خياراً للفلسطينيين والعرب أو تسوية بينهما، لكنها إستمرار لسياسة الأمر الواقع التي نجحت إسرائيل في فرضها على المنطقة طوال سبعين عاماً. إنها إملاء إسرائيلي على الولايات المتحدة والعرب، فهي ليست خطة نظرية وإنما نفذ الكثير منها قبل إعلانها، إذ أن التأخر في الإعلان عنها كان سببه تنفيذ المزيد من بنودها استمرارا للتدليس على الشعوب العربية. ولذلك، يجب أن يُقرأ قرار جامعة الدول العربية الرافض للصفقة في هذا الإطار بإفاضة إلى تصريحات العرب حول الموضوع نفسه لأن إسرائيل أوضحت أن الصفقة هي عبارة عن تفاهمات تمت مع أطراف عربية في المنطقة بحيث تعاهدت هذه الأطراف بحل مشكلة إسرائيل وتقديم الأرض والمال لتوطين الفلسطينيين، والأهم هي الإشارة إلى أن ما يسمى بالحقوق الفلسطينية، مثل حق العودة واللاجئين وغيرها، ليست سوى “أوهام” اخترعها العرب كي تنطلى على الشعوب العربية.

لكن الطرف الفلسطينى تعنت في قبولها أو على الأقل خشى من ردود الأفعال، إذ تم تهديد الرئيس الفلسطيني، محمود عباس – أبو مازن، بأن مصيره سيكون مصير الرئيس الراحل ياسر عرفات أو سيتم إستبداله بشخصية فلسطينية مستعدة لقبول الصفقة إذ لم يشترك بالطبع الجانب الفلسطيني في مشاورات اعداد بنودها. ووفقاً لنص الإعلان الأمريكي، فإن الصفقة تقضتي المرور بمرحلتين؛ المرحلة الأولى، اجرائية مؤقتة. أما المرحلة الثانية، فنهائية.

بالنسبة إلى المرحلة الإجرائية، فإنها ستستمر أربعة سنوات يتم خلالها التفاوض مع أي طرف فلسطيني، علماً بأن إسرائيل تنفذ ما ورد في الصفقة يومياً حيث تقضي بضم المستوطنات في الضفة والإنفراد بها، وضم غور الأردن، وترتيب القدس كعاصمة أبدية خالصة لإسرائيل وطرد الفلسطينيين الداخل بالتدريج. وخلال المرحلة الإنتقالية، يتم إنشاء دولة فلسطينية مؤقتة تضم جيوباً سكانية فلسطينية وسط الكتلة اليهودية، على النحو الذي أبرزته الخريطة المرفقة بالإعلان الأمريكي، وهذه الدولة المؤقتة ستكون منزوعة السيادة وتحت حماية إسرائيل وعاصمتها قرية أبو ديس، في أطراف القدس الشرقية. فلقد ضمت خصيصاً إلى القدس من الضفة منذ عدة عقود عندما بدأت إسرائيل بعمليات الإستيطان في شرق المدينة بعد الإستيلاء عليها في العام 1967 بعد أن إستوطنت القدس الغربية في العام 1949 ونقلت إليها مظاهر سيادة الدولة مما يؤكد وضوح الخطة لدى إسرائيل، ولكنها تنفذها بالتدريج كلما سمحت الظروف.

من الطبيعي في ضوء هذا التصور أن لا يكون هناك مكان لعودة اللاجئين، بينما تم الترتيب للحصول على تعويضات لليهود العرب الذين طردوا من بلادهم، في مقابل دفع دول عربية أموالاً لتوطين الفلسطينيين من الضفة والقدس بعد طردهم وبعد أن أوقفت واشنطن حصتها في وكالة غوث اللاجئين – الأونروا إذ أعلن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في العام 2017 عن ضم القدس والجولان لإسرائيل.

هذه الخطة وضعها نتانياهو مع جاريد كوشنر، صهر الرئيس ترامب، وكبير مستشاريه وهو الذي تولى سلسلة المشاورات مع الأطراف العربية.

يبدو أن رفض الدول العربية والإتحاد الأوروبي ودولاً أخرى للصفقة مسألة شكلية. ورغم تقدير الكثير من الدوائر بأن الصفقة لن تمر، إلا أن إسرائيل تنفذ هذه الصقة يومياً، كما سبق وذكرنا، وسيتم تنفيذها بالتدريج وسط اللغط العربي والإنقسام الفلسطيني. وإذا كان من السهل رفض الصفقة، فإن المعضلة هىتكمن في القدرة على وقف تنفيذها على الأرض. ولذلك، كتبنا مراراً عن الكثير من الأفكار التي تجلي الوعي العربي في هذه المرحلة موضحين الآثار الميدانية والقانونية المترتبة على الصفقة وبخاصة أثرها على قواعد العلاقات الدولية، وشكل النظام الدولي، ومستقبل الأوضاع في المنطقة العربية وكذلك مستقبل الموقف الفلسطيني المنقسم.

إن نقطة البداية في مواجهة الصفقة، قبل المواجهة العملية، هي وحدة الصف الفلسطيني ومن ثم رفع الوعى لدى الشعوب العربية لأنها تستطيع أن تكون “حائط الصد” ضد إنتصار المشروع الصهيوني الذي “ينهش” الجسد والهوية العربية. لذلك، يجب أن ينشط المفكرون العرب، الذين ملؤوا الدنيا ضجيجاً حول العروبة والقومية والوحدة، ليضعوا خطة عملية توقف هذا المشروع وتحبطه. بالطبع، هناك بعض الأصوات التي تسهل قبول الصفقة من الناحية النظرية تحت ذرائع متعددة.

إن هذه الصفقة لا تحتاج إلى مفاوضات لأنها خطة تملى من طرف واحد، كما أنها لا تؤدي إلى أى تسوية وإنما تسلم فلسطين لليهود “على طبق من فضة” وأن كان ذلك يتم تحت حجب وألاعيب لا تنطلي على أحد. كما أن الحديث عن التمسك بالمبادرة العربية، حتى لو كان حسن النية، هو نوع من “السذاجة” مفرطة، وإن كان سيئ النية فإنه ذلك لم يكون غريباً على من يرفعون هذا الشعار.

يبقى يقيني بأن الهجمة الصهيونية، التي تختلف عن الهجمات السابقة عبر التاريخ والتي تستهدف هوية المنطقة وأرضها، ستندحر من خلال وعينا والعمل الدؤوب والإصرار على التمسك بالهوية. “فأما الزبد في ذهب جفاءاً وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض”.

*سفير سابق ومساعد وزير الخارجية المصري الأسبق.

مصدر الصور: البوابة – ميدل إيست أونلاين.

موضوع ذا صلة: هل تصلح “المبادرة العربية للسلام” بديلاً عن “صفقة القرن”؟