د. عبدالله الأشعل*
نشر مركز بيغن – السادات للأبحاث الإستراتيجية – BSCS، في 26 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، الورقة رقم 1831 بقلم ديمتري شوفوتينسكي.
تعرض الورقة تصور الكاتب لكيفية إشعال الحرب الأهلية في لبنان، وهي الحل الأمثل لإسرائيل وحلفائها من العرب للتخلص من حزب الله وإيران وتركيا، التي تتقدم في سوريا ولبنان على حساب إيران وتريد أن تعيد إحياء الدولة العثمانية. أكدت الورقة على أن أنقرة دمرت قوة الصفوة لحزب الله في إدلب، وتسعى إلى تسليح السنَّة ضد كل من المسيحيين والشيعة؛ بذلك، تقوم الحرب الأهلية بين الكتل الثلاثة: السني – المسيحي – الشيعي، فيصبح لبنان “آمناً” على كل من إسرائيل وحلفائها.
بالنسبة إلى المسيحيين، فستقوم قبرص واليونان وإسرائيل وبعض دول الخليج بمساعدتهم، لا سيما الأرمن منهم؛ وبذلك، يتمدد الصراع الإسلامي – الأرمني من ناغورنو كاراباخ إلى لبنان، فتقوم إيران بمساعدة الشيعة، وتحديداً حزب الله، بينما تركيا تساعد سنَّة لبنان.
هنا، تستدرك الورقة بالقول أن إشعال حرب أهلية في لبنان يقف وراءها أطراف ثلاثة؛ تركيا وقطر مع السنَّة، وإيران مع الشيعة، إسرائيل والسعودية والإمارات مع المسيحيين، بالإضافة إلى أعداء تركيا في البحر المتوسط، وهم كُثر مثل اليونان وقبرص الجيش الوطني الليبي (بقيادة المشير خليفة حفتر) وفرنسا. وتستطرد الورقة للقول بأن الحَراك اللبناني موجه ضد كل من حزب الله، ومن خلفه إيران، ونفوذ تركيا المتنامي، اللذان يعززان الوضع الطائفي وكأن المسيحيين ليسوا طائفة أيضاً.
أيضاً، تبدي الورقة الخوف من الآثار السلبية على إسرائيل حال إشعال الحرب الاهلية، لكنها تؤكد أن العقوبات الأمريكية ووباء “كورونا” قد أثرا على قدرة إيران بدعم حزب الله، خصوصاً، وشيعة لبنان، عموماً، حيث تعاني بيروت من الفساد وإنهيار الإقتصاد وتدني سعر صرف العملة والإحتجاجات، كما أضعفا من قدراتها في سوريا حيث صب جام ذلك في مصلحة إسرائيل وحلفائها العرب الجدد.
تلك هي خطة إسرائيل لإشعال الحرب الأهلية في لبنان على أساس أنها الحل “السعيد” لها لمواجهة إيران وحزب الله في كل من لبنان وسوريا، كما يضعف الجبهات الأخرى التي تتمدد فيها طهران، كالعراق واليمن، مما يعد مكسباً للسعودية والإمارات.
وتشير الورقة إلى أن تمويل قطر لمخططات تركيا مع سنَّة لبنان يسهم بالشقاق بين إيران وقطر، مما يفقد حليفاً قوياً جاراً ضد السعودية والامارات على خلفية الحرب الباردة بين الرياض وأبو ظبي من ناحية، وبين الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان وما يمثله من “أطماع إمبريالية”، وإسرائيل من جهة ثانية حيث تقف له الأخيرة بالمرصاد وكأنها ليست “رأس الحربة” للصالح الإمبريالية العالمية في المنطقة.
في المقابل، تخشى إسرائيل من أن يؤدي إشعال الحرب الأهلية في لبنان إلى أعادة إحياء القضية الفلسطينية لأن الحرب يتدفع باللاجئين الفلسطينيين للنزوح مرة أخرى، وربما يلجؤون هذه المرة إلى الأردن أو إسرائيل مما يعقد موقفها ويؤثر على مشروعها لـ “إماتة” القضية الفلسطينية. أيضاً، ترى الورقة بأنه يجب على تل أبيب مساندة لبنان شريطة ربط أية مساعدة بإجراء إصلاحات سياسية تشكل ضغوطاً على حزب الله لإضعافه وشل قدراته بإستهدافها مستقبلاً، وأكثر من ذلك بأن تنتهز فرصة الحرب لتضرب الحزب “ضربة نجلاء” تقضي بها على قوته وقوة حلفائه، أي إيران وسوريا، ما يتيح لها التخطيط لمرحلة “ما بعد حزب الله”. وعند قيامها بهذا العمل، ستأمل بأخذ ثمن سياسي من السعودية نظير هذا “الكسب الهائل”، وهو إنهاء تهديد إيران وحزب الله لها ولحروبها في كل من اليمن وسوريا، أي ضرب جبهة المقاومة فتصبح المنطقة متحالفة مع المشروع الصهيوني.
وتؤكد الورقة أن ضعف إيران وحزب الله في لبنان سيكون فرصة لتركيا لـ “ملء الفراغ” خاصة بعد إنسحاب الخليج منه؛ لذلك، ستقوم كل من أنقرة والدوحة بملء الفراغ عبر إمداد السنَّة بالسلاح في الشمال فضلاً عن المساعدات عقب تفجير المرفأ. والجدير ذكره هنا أن وسائل الإعلام، الموالية للخليج ولإيران وحزب الله، قد تنبهت لهذه التطورات، إذ يرى بعض المراقبين أنها مهمة في ضوء إشارات إتحاد قطر وتركيا وإيران ضد الوجود الغربي وحلفائه بالمنطقة. لكن ذلك لا يعني أن أنقرة والدوحة وطهران على وفاق تام، لأن الأولى ومن خلال “العثمانية الجديدة” تتفق مع قطر في إحياء مذهب “الإخوان المسلمين”، وهو خطر كبير على إسرائيل التي تساند كل من يصد هؤلاء في المنطقة والعالم.
ويرى الكاتب أن محور إسرائيل – الإخوان العدائي هو أحد أهم عوامل تفسير الصراع الحالي فى المنطقة. وهذا صحيح إلى حد كبير من زاوية ثأر إسرائيل منهم خصوصاً وأنهم، مع الجيش المصري، قد شاركوا بفاعلية ضد العصابات الصهيونية في فلسطين العام 1948، وهو التحالف الذي إستغلته بريطانيا حينها لخلع الملك فاروق وإشعال الصراع بين الحليفين على السلطة حيث ساندت الجناح العسكري ضد الإخوان كونهم يعادون إسرائيل والغرب من منطلق إسلامي إيديولوجي، على الرغم من إستغلال واشنطن للفهم القاصر عندهم لتوظيف التيارات الإسلامية في حروبها ضد موسكو، وهي ولا تزال تستفيد من سذاجتهم السياسية.
من هنا، تريد كل من إيران وتركيا وقطر طرد الغرب من الدول العربية التي كانت تحت سيطرة السلطنة العثمانية، التي يسميها الرئيس أردوغان “الخارج القريب”. ولحسن الحظ، إن هذه الدول ترفض فكرة الرئيس التركي. ولكن ما دامت إيران وحزب الله متهمين بالأزمة الإقتصادية ووباء “كورونا” وإنفجار المرفأ، فهذه فرصة ذهبية لتركيا لإزاحتهم من المشهد اللبناني. ورغم تأثر بالوباء ايضاً، إلا أن أنقرة لا تزال أغنى وأقوى من إيران، والغرب يعتبرها حليفاً ضد روسيا وإيران في المنطقة، ولذلك فهي مرشحة لخلافة الغرب في كل من لبنان والعراق وسوريا، كونها أحق من إيران.
كذلك الأمر، يغري الكاتب تركيا لتأكيد نفوذها في لبنان بأن ذلك سيمنحها مدخلاً إلى شرق البحر المتوسط وإلى غازه، لكنه سيجعل لها حدوداً مع إسرائيل تستطيع من خلالها تهديدها ودفع القضية الفلسطينية. إذا إختارت تركيا الإسراع بالنفوذ داخل لبنان، فإن ذلك سيسرع فرص الحرب الأهلية، تصدي إيران لها لصالح إسرائيل، حيث أن تحرك أنقرة في بيروت سيغريها بدمشق أيضاً، وذلك من جهة طهران حيث تستطيع إرسال “أعوانها” السنَّة منه إلى إدلب للقتال نيابة عنها ضد القوات التي تساندها إيران، كما سيصبح بإستطاعتها أيضاً إرسالهم إلى ليبيا.
من هنا، إن أية قوة مدعومة تركيا ستصطدم بالمسيحيين، لا سيما الأرمن الذين يمتلكون شعوراً دفيناً قديم – جديد للإنتقام من تركيا، وهذا ما يساعد على إشعال الحرب الأهلية ويحقق أهداف إسرائيل وشركائها العرب التي تتلخص بالقضاء على حزب الله، على وجه الخصوص، ووقف الخطط “الإمبريالية” التركية، ودور الدول العربية المستقرة، وهو مصطلح ربما يشير إلى الدول القادرة مالياً على تمويل الحرب. أما إسرائيل، فستمد الأطراف بالسلاح والتدريب.
في وجهة نظر مقابلة، إن “حرب الوكالة” لقطر وتركيا، على حدود إسرائيل الشمالية، غير مرغوب فيها خاصة مع إلتزامهما بمساندة الفلسطينيين. أيضاً، على إسرائيل عدم الدفع بقوة إلى الحرب الأهلية لأن الوجود الأمريكي يتراجع والدول القادرة مالياً قد تمول المتطرفين السنَّة، وهم يشكلون خطراً على إسرائيل. لذلك، لا تتحمس تل أبيب لإستئناف “حرب تموز”، العام 2006، ضد حزب الله ولكنها تقوم بإعداد جيشها لهذا الإحتمال.
من خلال ما سبق، يمكن القول بأن الظرف ليس مناسباً إسرائيلياً لدخول لبنان؛ ولمنع خطر حزب الله عنها، فإنه يجب توسيع دائرة حظر الحزب بإعتباره منظمة إرهابية.
بالخلاصة، رغم أن إشعال حرب أهلية يصب في صالح إسرائيل وضد إيران وتركيا وحزب الله، إلا أن الكاتب يوصي بتفادي الفوضى داخل لبنان لأنها ستضر إسرائيل أكثر. بالعودة إلى الوراء، لا شك أن الحرب الأهلية، التي إستمرت 15 عاماً وجلبت التدخل السوري، كانت فرصة لإسرائيل من أجل إحتلال بيروت العام 1982، وإبادة الفلسطينيين في مخيمي صبرا وشاتيلا، وإبعاد المقاومة الفلسطينية إلى تونس بتواطؤ عربي. لكن الإحتلال، تسبب بإستجلاب إيران، من بوابة حزب الله، إلى لبنان. فإذا كانت الحرب الأهلية ستدمر ما تبقى لصالح إسرائيل، فإن من واجب القيادات العربية المخلصة محاربة المخطط الإسرائيلى وتوعية كل اللبنانيين بأبعاده القاضية بإستدعاء كابوس الحرب الأهلية الأولى.
*سفير سابق ومساعد وزير الخارجية المصري الأسبق.
مصدر الصور: مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي – النهار.
موضوع ذا صلة: “أمن إسرائيل” كما فهمه الرؤساء الأمريكيون