إبراهيم شير*

ربما لم يمضِ وقت على كيان الإحتلال، يعيش فيه مرحلة ضعف وعدم حيلة، مثل الذي نعيش فيه الآن. بدون مبالغة، الدليل على ذلك يكمن في أفعاله وتاريخه الطويل في الحروب والجرائم التي ارتكبها ويرتكبها إلى الآن. مثلاً، شنت إسرائيل حرباً على ثلاث دول عربية في عام 1967 لتصورات غير منطقية وأسباب واهية تتعلق بالرئيس المصري الراحل، جمال عبد الناصر، التي زعمت أنه كان يريد مهاجمتها؛ واجتاحت لبنان وحاصرت بيروت من أجل شخص؛ وكانت تنفذ عمليات الإغتيال علناً وبدون خوف وتتفاخر بالقول “أنا من نفذها في المدن العربية والغربية”.

أما الآن، فمتى كانت إسرائيل تكتشف أنفاقاً لحزب الله وتصمت بدون أن تقوم بأية ردة فعل؟ ومتى كانت تعلم أن سوريا تزود حزب الله بالأسلحة ولا تقوم بشيء سوى بغارات استعراضية وتفشل بها لكونها مبنية على أهداف وهمية حتى ولا تقوم بأي شيء آخر؟ ومتى كانت تعلم أن المقاومة في قطاع غزة تقوم بتطوير أسلحتها النوعية وتقصف بها تل أبيب ومطار بن غورين وتهدد مناطقها الحيوية ولا تقوم بأي شيء؟ ومتى كان سكان المستوطنات في غلاف غزة يعيشون في رعب دائم وتحول صفارات الإنذار لأمر عادي وشبه يومي لحياتهم ولا تقوم بأي شيء؟ ومتى كان يقتل لها ضابط وخمسة جنود في وسط قطاع غزة وتصمت ولا تقوم بأي ردة فعل حقيقية؟

إن أسباب ضعف قوة الإحتلال الحالية تكاد تكون كثيرة ولكن أهمها الفشل الخارجي الذي تمثل بالإنسحاب من جنوب لبنان العام 2000، ومن ثم الإنسحاب من غزة العام 2005، وجاء بعدها على الفور الهزيمة في “حرب تموز” العام 2006، ولم تكد إسرائيل أن تستفيق من هذه الصدمة حتى هزمت في غزة العامين 2008 و2014. زد على ما سبق ضعف البنية الداخلية، فالمجتمع الإسرائيلي مفرّق بشكل كبير والإختلافات الطائفية والقومية تفتك به منذ نشأته، العام 1948، وحتى اليوم. ومع مرور الوقت، بات أكبر وأكثر تهديداً لوجودية هذا الكيان. ومن الأسباب الجوهرية التي أضعفته، من الداخل أيضاً، “عمليات الطعن” التي باتت شبه أسبوعية بالنسبة للإسرائيليين، وهي ما جعلتهم يفقدون الثقة بهذا الكيان ويعودون إلى الدول الأوروبية التي جاؤوا منها، ما دفع بسلطات الإحتلال إلى تنظيم رحلات سياحية مجانية لليهود في أوروبا للقدوم إلى إسرائيل علها تستطيع لملمة ما تخسره.

أيضاً، تكاد تكون الضفة الغربية من العوامل الخفية التي أضعفت كيان الاحتلال وأكدت على فشل استراتيجياته. فمنذ أن حاولت إسرائيل، قبل نحو 13 عاماً، فصل الضفة عن قطاع غزة وفصل حماس عن فتح، خصوصاً بعد أن صعدت الأولى للسلطة في العام 2006، ومن ثم حصار القطاع ليكون شبه معزول عن الساحة الفلسطينية، والفتك بأي شخص ينادي بإسم المقاومة في الضفة الغربية، عبر الإعتقالات التي كانت تتم بموجب التنسيق الأمني بين الإحتلال والسلطة الفلسطينية، قامت إسرائيل، حينها، بتقطيع أوصال مدن الضفة بالمستوطنات والحواجز العسكرية، وغزت أسواقها التجارية بكماليات حياة الرفاهية الكاذبة حتى باتت تسمى رام الله، على سبيل المثال، “المدينة التي لا تنام”. ولكن خلال العامين الماضيين، كان جميع شهداء “ثورة السكاكين”، إن استطعنا تسميتها، هم من أبناء الضفة الذين ذاقوا النعيم وعاشوا “الرفاهية الكاذبة”.

إن دليل فشل إسرائيل في الضفة كانت لحظة استشهاد منفذ عملية البركان، أشرف نعالوة أواخر العام 2018. فبعد قتله وإغلاق الإحتلال الطرقات ونصب الحواجز ليلاً، انتفض أهالي الضفة لمساعدة من كان في الشارع، وأغلقوا جميع المقاهي والمطاعم في رام الله حزناً، وهو أمر لم يحدث منذ سنوات عديدة. أما أحاديث الناس، فتحولت إلى مجالس عزاء للشهيد وتمجيداً لبطولاته، الأمر الذي يشير إلى فشل الاحتلال في تمييع القضية بعقول الفلسطينيين.

كما يسجل فشل لافت لإسرائيل بتمرير “صفقة القرن” في وقت تعيش فيه الدول العربية حالة من الإرباك والضعف والإقتتال فيما بينها، واكتفت بإعلانات جوفاء لنقل سفارات بعض الدول إلى القدس المحتلة، وعلى رأسها الولايات المتحدة، وهذا النقل لا يقدم ولا يؤخر في شيء، لأنه نقل شكلي وليس له أي تأثير على الأرض.

في سوريا، لم تنجح إسرائيل بأي عمل قامت به، فخلال أكثر من 200 غارة لم تحقق أي إنجاز لها بل استمر حزب الله بالقوة والإكتفاء. إلى ذلك، حصلت دمشق على منظومات متطورة من الدفاع الجوي، وحررت مساحات واسعة من أراضيها التي احتلها الإرهابيون، المدعومون من تل أبيب. بالإضافة إلى فشلها في الوقوف أمام تظاهرات شعبية في قطاع غزة تسببت بخسارتها لملايين الدولارات بسبب “الطائرات الورقية”. كذلك، إن الإجراءات في الضفة الغربية حولت المنطقة إلى بركان قد ينفجر في أية لحظة، الأمر الذي أفقد الداخل ثقته بها.

باللجوء إلى التطبيع مع الدول العربية، تحاول إسرائيل الهروب من فشلها ومخاوفها الداخلية كي تظهر نفسها أنها حققت إنجازاً ما؛ أما بعض الدول العربية، فللأسف تمعن في طعن القضية الفلسطينية مرة تلو الأخرى، ولكن انتفاضة الشباب الفلسطيني تؤكد أن القضية لن تموت طالما أنها حق خلفه مطالب.

*كاتب وإعلامي سوري

مصدر الصورة: موقع بنت جبيل – فلسطين الآن.