في ميثولوجيا الحريات العامة، يقال إن في نظام فرنسا، القضاء العادي هو “حامي الحريات وحصنها المنيع”. ومنذ وقت طويل، كان المبدأ القائم على فكرة أن القاضي العادي مختص في مادة الحرية الفردية لا وجود حقيقي له إن لم يكن هنالك في حالة إعتداء.
ومع ذلك، تشير المادة /66/ من الدستور إلى أن القضاء العادي هو حارس الحرية العامة.
وبالنسبة للنظام الفرنسي، فمعروف أن هنالك جهتين للقضاء؛ جهة القضاء، العادي التي يطلق فيها على القاضي صفة الحارس على حقوق الإنسان، وجهة القضاء الإداري، حيث أن القضائين يتدخلان كل منهما ضمن الإختصاص المحدد لهما قانوناً في نطاق الحريات العامة.
ومن حيث المبدأ يتدخل القضاء، بمعاقبة كل من يمس الحريات العامة طبقاً للنصوص القانونية. بيد أنه يستطيع المضي أبعد من ذلك فيمكنه بداية تحديد مبدأ الرقابة مثل مبدأ التناسب بين الباعث والموضوع للإجراءات البوليسية؛ وبالتالي، يستطيع المساهمة بتحديد الحريات العامة، وفي مثل هذه الحالة يمكنه أن يلعب دوراً خلاقاً فعلاً.
لكن هذا لا يخلو من بعض الإشكالات. يمكن هنا الإشارة إلى حول الحريات التي قبلها الإجتهاد دون وجود نص، فمثلاً في حرية التجارة والصناعة لوحظ أن هذه الحرية لا تتمتع بخاصية دستورية وليست مبدأ أساسياً في القانون الفرنسي.
وإذا كان معلوماً أن المبادئ العامة للحقوق هي قواعد مكتشفة من قبل القضاء خارج النصوص، فقد إتضح أن الرجوع لقرارات تعود إلى عام 1791 في موضوع التجارة والصناعة.
ومن بين المبادئ العامة، مبادئ إستفاد البعض من إرتقائها إلى المستوى الدستوري؛ أما ما خلا منها من القيمة الدستورية، فإن المجلس الدستوري قبل البعض منها، مثل قوانين الدفاع ذات القيمة التشريعية.
وتجدر الإشارة إلى أن النظام القانوني الفرنسي للحريات العامة يعطي وضعاً خاصاً لحالات المخاطر والأزمات، كما في حالات الحصار أو الظروف الإستثنائية. ففي مثل هذه الحالات الإستثنائية، تكون الأعمال المعتبرة ماسة بحقوق الإنسان في نطاق الحرية في حالات السلام ليست كذلك في مثل هذه الحالات وقد تعتبر مشروعة.
وفيما يتعلق بالنظام القضائي الفرنسي كما أشرنا أعلاه، قلنا أنه يشتمل على جهتين، عادي وإداري. فإن هنالك ما يوحي بشيء من التناقض الظاهر عندما تنتقل إلى طريق القانون العام، فالقول بأن الحريات يمكن حمايتها بدرجة ما من الفاعلية بواسطة قضاء منحدر من الإدارة ذاتها يفسح المجال لتصور أن الإدارة تحكم نفسها، وهو ما يختلف مع النظام الأنغلوساكسوني الوريث والمحافظ على نظام القانون العرفي العام، ومع ذلك فإن جاذبية القانون الإداري بل حتى القضاء الإداري باشرت تأثيرها أكثر فأكثر على بلدان المملكة المتحدة والولايات المتحدة.
وقد إستمر التنظيم القضائي في البلدان التي أخذت بنظام القضائين على إعتبار أنهما جهتان قضائيتان منفصلتان بإحكام؛ فمن جهة توجد المحاكم القضائية التي تتبع تسلسلية على رأسها محكمة النقض وهي مختصة في البث في نزاعات الأفراد، ومن جهة أخرى، المحاكم الإدارية والإدارية المتخصصة، والتي تختص بالنظر في النزاعات التي تكون الإدارة طرفاً فيها وعلى رأسها المحكمة الإدارية العليا في مجلس الدولة.
وتمثل محكمة التنازع المتكونة من عضو من مجلس الدولة وعضو من محكمة النقض، ويرأسها قاض مختص لحسم مسائل الإختصاص التي يمكن أن تنشب بين جهتي القضاء الإداري والعادي؛ بالتالي، إن وسائل الرقابة التي يمارسها مجلس الدولة والمحاكم الإدارية توسعت صلاحيتها تباعاً بما قررته من إجتهادات وهي في هذا تمتلك سلاحاً أساسياً حيث تختص بالطعون التي ترفع إليها لعلة تجاوز السلطة وأسلحة أخرى مساعدة، مثل الحكم على الإدارة بالتعويض، هذا من جانب.
من جانب آخر، إن كل عمل غير مشروع ترتكبه الإدارة يشكل ليس تجاوزاً للسلطة فحسب يؤدي إلى إبطال العمل، بل خطأ يمكن أن يلزمها التعويض عنه. وبالتالي، إن إختصاص القضاء العادي يكمن في مواد قانون العقوبات، وأي عمل مخالف للقانون يمثل المتهم أمام القضاء الجزائي.
*مستشار قانوني – الكويت.
مصدر الصورة: Le Parisen.
موضوع ذا صلة: الأرجحية بين القانون والمعاهدة