عندما يدور النقاش في فرنسا حول مخاطر “الإسلام السياسي”، فإن الحديث يدور بسرعة حول ما بات يعرف بـ “الإنعزالية الإسلامية”. وهذا المفهوم أطلقه بداية العام الخبير في العلوم السياسية بيرنار روجيه في كتابه الذي حقق أكبر المبيعات “المناطق المصادرة من الإسلاموية” والذي وصف فيه الدعاية الإسلاموية لبعض الأئمة وسلط الضوء على أحياء في جميع أنحاء البلاد يتحكم فيها إسلامويون.

ومنذ الخريف، أعلن رئيس فرنسا، إيمانويل ماكرون، أن شن حرب ضد الأيديولوجيات الراديكالية أولوية سياسية له. وفي مطلع أكتوبر/تشرين الأول، تحدث في خطاب عن وجود “إسلام راديكالي في فرنسا”، وفي موقف إنتقادي ذاتي أضاف الرئيس حينها “نحن ساهمنا بإيجاد الانعزالية. وجمهوريتنا سمحت بظهور غيتوهات ـ ومناطق مزدحمة يسود البؤس”.

قوانين جديدة لمحاربة التطرف

ولتصحيح هذا الوضع، يعتزم الرئيس ماكرون إغلاق المدارس القرآنية الراديكالية وتكوين أئمة في فرنسا وتنظيم تمويل النوادي والمساجد الإسلامية، لا سيما الدعم المالي من الخارج. وكلف الرئيس الفرنسي حكومته ببلورة “قانون ضد الأعمال الإنعزالية”، فسن القانون من شأنه أيضاً محاربة خطاب الكراهية في الإنترنيت، وسيتم مناقشته في المجلس الوزاري. ومن خلال القانون، يمكن منع الأبوين من إبعاد الأطفال عن المدارس العمومية أو تدريسهم في المنازل، كما حصل إلى حد الآن في بعض الأحياء الإسلامية بفرنسا.

وبموازاة العمل من أجل سن القانون تعتزم الحكومة البرهنة على قدرتها على العمل. فبعد قطع رأس معلم التاريخ، صامويل باتي، من طرف إسلاموي في الـ 16 من أكتوبر/تشرين الأول الماضي (2020) زاد الضغط على الحكومة.

وفي هذا السياق أعلن وزير الداخلية الفرنسي، جيرالد دارمانان، عبر “تويتر” عن تنفيذ عمليات مراقبة داخل المساجد بشكل واسع تشمل 76 مسجداً ودور عبادة أخرى يشتبه في أنها تعمل على نشر الأفكار الإسلامية المتطرفة وذلك للتصدي لخطر التطرف الديني المتزايد، وأضاف أنه إذا تأكدت هذه الشبهات في أي مسجد فسيتم إغلاقه. وقال الوزير لراديو آر.تي.إل أنه “توجد أماكن للعبادة في بعض المناطق المزدحمة من الواضح أنها مناهضة للجمهورية (حيث) تتابع أجهزة المخابرات الأئمة وحيث تتعارض لغة الخطاب مع قيمنا”.

مساجد تحوم حولها الشبهات

بـ 76 من بين أكثر من 2600 مسجد ودار عبادة توجد في النهاية أقلية من المساجد تحت مجهر الدولة. وهي موزعة على جميع أطراف البلاد، منها 16 مسجداً في العاصمة باريس والمناطق التابعة لها، و60 أخرى في باقي أنحاء البلاد. وتعرفت السلطات على ما يبدو لدى المنشآت الـ 76 على 18 من بينها تدور حولها شبهة.

ويتحدث التقرير عن مسجد تجاهل أمر الإغلاق الصادر عن رئيس البلدية المسؤول، ومسجد آخر تعرض رسيما للإغلاق لكنه يواصل العمل بصفة غير قانونية. وفي عديد من المساجد، يوجد أئمة توجه لهم شبهة الإرهاب ويخضعون لمراقبة أجهزة الإستخبارات.

تدخل الدول العلمانية في الشؤون الدينية

في التاريخ الفرنسي، لم تحصل إلى حد الآن حملة مراقبة مماثلة للمساجد من قبل الدولة العلمانية التي تناء بنفسها عادة عن القضايا الدينية. ولا تريد الحكومة الحالية خدش العلمانية، لكن كما يظهر يتم إخضاع الجالية المسلمة للمراقبة بشكل أقوى. وكما هو الحال في بلدان أخرى، ينضوي المسلمون في فرنسا تحت نوادٍ بدون جباية مركزية للضرائب تصعب تنفيذ هذا المبتغى.

ويطالب الرئيس ماكرون إتحاد النوادي الإسلامية والمجلس الثقافي للمسلمين الفرنسيين حتى الـ 7 من ديسمبر/كانون الأول (2020) التوقيع على “ميثاق قيم الجمهورية”. وهذا الميثاق يُراد أن يصبح الخط الإرشادي لعمل الأئمة. وتكوينهم وجب في المستقبل مراقبته وضمانه من طرف مجلس الأئمة، والتسجيل في لائحة تخضع أيضاً للدولة سيصبح إلزامياً. هذا النوع من القيود، لم يحصل إلى حد الآن في فرنسا حيث تمكنت مساجد من جلب أئمة من الخارج تلقوا رواتبهم من هناك دون قيود كبيرة.

المصدر: دي دبليو.

مصدر الصورة: العربي الجديد.

موضوع ذا صلة: مخاطر الصراع بين التيارات الإسلامية والعلمانية على القيم الثقافية