تلقت أسواق النفط دعماً إيجابياً بعد اتفاق “أوبك+” الجديد، الذي يقضي برفع إمدادات الخام للدول الـ 23 المشاركة بالتحالف بنحو نصف مليون برميل يومياً فقط، حيث زادت الأسعار في اليومين التاليين له إلى مستوى قارب خمسين دولاراً للبرميل.

ويأتي هذا في وقت تشير المعطيات الأساسية إلى أن سوق النفط لا زالت هشة بسبب تراجع الطلب العالمي على الخام الناجم عن توقف النشاط الإقتصادي العالمي بسبب “كورونا”. ورغم أهمية الإتفاق في المساعدة في إستمرار توازن السوق نسبياً، إلا أنه لا يزال يواجه تحديات جمة بسبب المخاوف من إغلاق النشاط الغقتصادي مع تصاعد حالات الإصابة بفيروس “كورونا” على المستوى العالمي، فضلاً عن إمكانية نمو المعروض العالمي من خارج أعضاء “أوبك” ولا سيما الولايات المتحدة.

إتجاه جديد

إتفق تحالف “أوبك+”، بقيادة السعودية وروسيا في 3 ديسمبر/كانون الأول 2020 بعد محادثات إستمرت لعدة أيام بين الأعضاء، على تخفيف سقف تخفيضات الإنتاج حتى شهر يناير/كانون الثاني 2021، حيث تقرر زيادة الإنتاج بنحو 500 ألف برميل يومياً ليصبح مجموع تخفيضات الإنتاج للمجموعة نحو 7.2 مليون برميل يومياً بدلاً من 7.7 مليون برميل يومياً في السابق.

ويأتي الإتفاق الجديد وسط تفاوت الآراء حول جدوى خطوة تقليص إنتاج، مما جعل من الصعب إمكانية تمديد اتفاق خفض الإنتاج بالمستويات السابقة نفسها للأشهر الثلاثة المقبلة كما كان متوقعاً من قبل الأوساط النفطية. وقبل ذلك، كان تحالف “أوبك+” قد خفف سقف الإنتاج بنحو 2 مليون برميل يومياً، بداية من أغسطس/آب 2020، في ظل علامات على تحسن الطلب العالمي على الخام.

وعلى ما يبدو، فإن هذا الإتفاق يعتبر مرضياً لكل الأطراف في ظل الرغبة في عدم الإخلال بتوازن السوق وفي الوقت ذاته تلبية رغبة بعض الأعضاء في زيادة الإنتاج للحفاظ على الحصة السوقية. وستقوم المجموعة بعد ذلك بمراجعة على أساس شهري وإقرار ما إذا كانت ستستمر في الزيادة التدريجية في الإنتاج، أم ستتوقف عن ذلك، وهو أمر يفترض أن يحدد وفقاً لظروف السوق السائدة.

وطبقاً للترجيحات، فعلى الرغم من زيادة الإنتاج في يناير/كانون الثاني 2021، إلا أن الأسواق ستستطيع الحفاظ على توازنها من خلال إمتصاص فائض المعروض والحد من تراكم مخزونات الخام على نحو سوف يدعم أسعار الخام. ومنذ إتفاق “أوبك” الأساسي في إبريل/نيسان 2020، إسترد النفط الخام أكثر من 150% من قيمته بالغاً حالياً قرابة 50 دولاراً للبرميل مقارنة بمستوى متدني بنحو 20 دولار للبرميل في الشهر المذكور. وعقب التوصل لإتفاق “أوبك” الجديد، زادت أسعار النفط على مدار اليومين التاليين بنحو دولارين تقريباً وليختتم “خام برنت”، الأسبوع الماضي، عند مستوى 49.25 دولاراً للبرميل بينما إرتفع خام غرب تكساس الوسيط عند 46.26 دولاراً للبرميل.

تحديات قائمة

مع أن إتفاق “أوبك” الجديد يكتسب أهمية خاصة فيما يتعلق بدعم أسعار النفط الخام، إلا أن السوق العالمية للخام لا تزال تواجه تحديات عديدة يتمثل أبرزها في المخاوف القائمة من الإغلاق الجزئي للنشاط الإقتصادي بسبب تصاعد الإصابات بفيروس “كورونا” على المستوى العالمي، وذلك على الرغم من توصل بعض شركات الأدوية الدولية مؤخراً للقاح فعَّال للفيروس.

وترى مؤسسات دولية، مثل وكالة “فيتش” للتصنيف الإئتماني، أن الطلب سيظل ضعيفاً حتى النصف الثاني من العام على الأقل، نظراً لأن التقدم المحرز بشأن إنتشار اللقاح دولياً لن يكون سريعاً بسبب مشاكل في سلسلة التوريد العالمية لا سيما بالنسبة للدول النامية، حيث قد تواجه صعوبات في الحصول على اللقاح لمشاكل تخص الإنتاج أو تمويل شرائه أو تخزينه.

وهنا، تشير توقعات الوكالة الدولية للطاقة إلى أن الطلب العالمي على النفط الخام سيبلغ نحو 97.1 مليون برميل يومياً في العام 2021، وبزيادة بـ 5.8 مليون برميل يومياً مقارنة بالعام 2020، ورغم هذا التحسن لكنه يبدو أقل من المستوى البالغ 100.1 مليون برميل يومياً في العام 2019.

كما أن هناك مخاطر من نمو معروض النفط العالمي من خارج “أوبك”، لا سيما من قبل منتجي النفط الصخري في الولايات المتحدة الذين قد يتجهوا إلى ضخ المزيد من النفط الخام مع إرتفاع مستويات الأسعار في الفترة المقبلة. هذا في الوقت الذي ستنهي النرويج، وهى منتج من خارج “أوبك+”، تخفيضاتها الطوعية للإنتاج والبالغة نحو 300 ألف برميل يومياً.

وإلى جانب ما سبق، تترقب أسواق النفط أيضاً تحركات إدارة الرئيس الأمريكي الجديد، جو بادين، بشأن الملف النووي الإيراني. ووفق إتجاهات مختلفة، فهناك إحتمال لتوصل الإدارة الجديدة لإتفاق جديد مع طهران حول برنامجها النووي، وهو ما من شأنه أن يخفف العقوبات على قطاع الطاقة الإيراني، وقد يسمح بضخ مليوني برميل جديدة للسوق، مما قد يتسبب في تخمة جديدة من الخام قبل نهاية العام 2021.

أيضاً، هناك مسألة إمتثال أعضاء “أوبك+” للإتفاق الجديد. فعلى الرغم من إقتراب أعضاء التحالف من الإمتثال بنسبة 100% لتخفيضات الإنتاج في الأشهر الماضية، غير أن بعض الدول لا زالت ترى أن تخفيضات الإنتاج قد تضر بحصتها السوقية، مما قد يدفعها إلى عدم الإلتزام بسقف الإمدادات بشكل كامل بموجب الإتفاق، وعلى نحو أظهرته بيانات إنتاج العراق على سبيل المثال في الأشهر الفائتة.

إن الاعتبارات السابقة في مجملها تفرض بدون شك ضغوطاً إضافية على سوق النفط، وقد تدفع أسعاره لأن تبقى في نطاق يتراوح بين 40 دولار إلى 50 دولار على الأكثر، ولكنه مستوى يرضي أعضاء تحالف “أوبك+” ويسمح بزيادة الإيرادات النفطية.

المصدر: مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة.

مصدر الصور: الحرة – العربي الجديد.

موضوع ذا صلة: متى يتعافى سوق النفط من جائحة “كورونا”؟