من المعروف أن المجتمع الدولي، في بدايات تنظيمه للهيكلية الدولية التي تُعنى بكل الأمور على مستوى الدول ومنها حقوق الإنسان بالطبع، أقحم مؤسساته في شؤون حقوق الإنسان، ومنها الحقوق الإقتصادية والإجتماعية إذ أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أعطها مضموناً وعاماً لها، لكنها توضحت أكثر بعد إقرار “العهد الدولي الخاص بالحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية”، العام 1966، الذي أعطاها قيمة قانونية خاصة.
لم ينحصر الموضوع في هذا الإطار، بل هنالك معاهدات خاصة تدخلت فيما يتعلق ببعض الحقوق الخاصة، ومنها الإتفاقية المتعلقة بالحرية النقابية التي تبناها المؤتمر العام لمنظمة العمل الدولية، وعلى المستوى الأوروبي كان الميثاق الإجتماعي الأوروبي أيضاً والذي نص على هذه الحقوق.
بطبيعة الحال، يمكن القول أن هذه النصوص ذات المضمون العام تكرس نفس الحقوق تقريباً، بصورة أساسية الحق بالرعاية الطبية والتعليم، والذي كان الميثاق الإجتماعي الأوروبي قد أهمله.
لكن ما أشرنا إليه ليس هو السمة العامة الوحيدة لهذه النصوص؛ فبالنسبة إلى المعاهدات المتعلقة بالحقوق المدنية والسياسية، تحتل المعاهدات المتعلقة بالحقوق الإقتصادية والإجتماعية قيمة قانونية أدنى بما فيها الجزاءات التي تعتبر ضعيفة مقارنة مع خيرها، في حين أن الحرية النقابية وحدها تشكل موضوع حماية أكثر خصوصاً في نطاق منظمة العمل الدولية.
أيضاً، إن هنالك مسألتين تعترضان فيما يتعلق بالقيمة القانونية للحقوق الإقتصادية والإجتماعية؛ المسألة الأولى، أنها غالباً ما يُشار إليها بطريقة غامضة وعامة ولها شكل برامج أكثر مما هو شكل قاعدة قانونية دقيقة. أما المسألة الثانية، إن وضعها موضع العمل يتطلب، في قسم كبير منه، تنمية إقتصادية للدولة ككل.
لأجل ذلك، يقدر بعض الفقهاء أن المعاهدات المتعلقة بالحقوق الإقتصادية والإجتماعية لا قيمة إلزامية لها، ولا تضع حقوقاً يمكن للفرد التمسك بها مباشرةً، فالأفراد لا يستفيدون من حق ما إلا بمقياس ما بحيث تتدخل فيه قواعد القانون الداخلي لكل بلد.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه: إذا لم تضع الدول قانونها الداخلي بتوافق مع إلتزاماتها الدولية، ماذا سيحدث؟
أول ما يظهر هنا المدى المحدود للمعاهدات بشكل عام. على سبيل المثال، إن الإجراءات الخاصة لمنظمة العمل الدولية تعمل على الأخص في بعض المسائل، كالحرية النقابية أو مدة العمل، في حين أن الحقوق الإقتصادية والإجتماعية التي لها صفة ديون تجاه المجموعات معطلة.
أخيراً، مهما كانت طبيعة هذه الحقوق، فإن عامل التشتت لا يزال موجوداً على الرغم من توقيع الدول لمعاهدات في هذا الشأن، لكن تختلف كل دولة عن أخرى في مفهومها لحقوق الإنسان.
*مستشار قانوني – الكويت.
مصدر الصورة: الشبكة العالمية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
موضوع ذا صلة: تنوع مفاهيم حقوق الإنسان وتقسيماتها