شريف أبو الفضل

شهدت أسعار النفط مؤخراً دفعة قوية لتبلغ أعلى مستوياتها في 13 شهراً، إذ تجاوزت سقف الـ 69 دولاراً للبرميل. وقد تعزز نمو الأسعار بفعل ما أسفر عنه اجتماع اللجنة الفنية المشتركة لأعضاء تحالف أوبك+، 4 مارس/آذار 2021، من تمديد للتخفيضات الخاصة بالإمدادات النفطية المقررة على الدول الأعضاء، وفي ظل تداعيات العاصفة الباردة التي اجتاحت ولاية تكساس والسواحل الجنوبية للولايات المتحدة، وأدت إلى تعطّل عمليات الإنتاج والتكرير في كبرى الولايات النفطية الأمريكية، الأمر الذي قفز بالأسعار إلى مستويات لم تشهدها منذ أبريل/نيسان 2019.

محفِّزات تحسُّن أسعار النفط

يمكن القول إن أبرز العوامل والمحفزات التي دفعت بهذا التحسُّن في أسعار النفط، تتمثل في الآتي:

1. قرار أوبك+ بتمديد التخفيضات النفطية

قررت مجموعة أوبك+ في اجتماع اللجنة الفنية المشتركة لأعضائها، 4 مارس/آذار 2021، تثبيت معظم تخفيضات إنتاج النفط، أبريل/نيسان 2021، وتمخّض الاجتماع عن استمرار التخفيضات المقررة، مع زيادة طفيفة لكلّ من روسيا، وكازاخستان بمقدار 130 ألف برميل للأولى، و20 برميل للثانية، وبإجمالي 150 ألف برميل، نزولاً عما كان يُعتقد بأن تُقدم عليه المجموعة لتخفيف القيود خلال، شهر أبريل/نيسان، بمقدار 1.5 مليون برميل. وأعلنت السعودية، استمرار الخفض الطوعي الذي أعلنت عنه، يناير/كانون الثاني 2021، خلال شهر أبريل/نيسان أيضاً، مشيرة إلى أن هناك إمكانية لتمديد الخفض أكثر من ذلك وفق الظروف. وقادت السعودية المجموعة نحو توخي الحذر، والتمسّك بالتخفيضات، في ضوء رؤيتها لهشاشة السوق، وانخفاض معدلات الطلب واحتمالية تعرّضها للانتكاس في أي وقت، في ظل انتشار وباء “كورونا” وما فرضه من تداعيات على أسواق النفط.

وخلال تعاملات اليوم التالي للاجتماع (5 مارس/آذار 2021)، قفر سعر برميل برنت 3.46% إلى 69.05 دولار، وذلك لعقود تسليم مايو/أيار 2021، وقفز سعر خام غرب تكساس الوسيط 3.31% إلى 65.94 دولار للبرميل، وذلك للعقود تسليم أبريل/نيسان 2021، وفقاً لوكالة بلومبيرغ.

وكانت مجموعة “أوبك+” قد خفضت الإنتاج بمقدار قياسي العام الماضي بلغ 9.7 مليون برميل/يومياً مع انهيار الطلب بسبب جائحة “كورونا”. وفي مارس/آذار الحالي، واصلت المجموعة خفض الإنتاج 7 ملايين برميل/يومياً بما يعادل نحو 7%ة من الطلب العالمي. وبإضافة الخفض السعودي الطوعي، يصبح إجمالي الخفض 8 ملايين برميل/يومياً.

2. توقُّف نشاط الإنتاج والتكرير في تكساس بسبب الطقس البارد

دفعت العاصفة الثلجية التي ضربت ولاية تكساس ومنطقة الخليج الأمريكي، أسواق النفط للاشتعال، بعد ارتفاع المخاوف من تسبب موجة البرد المفاجئة تعطل إنتاج الخام الأميركي لأيام أو ربما لأسابيع. وأعقب تلك الموجة، قفز في سعر خام برنت لمستوي جديد في 13 شهراً متخطياً 65.5 دولاراً للبرميل، كما زادت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأميركي 49 سنتاً إلى 61.63 دولار للبرميل، وذلك قبل أن تتلقى الأسعار دفعة أخرى بسبب قرار اجتماع أوبك+ بتمديد التخفيضات النفطية المقررة.

ويمثل إنتاج ولاية تكساس والسواحل الجنوبية للولايات المتحدة الأمريكية حوالي 40% من إجمال الإنتاج الأمريكي، أي ما يعادل أكثر من 5 ملايين برميل/يومياً وفق بعض التقديرات، وتستمر موجة البرد القارس في تكساس الأميركية مع تعطُّل كبير في أنشطة التكرير وإغلاقات لعمليات إنتاج النفط والغاز وصلت آثارها إلى المكسيك المجاورة. وتسبب ذلك في توقف نحو أربعة 4 برميل/يومياً من طاقة التكرير، ونحو مليون برميل/يومياً من إنتاج النفط، بحسب محللي وود ماكنزي، وقد يستغرق استعادته بالكامل أسابيع.

وأظهرت بيانات معهد البترول الأميركي أن مخزونات الخام الأميركية انخفضت 5.8 مليون برميل في الأسبوع المنتهي في 12 فبراير/شباط، إلى نحو 468 مليون برميل مقارنة مع توقعات المحللين بانخفاض 2.4 مليون برميل. ونتيجة لذلك، فقد ارتفعت العقود الآجلة لخام “غرب تكساس الوسيط” الأمريكي بنسبة 0.68%، إلى 60.46 دولار للبرميل، يوم 17 فبراير/شباط، فيما صعدت العقود الآجلة لخام “برنت” بنسبة 0.69%، إلى 63.79 دولار للبرميل، في ذات اليوم. وتوقع محللون لدى بنك “إيه إن زد” ومجموعة “سيتي غروب” تراجع إنتاج النفط الصخري الأمريكي 2 مليون برميل/يومياً على الأقل.

وبشأن النفط الصخري، وهو العامل المحدد – وربما المُهدِّد – لجهود أوبك+ في الحفاظ على توازن السوق النفطية، ترى منظمة أوبك وشركات النفط الأمريكية أن انتعاش الإمدادات من صناعة النفط الصخري سيكون محدوداً هذا العام، إذ يعمل كبار المنتجين الأمريكيين على تثبيت الإنتاج رغم ارتفاع الأسعار، وهو قرار سيفيد منظمة أوبك وحلفاءها.

وخلال فبراير/شباط 2021، خفضت منظمة البلدان المصدرة للبترول – أوبك توقعاتها للخام المحكم الأمريكي لعام 2021، وأصبحت تتوقع أن ينخفض الإنتاج بواقع 140 ألف برميل/يومياً إلى 7.16 مليون برميل/يومياً، أي من 7.3 مليون برميل/يومياً، العام 2020، إلى 7.16 مليون برميل خلال العام الحالي. ويُقدر أن إنتاج النفط الصخري شهد أكبر انخفاض ضمن إنتاج مكونات سوائل النفط المختلفة في الولايات المتحدة العام 2020؛ إذ هبط بمقدار 450 ألف برميل/يومياً مقارنة بالعام 2019، حسب تقديرات أوبك.

وتتوقع هيئة معلومات الطاقة الأمريكية في تقريرها حول التوقعات قصيرة الأجل عن شهر فبراير/شباط أن يبلغ الإنتاج الأمريكي الإجمالي من النفط الخام نحو 11 مليون برميل/يومياً في المتوسط خلال العام الحالي، هابطاً من حوالي 11.3 مليون برميل/يومياً العام 2020 وحوالي 12.2 مليون برميل/يومياً العام 2019، وتوقعت الهيئة أن يرتفع الإنتاج الإجمالي خلال العام المقبل إلى 11.5 مليون برميل/يومياً.

3. التوقعات المتفائلة بشأن أسعار النفط

اتجه أغلب التقديرات إلى النظرة المتفائلة تجاه الأسواق الفترة المقبلة، في ضوء استمرار تقييد الإمدادات من جانب أوبك+، ومنتجي النفط الصخري في الولايات المتحدة الذين يكبحون الإنفاق بهدف تعزيز عوائد المستثمرين. ورفع بنك غولدمان ساكس توقعه لسعر برنت 5 دولارات إلى 75 دولاراً للبرميل في الربع الثاني، و80 دولاراً للبرميل في الربع الثالث من العام الجاري. ومن جانبه، توقع بنك مورغان ستانلي ارتفاع أسعار خام برنت إلى 70 دولاراً للبرميل في الربع الثالث بفضل “مؤشرات على تحسن كبير للسوق”، من بينها احتمالات طلب أفضل. وبحسب وكالة رويترز، رجَّح البنك أن “الأوضاع باتت مواتية لسوق النفط بوتيرة أسرع من المتوقع”. بينما زاد بنك يو.بي.إس توقُّعه لبرنت إلى 75 دولاراً للبرميل، ولخام غرب تكساس الوسيط الأمريكي إلى 72 دولاراً للبرميل في النصف الثاني من العام 2021.

ويُعزز من هذه التوقعات، تبنّي أهم البلدان المستهلكة للنفط لخطط الإنعاش الاقتصادي المستندة إلى إنفاق ضخم في أمريكا وأوروبا، حيث وافق مجلس الشيوخ الأمريكي على خطة الرئيس جو بايدن لتحفيز الاقتصاد والبالغ قيمتها 1.9 تريليون دولار، لزيادة المدفوعات المباشرة للأمريكيين، في إطار حزمة تحفيزية واسعة لتخفيف تداعيات جائحة “كوفيد – 19”. فضلاً عما تكتسبه أسعار النفط من قوة في ظل تسارُع برامج التطعيم بلقاحات مضادة لفيروس “كورونا” حول العالم.

انعكاسات التطورات النفطية الأخيرة على سياسات الدول المنتجة

تبشّر التطورات الأخيرة في أسواق النفط بمزيد من التفاؤل إزاء إمكانية تحسّن الأسعار خلال الفترة المقبلة، مع أنه تفاؤل يظل محفوفاً بالحذر، لأن هذه التطورات في النهاية ليست ناتجة عن حصول تعافي في الطلب ونقص في المعروض بشكل دائم، وإنما تعود غالباً إلى معطيات متغيرة وظروف وقتية، لا سيما في ظل حالة عدم اليقين والضبابية التي خلفتها جائحة “كورونا”.

وفي شكل عام، يمكن إجمال أبرز تلك الانعكاسات على النحو الآتي:

• إدراك الدول المُنتجة أن هذا التعافي في الأسعار، لم يكن ليأتي إلا من خلال الالتزام الجيد والجاد بحصص الإنتاج وسقفه المقرران من قبل دول تحالف أوبك+، وهي جهود أفضت إلى ضبط الأسواق وتحسين الأسعار، بعد الانهيار الذي أعقب تفشي الجائحة، ودخول كبار المنتجين في حرب على الحصص السوقية، وهو الأمر الذي دفع بالأسعار نزولاً إلى مستويات تاريخية.
• هذا الالتزام، ورغم كونه السبب الرئيس في إحداث التوازن النسبي للأسواق وتحسّن الأسعار، إلا أنه ليس بمنأى عن التراجع أو الخلل؛ فالدول الأكبر في المجموعة (السعودية، وروسيا) لا يتبنيان وجهة النظر نفسها، إذ تميل السعودية للحذر تجاه الأسواق، وتشديد القيود على الإمدادات، على أساس حاجتها لأسعار مرتفعة في حدود الـ 70 أو 80 دولاراً للبرميل، لا سيما على المديين القصير والمتوسط، وبما يضمن لها تحقيق التوازن في ميزانيتها، في حين ترى روسيا أن أسعاراً أقل تُوفي بحاجتها، وأن تحسّن الأسعار ربما تستغله الشركات المنتجة للنفط الصخري لصالحها، كما تؤيد موسكو الحفاظ على حصصها في الأسواق. وهذا الخلاف، وإن كان يمكن التغاضي عنه أحياناً لمصلحة جميع الأطراف، إلا أنه قد يظهر في أي وقت، كما حدث في مارس/آذار 2020، وأدى إلى انهيار الأسعار حينها.
• هناك بعض الدول في مجموعة أوبك+، تجاوزت مستوى الحصة المحدد لها، لكن دولاً أخرى لم تستطع إنتاج المستوى المحدد لها، مثل أنغولا على سبيل المثال. كما أن مستوى الخفض الطوعي في مستوى الإنتاج السعودي، ورغم كونه ساهم في استقرار الأسعار، إلا أنه محدد حتى أبريل/نيسان المقبل، وغير معلوم ما إذا كان سيستمر أم لا.
• يمكن أن تؤدي الأسعار المرتفعة للنفط، والتي قاربت حد الـ 70 دولاراً للبرميل، ومع احتمالية استمرار تحسّنها، إلى تشجع زيادة الإنتاج على نحو واسع، وهذا الأمر ينطبق بشكل كبير على النفط الصخري الأمريكي الذي يتميز بالسرعة في إمكانية العودة إلى كامل الإنتاج، ومن ثمّ إغراق الأسواق بفائض النفط الصخري. وحتى في حالة التسليم بأن هذا القطاع يواجه صعوبات تمويلية وإنتاجية واسعة في هذه الآونة، فإن الشركات الخاصة المنتجة للنفط الصخري قد تقوم بهذا الدور، فضلاً عن الاتجاهات التي تشير إلى أن تكون هناك زيادات من البرازيل والنرويج وغيرهما.
• هناك بعض العوامل الجيو – سياسية التي قد تدفع إلى زيادة المعروض النفطي لبعض الدول، مع ما يشكله ذلك من تحدّ للأسعار، إذ تشير التقديرات إلى إمكانية إجراء مفاوضات بين إيران والولايات المتحدة بوساطة أوروبية، ومن ثم احتمالية العودة إلى الاتفاق النووي، وما قد يستتبع ذلك من رفع لبعض/كل العقوبات عن إيران، ومنها العقوبات المفروضة على القطاع النفطي، بالإضافة إلى الاستقرار المرتقب في ليبيا بعد اختيار سلطة تنفيذية جديدة، فضلاً عن رغبة العراق المتكررة في زيادة إمداداته النفطية، وسعي نيجيريا للعمل على استقرار الأوضاع بما يكفل سيطرتها على القطاع النفطي وزيادة الإنتاج، ما قد يوحي بمزيد من الإمدادات في الأسواق.
• وهناك عوامل أخرى فنية ذات صلة بقُرْب فترة الصيانة الموسمية لمصافي النفط في الكثير من الدول المستهلكة، وما قد يترتب على ذلك من تراجع لأسعار المعروض.

بدائل دول الخليج لمواجهة أزمة التقلبات السعرية للنفط

تعتمد موازنات دول مجلس التعاون الخليجي ورؤيتها لعمليات الإنفاق بشكل أساسي على أسعار النفط؛ وبالتالي، إن انخفاض الأسعار سيؤثر على ميزانياتها، إذ تمثل العائدات النفطية في المتوسط 46% من عائدات دول المجلس، فيما تشكل الصادرات النفطية ¾ الصادرات، وتشكل الاحتياطات النفطية والغازية داعماً أساسياً للتصنيف الائتماني السيادي لها، إلا أن اقتصاداتها المعتمدة على النفط تشكل أيضاً نقطة ضعف نتيجة لتذبذب أسعاره وتأثره بالعديد من العوامل الخارجية.

وتُعد البحرين وسلطنة عُمَان الأكثر عرضة لمخاطر انخفاض أسعار النفط، بينما تبقى الإمارات وقطر الأقل عرضة للمخاطر نتيجة للتنوع الاقتصادي النسبي في الدولتين. وتشير التقديرات إلى أن دولة الإمارات خفَّضت اعتماد اقتصادها على النفط إلى مستوى 30%، ولذلك فإن الانخفاض في أسعار النفط لن يكون له وقع كبير على النمو الاقتصادي وفقاً لما تكرر على لسان كبار المسؤولين الإماراتيين.

وتوقع صندوق النقد الدولي، أبريل/نيسان 2020، أن تتأثر اقتصادات الدول المصدرة للنفط في الشرق الأوسط بشكل كبير، نتيجة تراجع أسعار النفط في الأسواق العالمية، بسبب الآثار الاقتصادية السلبية للإجراءات المتخذة عبر العالم ضد فيروس “كورونا”. وقد انكمش الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لدول المنطقة المصدرة للنفط بمقدار 4.2%، العام 2020، على غرار الاقتصاد العالمي الذي تقلص بدوره بـ 3%، في أكبر أزمة اقتصادية منذ ثلاثينيات القرن الماضي.

ويمكن إجمال المشكلات الناجمة عن هذه الأزمة، فيما يلي:

• احتمال حدوث عجز في الموازنات العامة لدول الخليج في الأجل الطويل، مع حدوث اضطرابات لتلك الموازنات في الأجل القصير، إذا ما استمر حالة عدم استقرار الأسواق، نظراً لاستمرار اعتماد دول الخليج على عائداتها من النفط لوضع ميزانياتها الوطنية، وإذا ما انخفضت أسعاره، فمن الطبيعي أن تبدأ الحكومات في مواجهة عجز مالي.
• ظهور تباطؤ اقتصادي في دول الخليج، وتأثّر مشاريعها في مجال البنية التحتية والقطاع الخاص سلباً بذلك.
• قد يدفع هذا الأمر حكومات المنطقة إلى تسريع خطواتها لتخفيض الدعم على أسعار الطاقة، الأمر الذي قد يضر الصناعات المعتمدة على النفط مثل البتروكيماويات، إذ تنفق دول الخليج سنوياً ما مجموعه 160 مليار دولار على دعم أسعار الطاقة، وفق بعض التقديرات.
• انخفاض الأسعار وارتفاع قيمة الدولار قد يخفضان التضخم على المديين المتوسط والبعيد بشكل غير مباشر، وسيُقلل ذلك من مستوى السيولة في الاقتصاد الخليجي، ولكن هذا النوع من انخفاض التضخم قد يكون خطراً إذ من المتوقع أن يصاحبه انخفاض في معدلات النمو الاقتصادي وارتفاع في معدلات البطالة.
• ستعاني دول منظمة أوبك بسبب ضعف إقبال المستثمرين على الصناعة النفطية عندئذ، لأنها ستصبح غير مربحة.

ولمواجهة هذه المخاطر والإشكاليات الآنفة الذكر، تتوافر العديد من الوسائل أمام دول مجلس التعاون الخليجي، وأهمها التنويع الاقتصادي لموارد الدخل، والموازنة العامة للدولة. وتشير الاتجاهات في هذا الشأن إلى ضرورة مضي دول مجلس التعاون الخليجي في تبنّي السياسات الاقتصادية القائمة على تنويع مصادر الدخل الذي يستهدف قطاعات متعددة كالعقارات والسياحة والبنى التحتية والصناعة وغيرها من قطاعات السوق التي تضخ موارد مالية إلى الموازنة العامة، حتى وإن تم هذا التحول بشكل تدريجي. وتجدر الإشارة هنا إلى أن نسبة مساهمة الإيرادات غير النفطية في إعداد الموازنة العامة لبعض دول الخليج لا تتجاوز 5%.

كما أن ترشيد الإنفاق العام في الوقت الحالي يكتسب أهمية خاصة في التعامل مع التقلبات السعرية واضطراب الأسواق النفطية، والاستعداد لحدوث أي انتكاسات مقبلة، في ضوء هشاشة الأسواق وضعف مستويات الطلب، وضبابية التنبؤ بأي مدى زمني محدد لانتهاء هذه الظروف، في ظل تجدّد موجات تفشي فيروس “كورونا” المستجد والسلالات المتحورة منه، وعدم القدرة على توقّع الوصول لمناعة القطيع جراء توزيع اللقاحات.

وتتضمن البدائل المتاحة أيضاً الآتي:

• خفض الإنفاق والتركيز في ضبط أوضاع المالية العامة على احتواء نمو النفقات الجارية، خاصة أجور القطاع العام، وتحديد أولويات النفقات الرأسمالية، وتعزيز الإيرادات غير النفطية. فقد أدى ارتفاع الإنفاق الحكومي في السنوات الأخيرة إلى ارتفاع سعر النفط التعادلي (مستوى السعر الذي يحقق توازن الموازنة الحكومية)، وفيما عدا قطر والكويت، يبلغ عجز المالية العامة الأولي غير النفطي مستوى أعلى مما يلزم لضمان إمكانية استمرار الإنفاق الحكومي عند نضوب الاحتياطيات النفطية.
• اعتماد سياسة مالية تعمل على زيادة تنويع مصادر الإيرادات المالية للدولة، وتوجيه السياسة المالية لزيادة الإنفاق الاستثماري.
• ضرورة استخدام الصناديق الاستثمارية ذات لدى هذه الدول في مشروعات لها عائد، ورفع مستويات التوجه نحو الاستثمار في دول عربية وأفريقية، وغير ذلك.
• مواصلة دعم جهود تحالف أوبك+ الرامية إلى ضبط إيقاع الأسواق النفطية، وتحسين الأسعار.
• وضع سياسة مالية واقتصادية حذِرة تأخذ موضوع مخاطر تقلبات أسعار النفط بعين الاعتبار عند إعداد الموازنات، مع وضع سياسات خاصة للتحوط من شأنها معالجة اختلالات الموازنة (العجز والفائض).
• تقليص دعم أسعار الطاقة، وتقليل خسائر هدر الطاقة التي تكلّف دول الخليج مجتمعة حوالي 50 مليار دولار سنوياً.
• استخدام الفوائض المتحققة من السنوات السابقة في معالجة هذه الاختلالات، إذ عملت كل دول المجلس، ما عدا البحرين، على مراكمة أصول خارجية رسمية كبيرة، مما سيسهل عليها تجاوز حالة التراجع المؤقت في الدخل النفط.
• تقليص المساعدات الخارجية وتوجيه مخصصاتها للإنفاق الاستثماري، ودعم البحث والتطوير والابتكار كمصادر لتحقيق النمو والتنوع الاقتصاديين.
• تقليل الحواجز التنظيمية أمام اعتماد التكنولوجيا كقاطرة للنمو، مثل الطائرات من دون طيار وتقنيات الذكاء الاصطناعي وتحليلاتها المتقدمة، مع أهمية تبسيط سياسات الهجرة وخفض تكاليف المعيشة، بما يُسهِّل إمكانية جَذْب المواهب من جميع أنحاء العالم، ويضمن بقاءها فترة كافية لبناء قاعدة محلية للمواهب وتوسيعها.

المصدر: مركز الإمارات للسياسات.

مصدر الصور: الشرق الأوسط – إندبندنت عربية.

موضوع ذا صلة: تأثيرات المبادرة السعودية على أسواق النفط*