زين العابدين شيبان*

أصدرت سوريا، عن طريق مصرفها المركزي، ورقة نقدية من فئة الـ 5000 ليرة وطرحتها للتداول، في خطوة اعتبرها بعض السوريين بداية لإنهيار كبير في الإقتصاد السوري، فيما برر البعض الآخر هذه الخطوة بأنها وسيلة إيرادية غير مباشرة للدولة بعد سنوات الحرب الصعبة. الحروب لأيام قليلة تدمر البلدان، فكيف إن استمرت لمدة تفوق العشر سنوات؟

دمار كبير حل على سوريا، حرب طويلة خسرت فيها البلاد الكثير من الناس، وتسببت بعجز كبير في الميزان التجاري بسبب قلة الصناعات بعد أن دمرت وسرقت الكثير من المعامل التي كان يعتمد عليها الإقتصاد السوري، وضعف التبادل التجاري بسبب الحصار الأمريكي الغربي الجائر الذي أدى إلى هبوط كبير في العملة السورية مقابل الدولار الأمريكي، الذي كان يساوي قبل الحرب 48 ليرة، وأصبح الآن يساوي في تداولات السوق السوداء بين 2600 – 2900 ليرة، يتأرجح بينهما على مدار فترات زمينية متعاقبة.

خوف السوريون من ازدياد الحالة الإقتصادية سوءاً جعلهم يشعرون بالقلق من طرح فئة الـ 5000 للتداول، فمنهم من وصف ذلك “بالفشل الإقتصادي” على حد تعبيرهم، ومنهم من انتقد اللون بصفته باهتاً، فقد يصعب العثور عليها في حال وقوعها على الأرض. ومنهم من أخذ الأمور بشكل ساخر، بسبب أن أجار تعرفة الركوب العامة بين 50 و100 ليرة، فكيف سيقوم السائق بإرجاع الباقي؟ ومنهم من أرادها باللون الزهري لترسم حياة متفائلة، وغيرهم الكثير.

الخبير الإقتصادي والدكتور المحاضر في كلية الاقتصاد، سنان علي ديب، يقول “طبعا لكل قرار اقتصادي انعكاسات تتعلق بالوضع العام وهكذا قرار تختلف تأثيراته تبعا للواقع، فلو كنا بوضع اقتصادي طبيعي قد يؤثر على العرض العام للكتلة النقدية في مقابل محدودية العرض من السلع وسيؤدي للتضخم”، مضيفاً، “نحن في سوريا نعيش ظروفاً استثنائية في ظل عقوبات لا شرعية ولا إنسانية جائرة وحصار خانق وفي ظل تضخم وصل لأعلى مستوياته في فجوة كبيرة بين حجم المبلغ المطلوب للعيش فوق الفقر وحجم المداخيل.. بالإضافة إلى الركود المالي، ومن هنا فإن الإنعكاس التضخمي سيكون قليلاً أو معدوماً ولكن قد يؤثر على الحالة النفسية والتي طالما إستخدمت للإرهاب الإقتصادي وللحرب الإقتصادية وهنا دور المصرف المركزي والوسائل الاعلامية الوطنية للتخفيف من أثرها والتي قد يستثمرها المعادين لافتعال مضاربات وهمية على سوق الصرف”، وتابع مستدركاً “ولكن قد يكون اتخاذ القرار للتخفيف من حجم كتلة الأوراق النقدية والتي يحملها المواطن أو في التداول وسط التضخم أو في التحويلات وكذلك حجم الأموال وتكاليفها عند طباعتها”، خاتماً بسؤال “هل ستطرح ككتلة جديدة تساعد على زيادة القدرة الشرائية وتحرك السوق أم ستستبدل بها أوراق نقدية تالفة ومن فئات أخرى؟”

يذكر وأنه من بين الوسائل المتاحة في علم المالية العامة إذا لم تستطيع الدولة أن تسد عجز موازنتها، سواء باللجوء إلى الضرائب والرسوم، أو بالحصول على القروض العامة لتغطية نفقاتها والنهوض بأعبائها، فإنها تعتمد إلى سد ذلك العجز عن طريق الوسائل النقدية التي تدعى لدى العامة بـ “طباعة النقود”، أي إصدار كمية جديدة من النقود تضاف إلى الكتلة النقدية المتوفرة في البلاد، وهذا الإصدار الجديد يتولد عنه ما يعرف “بالتضخم المالي” الذي يفضي بالضرورة إلى “التضخم النقدي”.

ومن المعروف أن التضخم يؤدي إلى ارتفاع الأسعار وإلى انخفاض قيمة النقود، وارتفاع الأثمان يؤدي إلى ارتفاع تكلفة الإنتاج ومن ثم أسعار الصادرات، وبالتالي إعاقتها، وإلى انخفاض القيمة الخارجية للعملة الوطنية، وهو ما يؤدي إلى ارتفاع سعر الواردات.

ولعل من أهم آثار التضخم إساءته إلى توزيع الثروات والدخول، وهذه الآثار تشكل ما يعرف عموماً بإسم “العبء الإقتصادي للإصدار الجديد”، وهو عبء يترتب عليه أموراً بالغة الخطورة، خصوصاً وأن الإصدار النقدي عملية مغرية وسهلة، مما يؤدي إلى انهيار قيمة العملة واختلال التوازن النقدي.

تم هذا الإصدار كي تمول الدولة نفقاتها العامة كوسيلة لخلق الإيرادات بدلاً من فرض نسب أكبر من الضرائب على المواطن السوري، فمن المعروف أن فرض ضرائب أكثر على المواطن سيزيد من سخطه؛ وبالتالي، الإصدار النقدي خير وسيلة لتلافي هذا السخط، وهذا الإصدار لا يرتب على الدولة فوائد ولا شروط مقابل ذلك.

وبالنسبة للمواطن السوري، فإن هذا الإصدار أشبه بضريبة خفية لن يشعر بها إلا بعد أن يجد آثارها على شكل ارتفاع للأسعار، وهذا ما يسمى في الإقتصاد بسياسة التمويل بالتضخم، أي طرح الدولة كميات من النقود الورقية بشكل أكبر من القدرة الإنتاجية لسوريا.

إن الدول تلجأ دورياً إلى طباعة العملة ويأتي هذا دوماً في سياق النمو والتطور الاقتصادي، أي زيادة الناتج المحلي الإجمالي للدولة، والذي يفترض على الدولة أن تقوم بموازنة الكتلة النقدية لديها من جهة، مع الكتلة العينية من جهة أخرى، وثم تتخذ القرار المناسب بإصدار عملة جديدة واستبدالها أو تمويل العجز.

إذا استخدمت العملة الجديدة لإستبدال العملة القديمة المهترئة، وبالتالي عدم زيادة العرض النقدي، فلن يكون لذلك الإجراء أي أثر على زيادة الأسعار وارتفاع معدلات التضخم في الإقتصاد، أي لن يؤدي إلى زيادة المعروض النقدي في الإقتصاد وفق “المعادلة الكمية في النقود”، وذلك إذا ما بقيت القضية حقاً كما يقول المصرف المركزي “لتلبية توقعات احتياجات التداول الفعلية من الأوراق النقدية وبما يضمن تسهيل في المعاملات النقدية وتخفيض تكاليفها ومساهمتها بمواجهة آثار التضخم التي حدثت خلال السنوات الماضية إضافة إلى التخفيض من كثافة التعامل بالأوراق النقدية بسبب ارتفاع الأسعار خلال سنوات الحرب والحصار والتخلص التدريجي من الأوراق النقدية التالفة لا سيما وأن الإهتراء قد تزايد خلال الآونة الأخيرة”.

فإنخفاض القوة الشرائية لليرة السورية وارتفاع المستوى العام للأسعار ولا سيما انخفاض العملة مقابل العملات الأجنبية أدى إلى زيادة سرعة دوران النقود من الفئة الورقية الصغيرة من فئتي الـ 50 و100 ليرة مما أدى إلى تلفها واهترائها.

ولكن، إذا أضيف الإصدار النقدي الجديد لما هو معروض من نقد، عن طريق تمويل الموازنة العامة “التمويل بالعجز” فإن ذلك سيؤدي حتماً إلى المزيد من انخفاض القوة الشرائية لليرة السورية وتآكلها، وبالتالي ارتفاع معدل التضخم، أي إن إصدار كميات نقدية إضافية من أجل تغطية النفقات العامة للدولة حيث لا يتوافر للدولة إيرادات ومصادر كافية، وبالتالي تقوم بطباعة العملة من أجل تمويل نفقاتها، أي إن ضخ النقود وبكميات إضافية لن تجد مقابلها من السلع والخدمات، فستكون هنا لدينا كتلة كبيرة من الكتلة النقدية المعروضة والتي سوف تطارد حجماً محدوداً من السلع والخدمات ما سيؤدي بشكل مباشر إلى ارتفاع أسعار السلع والخدمات.

*العنوان الأساسي: “ورقة نقدية تثير الجدل في سوريا.. لماذا؟ ما أثرها على الاقتصادي السوري والتداول المالي؟”

**صحفي – سوريا

المصدر: سبوتنيك

مصدر الصور: سي.أن.أن عربية – العربي الجديد.

موضوع ذا صلة: ماذا يحدث للعملة السورية مؤخراً؟