حوار: سمر رضوان

مع تحرير الموصل في العام 2016 من تنظيم “داعش” وتحرير الجيب الأخير منه في منطقة الباغوز العام 2019، انتهت “الدولة الإسلامية في الشام والعراق”، كما كان يروَّج لها، وقَتل زعيمها أبو بكر البغدادي على يد الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، كما قُتل أسامة بن لادن على يد الرئيس الأسبق باراك أوباما، ليخرج التنظيم من “قمقمه” معتمداً أسلوب “الشبح” يضرب ويختفي. فهل هذا يعني أن البلاد أمام أحداث دامية جديدة؟ مع إيقاظ “المارد” مجدداً؟

حول نشاط تنظيم “داعش” في العراق وسوريا معاً مؤخراً والسيناريوهات المتوقعة، والدور الأمريكي بإدارته الجديدة في ذلك، سأل “مركز سيتا“، الدكتور محمد مرتضى، الأكاديمي والباحث في الجماعات الإسلامية – لبنان، عن هذه المحاور وتداعياتها.

إنعاش التنظيم

إن التفجير الانتحاري المزدوج في شارع الطيران في بغداد مؤخراً، جاء في سياق نشاط متزايد لـ “داعش”، منذ العام 2020، ولم يكن التفجير بداية عودة التنظيم. فالوقائع تقول أن “داعش” لم يمت ليتم احيائه مجدداً، هو أشبه بالإنعاش لا الإحياء. لقد أُدخل “داعش” في حالة سبات. أما مسألة “لماذا؟”، فالأمر متعدد الجوانب، لكن كل المسارات توصل الى مصب واحد وهو “الولايات المتحدة الأمريكية”.

لنعد قليلاً إلى الوراء ما بين عامي 2003 و2011. في العام 2003، سقطت العاصمة العراقية بغداد، واحتلت واشنطن العراق. لم يطل الأمر كثيراً حتى ظهرت مقاومة عراقية فعالة وناشطة. وهنا، دعنا من كذبة أن أبو مصعب الزرقاوي، وأتباعه، كانوا مقاومة، فهؤلاء كان هدفهم المدنيين العراقيين، من الشيعة والسنة. ففي الوقت التي كانت تقوم المقاومة الحقيقية بإستهداف المحتل الأمريكي، كانت جماعة الزرقاوي تسعى جاهدة لإشعال فتنة مذهبية.

هنا، لا نحتاج إلى كثير من الكلام لإيضاح هذا التوجه، ففرق الموت التي جاء بها جون نيغروبونتي، الدبلوماسي ونائب وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، من خلال تطبيق ما سمي بخيار “السلفادور” كان واضحا للعيان وهو “استهدف شيعي هنا، ثم استهدف سني هناك، وأظهر الأمر على أنه انتقام، وتشتعل الفتنة.”

مع مرور الوقت وظهور أن الإتجاه يسير نحو فشل المفاوضات بين واشنطن وبغداد وأن الأمور تتجه نحو إنسحاب القوات الأمريكية، ازدادت وتيرة العمليات الإرهابية، بحيث أن أصابع الأمريكية باتت فيها واضحة.

الذريعة الأنجع

ما بين الإنسحاب الامريكي وانتشار “داعش” وإعلانه الخلافة، لم تمر أكثر من ثلاث سنوات (2011-2014). فمن يلاحظ التصريحات الأمريكية في بداية اجتياح التنظيم لأجزاء واسعة من العراق، يلحظ أن التركيز كان منصباً على ضرورة عودة الجنود الأمريكيين إلى العراق بحجة محاربة الإرهاب. وعلى الرغم من تشكيل واشنطن لتحالف دولي، إلا أن أداء هذا التحالف كان مريباً.

ميدانياً، لولا مسارعة إيران لمساعدة العراق، ثم الفتوى الشهيرة للمرجعية والتي على ضوئها تم تأسيس “الحشد الشعبي”، لسقط العراق بأكمله. لم تتحرك القوات الأمريكية ميدانياً إلا بعد هجوم “داعش” على أربيل ووصوله إلى سد الموصل؛ وبالتالي، دخل التنظيم بعد إلحاق الهزيمة به في العراق وسوريا في سبات، في وقت كان الجميع يشاهد عمليات الإجلاء الغامضة التي كانت تقوم بها المروحيات الأمريكية لبعض قياداته.

وبعد انهزام التنظيم، طرح السؤال التالي: إلى أية وجهة سيوجهونهم هذه المرة؟ في أكثر من مناسبة، كتبت أن “داعش” سيعود إلى استراتيجيته الأولى أي “النكاية” في العراق وسوريا، ونقل مجموعات إلى باكستان وأفغانستان للمناوشة هناك على حدود إيران. فبعد اغتيال قائد فيلق القدس، اللواء قاسم سليماني، انطلق شعار طرد الأمريكي من المنطقة؛ وما إن بدأت تظهر معالم مقاومة عراقية حقيقة، حتى عادت عمليات “داعش” إلى الظهور من جديد.

هكيلية جديدة

منذ عامين وبعض مراكز الأبحاث الامريكية تتحدث عن قيام التنظيم بإعادة هيكلة نفسه وعودته مجدداً. في ذلك الوقت قلت، وفي أكثر من مقال، إن الأصح أن يقال إعادة “داعش” لا عودته، وكانت تلك الدراسات والمقالات الأمريكية بمثابة التمهيد “النظري” للإعادة.

في سوريا، بدأت عمليات نقل سجناء من “داعش” إلى منطقة التنف، في محيط القاعدة العسكرية الأمريكية، ومن هناك انطلقت عمليات عسكرية في البادية السورية ضد الجيش السوري وحلفائه، وما زالت.

وفي العراق، بدأ التنظيم يشن هجمات واسعة في مناطق متفرقة، وإن تركزت بشكل أساس في مناطق الشمال والغرب العراقي، حيث يمكن مراجعة الأرشيف لرؤية سير الهجمات منذ بداية العام 2020، وتحديداً شهر مارس/آذار، أي بعد اغتيال القائدين قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس. هكذا، استمرت العمليات في ازدياد الى أن توجت بالعملية الانتحارية في ساحة الطيران.

بعد هذه الإطلالة، هل يصعب فهم من يقف خلف هذا الإنعاش لـ “داعش”؟ ومن المستفيد الأكبر منه؟

عود على بدء

إن نقطة الضعف المركزية عند واشنطن هي الخسائر البشرية؛ بالتالي، فعند أية عملية تصادم قريبة قد تتسبب بتكبيدها خسائر بشرية، فإنها لن تتوانى عن اللجوء إلى “الحرب بالوكالة”. من هنا، يبدو لي أن واشنطن تسعى لمزج استراتيجيتين في واحدة “نخوض الحرب على الأرض بطريقة غير مباشرة عبر وكلاء، ونخوضها مباشرة من بعيد”.

لذا، يمكن القول بأن تنشيط “داعش” يأتي في هذا السياق؛ فكلما ضاق الخناق على الوجود الأمريكي بالمنطقة، علينا أن نتوقع المزيد من سفك الدماء ومحاولات زرع الفتن.

توظيف ظاهرة الإرهاب

إن أية ظاهرة ما لم تكن متجذرة في بيئة معينة ومتحصنة فيها وفي وجدانها وثقافتها، يمكن انهاؤها. لكن السؤال عن أية دول تتحدث والتي نفترض أنها تريد انهاءها؟

إن الغرب بشكل، عام، وأمريكا، بشكل خاص، هما صنّاع هذه الظاهرة في جزء منها، وموظفيْن لها في جزء آخر. لطالما كانت الولايات المتحدة تستثمر في الإرهاب. فهم نفسهم الذين كانت تدعوهم بـ “المجاهدين” في أفغانستان إبان احتلال الإتحاد السوفياتي لها، أصبحت تطلق عليهم اسم إرهابيين.

تصنع واشنطن أسماء وتطلق عليهم وصف الإرهاب تبعاً لأهدافها ومصالحها، والا فإن معيار الإتهام ينبغي أن يكون قائماً على “الفكرة”. وبناء عليه، لماذا يُصنف “داعش” على أنه إرهابي، فيما تتعامل واشنطن وتدعم جماعات مسلحة في سوريا تحمل نفس فكر “داعش” العقيدي والقتالي؟

لا يهتم الغرب بما تحمله من “فكر”، بل بما تمثله من نموذج عملي. بمعنى آخر، المشكلة لديهم ليست في أن تحمل بندقية، بل المشكلة ضد من توجهها. من هنا، لا ينبغي أن يرتبط السؤال بقدرة هؤلاء على إنهاء “داعش”، بل بالرغبة في إنهائه لأن “داعش” ليس تنظيماً، بل فكرة ونهجاً قد يخلع إسماً ويرتدي آخر.

مصدر الصورة: موقع خبر 24.

موضوع ذا صلة: هل يعود تنظيم “داعش” إلى الواجهة مجدداً؟