اعداد: يارا انبيعة

وسط توترات أمنية تشهدها منطقة الشرق الأوسط ومناطق أخرى من العالم، اختتم وزراء خارجية منظمة الأمن والتعاون في أوروبا اجتماعهم السنوي في العاصمة النمساوية – فيينا، والذي انقعد لمناقشة تسوية النزاعات العسكرية ومكافحة الإرهاب والتوترات فى أوروبا، على مدار يومين بين 7 – 8 ديسمبر/كانون الأول 2017.

وتعد منظمة الأمن والتعاون في أوروبا محفلاً للنقاش في المجالات السياسية العسكرية والاقتصادية وحقوق الإنسان لـ57 بلداً، وتعتبر هذه المنظمة الإقليمية الوحيدة التي تضم الولايات المتحدة وروسيا بين أعضائها، وبالتالي فهي بمثابة منتدى للحوار.

 توعدات وتوترات مسبقة

تصريحات رسمية كثيرة خرجت للعلن قبل أسبوع واحد من الاجتماع أدلى بها وزراء خارجية الدول الأعضاء، إضافة إلى توماس جريمينجر، رئيس المنظمة، إذ كان السبَّاق حيث قال “إن خطر نشوب مواجهة عسكرية في شرق أوروبا يتزايد”، وأضاف “نرى عدداً متزايداً من المناورات العسكرية، وعمليات نشر القوات بالقرب من الحدود”، في إشارة إلى التوترات بين حلف شمال الأطلسي وروسيا.

بدوره، أدان ريكس تيلرسون، وزير الخارجية الأمريكي، “العدوان الروسي في أوكرانيا” مشيراً إلى أنه “لا يزال يمثل أكبر تهديد للأمن الأوروبي”، كما تطرق تليرسون إلى مسألة ضم موسكو لشبه جزيرة القرم الأوكرانية ودعمها للانفصاليين في شرق أوكرانيا.

من جهتها، أكدت روسيا على أنها تعتزم تسليط الضوء على الوجود المتزايد لحلف شمال الأطلسي على جانبها الشرقي خلال الاجتماع، وفقا لما ذكرته مصادر وزارة الخارجية الروسية.

أوكرانيا الحاضر الأبرز

“منذ قيام روسيا بضم شبه جزيرة القرم، ودعم موسكو للانفصاليين بشرق أوكرانيا، لا تزال الأزمة الأوكرانية تلقي بظلالها على الاجتماعات السنوية لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا”، هذا ما يشير إليه العديد من المسؤوليين الأوربيين.

الأمين العام للمنظمة توماس جريمينجر قال “بلغنا نقطة متدنية جداً على صعيد الثقة بين الجهات الرئيسية”، مضيفاً، أنه “على أوروبا أن تعيد بناء الثقة بين أعضائها.”

وأوضح جريمينجر للحضور بأن “الأمن يبدأ بالثقة، والثقة تبدأ بالحوار، ومن المهم أن نحيي ذلك الآن. أشعر بقلق بالغ بسبب النشاط العسكري المكثف، وتفاقم الموقف الإنساني في شرق أوكرانيا”، وتابع  بالقول “في شرق أوكرانيا، ننضم لشركائنا الأوروبيين في الإبقاء على العقوبات حتى تسحب روسيا قواتها من منطقة دونباس، وتفي بالتزاماتها في اتفاق مينسك.”

روسيا تهديد كبير يجب مواجهته

وسط تناقس روسي – أميركي على مسألة نشر قوات لحفظ السلام في أوكرانيا، شنت واشنطن هجوماً عنيفاً على موسكو مؤكدة أن الخلافات المستمرة بين البلدين بشأن النزاع في أوكرانيا يعرقل كل تطبيع في العلاقات التي بلغت أدنى مستوى لها، إذ لا تبدو في الأفق ملامح تحقيق تقارب حول هذه المسألة وهو ما بدا واضحاً من خلال حدية التصريحات لوزيري خارجية البلدين.

ففي مؤتمر صحافي مع نظيره النمساوي سيباستيان كورتس، ذكر تيلرسون أن الرئيس دونالد ترامب قال بشكل واضح العام الماضي (2016) إنه يرغب في تحسين العلاقات مع روسيا لكن القضية التي تقف في الطريق هي أوكرانيا. بحسب تيلرسون “قد تكون هناك خلافات في مجالات أخرى،  لكن عندما يجتاح بلد بلداً آخر فهذا خلاف يصعب تجاهله أو القبول به.. قلنا لروسيا بوضوح منذ البداية: علينا معالجة القضية الأوكرانية، فهي أصعب عقبة في وجه تطبيع علاقاتنا”، مضيفاً بأن “من كل التحديات التي تواجهها منظمة الأمن والتعاون في أوروبا اليوم، ليس ثمة ما هو أصعب وأشدّ إحباطا من الوضع في أوكرانيا”، مشدداً على أن بلاده لن ترفع عقوباتها طالما استمرت سيطرة روسيا على شبه جزيرة القرم ودونباس، خصوصاً وأن هناك أزمة إنسانية تتمثل في أن عدد المدنيين الذين قتلوا عام 2017، في شرق أوكرانيا، يفوق عددهم ما سجل في العام 2016، وإن انتهاكات وقف إطلاق النار قد ازدادت بنسبة 60%.

وما هو مهم للإشارة اليه، بأن الوزير الأميركي اتهم روسيا بأنه “تسلح وتقود وتدرب وتحارب إلى جانب القوات المعادية للحكومة.. ندعو روسيا ووكلاءها إلى وقف المضايقات والتخويف والهجمات على مهمة المراقبة الخاصة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا.”

دعا وزير الخارجية الأوكراني بافلو كليمكين الدول الأعضاء إلى فرض عقوبات جديدة على روسيا، وصرح كليمكين بأن أية حالة لمخالفة حقوق الإنسان في القرم يجب أن تؤدي إلى عقوبات جديدة. ونقلت مصادر عن الوزير الأوكراني قوله إن زيادة الضغوط الدولية على موسكو تعتبر “مهمة”، موضحاً بأن “العقوبات ضد الأشخاص” تعتبر إحدى أهم الآليات.

كما التقى الوزير الأوكراني نظيره الأمريكي، وأفاد كليمكين على حسابه الشخصي “تويتر” بأنه بحث مع تيلرسون طيفاً واسعاً من المسائل ذات الاهتمام المشترك، مشيراً الى ان المحادثات ركزت على موضوع نشر قوات حفظ السلام في إقليم الدونباس الانفصالي، والأمن في مجال الطاقة، ودعم المنظومة الفعالة والمستقلة لمكافحة الفساد في أوكرانيا.

 منظومة الدفاع الامريكية تقوِّض الأمن

في المقابل، اكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ان زيادة قدرات الناتو، على المحور الشرقي للقارة الاوروبية، هو نهج نحو توسيع انتشار قوات الحلف، ونشر منظومة الدفاع الصاروخي الأمريكية في أوروبا الامر الذي يقوِّض مبدأ الأمن غير القابل للتجزئة.

وأعرب لافروف عن قلقه إزاء حالات انتهاك القانون الدولي والتدخل في الشؤون الداخلية بما فى ذلك الدعم المباشر للانقلابات، ومحاولات حل المشاكل القائمة بالقوة، واستخدام الإجراءات غير الشرعية أُحادية الجانب.عن الأزمة الأوكرانية، قال لافروف “إن جهود مجموعة الاتصال لتسوية النزاع شرقي أوكرانيا ورباعية نورماندي تتعثر بسبب تصرفات كييف.”

وكان لافروف قد عقد، على هامش أعمال المؤتمر، عدداً من اللقاءات الثنائية حيث أجرى مشاورات مع الأمين العام للمنظمة توماس جريمينجر، وبحث جدول الأعمال الأوروبي مع القائم بأعمال رئيس الجمعية البرلمانية للمنظمة جيورجى تسيريتيلي، كما أعلنت الخارجية الروسية أن الوزير لافروف بحث مع نظيره الأمريكي سبل تخطي النزاع في سوريا.

وقالت الخارجية الروسية في بيان لها “تمت مناقشة الخطوات القادمة للتغلب على النزاع في سوريا عبر عملية تفاوضية وثيقة بمشاركة جميع القوى السياسية، بما في ذلك في إطار جنيف وصيغة مؤتمر الحوار الوطني المقرر في سوتشي، بالتوازي مع انتهاء عملية القضاء على التنظيمات الإرهابية الدولية”، وأشار البيان إلى أن لافروف ركز على أن للسوريين وحدهم لهم حق تحديد مستقبلهم، مذكراً بضرورة الالتزام بسيادة سوريا ووحدة أراضيها.

كوريا الشمالية “قد” تقبل التفاوض

لم يغب ملف كوريا الشمالية عن لقاءات المؤتمر، حيث اعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ان الشك في الادارة الاميركية يحول دون ايجاد حل مع بيونغ يانغ التي قد تقبل بالتفاوض مع واشنطن بشأن برنامجها النووي، وأكد أن الإدارة الأمريكية أهدرت فرصة لخفض التوترات بعدما ارسلت كوريا الشمالية إشارات مختلطة عبر الوسطاء الروس.

واشار الوزير الروسي الى موضوع مهم للغاية، اذ تساءل عن كيفية “اقناع كوريا الشمالية بأن اتفاقاً يعقد اليوم لن تتراجع عنه الادارة الاميركية المقبلة في العام او العامين القادمين”، ملمحاً الى ما قامت به واشنطن تجاه الملف النووي الايراني، مشيراً الى ان بلاده كانت على استعداد لتسهيل عملية التفاوض بين البلدين.

 فرصة لتحقيق السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين

وصف وزير الخارجية الامريكي ريكس تيلرسون اعلان الرئيس دونالد ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل بأنه “اعتراف بالواقع الموجود على الارض واقرار لما هو عليه الحال.” وأضاف تيلرسون أن “معظم المؤسسات الرسمية الإسرائيلية تتخذ من القدس مقرا لها وبالتالي فإن هذا الاعتراف يؤكد هذا الوضع القائم”، مشيراً بأن بلاده لا تزال تؤكد التزامها على حل الدولتين، ويعتقد بأن هناك “فرصة لتحقيق السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين.”

من جهته، علق سيباستيان كورتس، رئيس منظمة الامن والتعاون الأوروبي الحالي وزير خارجية النمسا، على اعتراف الرئيس ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل بالقول ان “موقف الحكومة النمساوية والاتحاد الأوروبي واضح بهذا الخصوص ويقوم على مبدأ ان تحديد وضع القدس يجب ان يظل ضمن مفاوضات مباشرة بين الطرفين”، مخالفاً بذلك موقف نظيره الأميركي.

 الوضع في إدلب معقد

أخذت الأزمة السورية حيّزاً من لقاءات وتصريحات المسؤوليين الدوليين، إذ أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، أن بلاده لا تخطط  إلى التعاون مع الولايات المتحدة بشأن إدلب، معتبراً ذلك أمراً “عديم الفائدة”، مشيراً بأن الوضع في إدلب لا يزال “معقداً ووصعباً، ونعمل مع الشركاء الأتراك بالدرجة الأولى، وكذلك مع الشركاء الإيرانيين والسوريين، على إطلاق منطقة خفض التوتر هناك بأقصى فاعلية ممكنة”، مضيفاً “ليس لدينا أي خطط مشتركة مع الولايات المتحدة بشأن هذه المنطقة السورية بالذات، وأعتقد أنه أمر غير مثمر على الإطلاق.”

وفيما يخص داعش، أشار لافروف الى أن التنظيم تكبد هزيمة ساحقة وكاملة في سوريا، مضيفاَ “إن المواقع المتبقية لا تشكل خطراً حقيقياً وسوف يتم القضاء عليهم.”

 الجزائر حاضرة

جددت الجزائر عزمها على مواصلة المكافحة الصارمة ضد الإرهاب، والتطرف العنيف، والراديكالية، والجريمة المنظمة العابرة للأوطان، والمتاجرة بالمخدرات والاتجار بالأشخاص.

الوفد الجزائري، الذي ترأسته سفيرة الجزائر في النمسا فوزية مباركي، اكد على عزم بلاده الالتزام بتكيف الحوار، وتعزيز التعاون بين المنظمة وبلدان شركاء التعاون في منطقة البحر الأبيض المتوسط على أساس الثقة المتبادلة.

إلى ذلك، اغتنم الوفد المناسبة للتأكيد مجدداً عن “الانشغال الكبير” للجزائر فيما يخص قرار الإدارة الأمريكية الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل محذراً المشاركين من مغبة “العواقب التي قد  تنجر عن هذا الانتهاك لمسار السلام المتوقف والتهديدات الخطيرة على سلم وأمن واستقرار منطقة جد حساسة تعاني أصلا من ويلات الحروب.”

 مصدر الصور: OSCE – صحيفة عكاظ – موقع العهد