تأخر الاستحقاق الانتخابي الفرنسي ثلاثة أشهر عن موعده بسبب أزمة “فيروس كورونا” الصحية. وبلغت نسبة الامتناع عن التصويت في الدورة الأولى منها مستوىً قياسياً (66,72 في المئة)، وفتحت مراكز الاقتراع الفرنسية في الدورة الثانية من الانتخابات الإقليمية أبوابها أمام الناخبين، لكن يبقى الرهان الحقيقي في هذه الجولة، التي تعد بمثابة تحضير للانتخابات الرئاسية 2022، هو نسبة المشاركة.
امتناع عن التصويت
أسباب الامتناع عديدة من الملل من السياسة إلى عطلة نهاية أسبوع صيفية بينما ترفع فرنسا إجراءات الحجر الصحي وغيرها. ورأت جيسيكا سينتي المحاضرة في العلوم السياسية في جامعة أفينيون، أن الأمر “مزيج من كل هذه الأسباب مجتمعة”. وأضافت “نشهد اكتمال الانفصال بين الناخبين والطبقة السياسية، وفي الأوضاع الصحية الراهنة كان هناك القليل من النشاطات في الخارج، ما أدى إلى تعقيد التواصل مع جزء من الجمهور”.
كما بدا التأثر واضحاً على معظم الأحزاب السياسية بسبب هذه الأرقام القياسية وفكرت ببعض التغييرات. وقال عدد من كوادر الغالبية بمن فيهم المتحدث باسم الحكومة غابريال أتال إنهم يؤيدون التصويت الإلكتروني في المستقبل، بينما يعول آخرون على المدى القصير، على حملة “خاطفة” على شبكات التواصل الاجتماعي لتشجيع الناخبين على التحرك للانتخاب. وستكون المهمة شاقة. فقد أشار استطلاع للرأي إلى أن 36 بالمئة فقط من الفرنسيين يعتزمون التوجه إلى مراكز الاقتراع في الدورة الثانية.
نتيجة مخيبة
يتسم الاقتراع بنقاط غموض عديدة في مناطق عدة. فاليمين المتطرف المتمثل بالتجمع الوطني لم يصل إلى المرتبة الأولى سوى في منطقة واحدة هي بروفانس-ألب كوت دازور في نتيجة مخيبة للآمال مقارنة باستطلاعات الرأي التي سبقت الاقتراع في مناطق عدة. وبذلك سيتواجه مرشح اليمين القومي تييري مارياني مع منافسه اليميني رونو موزولييه الذي يفترض أن يستفيد من انسحاب لائحة اليسار. وهي المنطقة الوحيدة التي يبدو فيها حزب الجبهة الوطنية في وضع يسمح له بالفوز الذي سيكون إذا تحقق مع ذلك، تاريخياً لأن اليمين المتطرف لم يحكم المنطقة يوماً. وقال جيروم سانت ماري إن “فرضية فوز لمارياني وإن كان غير مرجح، ستدل على أن الجبهة الوطنية قادرة على الانتصار بمفردها على تحالف كل الآخرين ويمكنها الوصول إلى سلطة تنفيذية نافذة لمنطقة حديثة مفتوحة على العالم”.
وبالنسبة للغالبية الرئاسية (حزب الجمهورية إلى الأمام التابع للرئيس ماكرون)، تبدو النتيجة أقل إشراقاً. فعلى الرغم من مشاركة عدد من الوزراء في الحملة الانتخابية، لم تحقق قوائم عديدة نسبة العشرة بالمئة اللازمة لخوض الدورة الثانية، والأسوأ من ذلك هو أن حزب الجمهورية إلى الأمام ليس في وضع يمكنه من الفوز في أي من المناطق الـ13 في فرنسا القارية، ويمثل على المستوى الوطني القوة الانتخابية الخامسة في البلاد. وقالت جيسيكا سينتي إن “حزب الجمهورية إلى الأمام يعاني من ضعف وجوده المحلي لكن ذلك لم يمنعه من الفوز في 2017 في الانتخابات الرئاسية والتشريعية”.
من سيخرج فائزاً في هذه الانتخابات؟
الأحزاب “التقليدية” على الأرجح، التي ضعف وجودها في المشهد الإعلامي في السنوات الأخيرة وهزها الانتخاب المفاجئ للوسطي إيمانويل ماكرون الذي انتزع ناخبي اليمين واليسار على حد سواء في الاقتراع الرئاسي في 2017، ويبدو اليمين في وضع جيد للاحتفاظ بالمناطق الست التي يحكمها حاليا وإن كان يرجح أن تكون المنافسة حادة في إيل-دو-فرانس (منطقة باريس) أو بروفانس-ألب كوت دازور، في المقابل، يفترض أن تسمح تحالفات بين دعاة حماية البيئة والاشتراكيين وحزب فرنسا الأبية (أقصى اليسار) لليسار بالفوز في عدد من المناطق.
لكن هذه العودة للانقسام بين اليسار واليمين يجب تحليلها بحذر ولا شيء يوحي بأن المنافسة التي تتوقعها كل معاهد استطلاعات الرأي، بين ماكرون وزعيمة حزب الجبهة الوطنية مارين لوبان في الانتخابات الرئاسية لعام 2022 أصبحت موضع شك. وقال جيروم سانت ماري إن “الأحزاب التقليدية تستفيد من الشبكة الكبيرة التي حافظت عليها في المناطق”، موضحا أن “الانقسام بين اليسار واليمين ما زال قائما على مستوى المؤسسات المحلية لكن لم يترجم حاليا على المستوى الوطني”.
خاوي الوفاض
ظهرت نتائج أولية للانتخابات الإقليمية بفرنسا فشل أقصى اليمين في الفوز برئاسة أي إقليم أو منطقة، كما أصيب حزب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بخيبة أمل بسبب خسارته في كل الأقاليم، وتفيد النتائج الأولية بأن حزب ماكرون “الجمهورية إلى الأمام” خرج خاوي الوفاض من الانتخابات المحلية ولم يفز برئاسة أي من الجهات الـ13، وأقر حزب ماكرون بأن الدورة الثانية من الانتخابات المحلية تشكل “خيبة أمل للأغلبية الرئاسية”، وفق رئيسه ستانيسلاس غيريني.
حيث جاءت نتائج التجمع الوطني الفرنسي اليميني المتطرف أقل مما كان متوقعاً في الدورة الأولى من انتخابات المناطق والمقاطعات الفرنسية، وسط نسبة امتناع عن التصويت عالية جداً، وفق أولى التقديرات في استحقاق يشكل اختباراً تمهيدياً قبل موعد الانتخابات الرئاسية.
من هنا، يكتنف المشهد السياسي الفرنسي حالة ارتباك وغموض قبل أشهر من الانتخابات الرئاسية، غداة انتكاسة مدوية لأبرز المرشحين لدخول قصر الإليزيه، بعد خسائر مدوية مُنيت بها أحزابهم وعزوف قياسي للفرنسيين عن المشاركة في الانتخابات. الاقتراع وإن كان داخلياً لكنه مؤشر على أن الناخبين الفرنسيين بعيدين عن منح السلطة العليا في البلاد لليمين المتطرف.
مصدر الأخبار: سيتا + وكالات.
مصدر الصور: فرانس 24 + الإندبندنت.
موضوع ذا صلة: إرهاصات انقلاب عسكري في فرنسا.. ما القصة؟