يمثل قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب حول الاعتراف بالقدس كعاصمة لإسرائيل خطوة خطيرة جداً لم يجرؤ الإقدام عليها أياً من اسلافه الأميركيين. فالقرار يريد أن يطوي عقوداً من الصراع العربي – الإسرائيلي، ويختزل نضال شعب جُرِّد من أرضه.
عن تداعيات هذا القرار، حاور مركز “سيتا” الأستاذ محمد أحمد حرب، الكاتب والباحث السياسي الفلسطيني، حيث يرى الأستاذ حرب بأن الرئيس ترامب قد “سوّغ قراره الخطير بأن الوقت مناسب لاتخاذه. غير أن هذا القرار كان حاضراً على طاولة الرئاسات الأمريكية المتعاقبة وكان ينتظر الوقت الموائم لإعلانه كتتويج لصراع طويل بين المغتصب وصاحب الحق الأصيل. قرار ترامب، مع خطورته، ليس قفزة في الهواء، إنما هو نتاج طبيعي لحالة التردي العربية واستثمار لأسوأ الأوقات واختتام لمسلسل الخنوع المذل الذي يتسابق في مضماره أنظمة عربية.”
ويشيرالكاتب حرب بأن “أبعاد هذا القرار الخطير التوعوية أشد أثراً من الأبعاد العملية. فالاستيطان والتهويد للمدينة المقدسة والغصب والسلب للأملاك والتهجير القسري لأهل القدس، يأتي في اطار استكمال مسير احتلالي دشنته المنظومة الاستكبارية العالمية قبل 100 عام. إن ما نحياه الآن ليس إلا فصل أخير من فصول هذا المسير الإجرامي، يعقبه مزيداً من التغول الصهيوني على حقوق شعبنا في أرضه. لكن الأخطر من كل ما استعرضنا وما لم نستعرضه، يستهدف تغيير الجغرافيا والتاريخ عبر كي الوعي الوطني، وإثقال الوجدان بالوهن والضعف والفشل وضمور الإرادة، وإسكات الضمير الوطني بمفردات الخذلان والفرار واحلال الهزيمة والذل، للوصول الى موقع متقدم في تكويننا الثقافي يُسقط قلاع الكرامة والعزة مما يجعل حدودنا القيمية مستباحة امام ارادة السوء التي تستعجل هدم اسوار صمودنا.”
وعن طبيعة هذه المواجهة، يقول الباحث حرب “إن المعركة الحقيقة ليست ذات طابع عسكري، إنما هي معركة بين المقدّس والمدنّس. إن عداء أميركا وإدارتها الفاسدة للقدس ومكانتها في وجدان وعقل الأمة هو ما دفعهم لتوجيه جلَّ مخططاتهم نحو قلب الأمة بعد أن انهزموا وسقطوا أمام ضربات محور المقاومة في كل المعارك التي أشعلها عدونا في المنطقة خدمة للمحتل المغتصب، وتنصيباً لوجوده كحاكم اوحد على العرب والإقليم. أميركا، كعادتها إذا ما انهزمت في الميدان الحربي، تعمل على تحقيق أهدافها وتكريس هيمنتها عبر مخططات سياسية، وقرار ترامب العدائي بحق القدس لم يكن إلا إعلان انتصار لمعركة انهزمت فيها أدواته وخسر هيبة دولته، وسقط وهم انفاذها لإرادتها ومشيئتها بصمود وتصدي محور المقاومة، وتحالف المنهزمين من كيانات العار العربية، بقيادة عدد من الدول الخليجية، بعد أن خسروا كل حروبهم. كان المطلوب من هذه التحالفات المتصهينة تحقيق المنعة والقوة أمام عدو وهمي اسمه إيران، فيما يقدمون هم فروض الطاعة والخضوع والخنوع للعدو الحقيقي الذي يحتل الارض، ويغتصب الحق ويقتل النفس وينتهك المقدس، ولا ينتمي للجغرافيا ولا التاريخ الا بقدر تسويق خداعه.”
وعن مفاعيل قرار ترامب، يرى الكاتب حرب “إنه قرار فاشل مهزوم إذا ما تم التعاطي معه بما يناسبه من فعل جماهيري ونضالي. هذا الأمر، سيضع ترامب أمام حقيقة أن النشوة التي تسكنه، هو والصهاينة، نشوة عبثية مآلها الغياب لأن الانتصار لا يتم تحقيقه في صالونات الملوك والأمراء والحكام الذين قدموا له ما لا يملكون، القدس وفلسطين، قرباناً لارضائه. فحتى لو تم تمرير مفاعيل هذا القرار السياسية وبدأ عدونا يحصد ثمراته المنتظرة تهويدا للقدس واغتصاباً للأملاك واستيطاناً للاراضي وتهجيراً للسكان وانتهاكاً للباحات المقدسة وحصاراً للفلسطينيين وتجاوزاً لكل الاتفاقات الدولية، فإن هذه المعركة المحتدمة لن تنتهي حتما بتحقق أمانيهم ولو وقَّع عليها كل الحكام واصحاب القرار، لان الرهان لم يكن يوماً عليهم وفي كل محطات الصراع مع الصهاينة. لقد كان النظام العربي الرسمي، بأغلبيته الساحقة، جزءاً من المنظومة الدولية الراعية للاحتلال الصهيوني عدا سوريا، بشكل دائم، ومصر، قبل كامب ديفيد، وانظمة منتمية للقضية الفلسطينية من غير دول الطوق. لذا، فإن المعركة ما زالت في اوجها لان محور فلسطين المقاوم يتعاظم قوة واثراً وتمدداً وانتصاراً، والقدس التي يريد ترامب سلخها من جذورها تتهيأ لاستقبال اهلها وجنودها. لكي يتحقق ذلك، فإن الجريمة الاعظم في التاريخ المعاصر لا بد ان تكتمل اركانها وتتضح معالمها. هذا الامر اصبح في عهدة ترامب ونتنياهو واغلب رؤساء الانظمة العربية التابعة.”
مصدر الصورة: الخليج 365 – الموعد اليومي